الفيزياء والفلك > علم الفلك
هل نمت وتطورت مجرة درب التبانة من الداخل أولاً؟ أحد الدراسات قد تقدم إجابة على ذلك
اكتشف فريق من الباحثين باستخدام بيانات مشروع Gaia-ESO دليلاً يدعم صحة أحد النماذج النظرية في تصنيف النجوم في مجرتنا بحسب تأثير تاريخ تشكلها على تركيب عناصرها وبالتالي على معرفة أي المناطق في قرص مجرتنا تشكلت فيها النجوم أولاً.
بدراسة وقياس العناصر التي تتشكل سريعاً في النجوم، كالمغنيزيوم بشكل خاص في هذه الدراسة، تمكن الفلكيون من تحديد أن أولى النجوم في مجرتنا تشكلت في المناطق الداخلية من المجرة مما يدعم فكرة أن مجرتنا أخذت بالتشكل من المركز نحو الأطراف.
فباستخدام مجموعة التلسكوبات الضخمة VLT في التشيلي أحد أضخم التلسكوبات في العالم بقطر مرآة 8 أمتار تقريبا لكل منها قامت مجموعة دولية من الفلكيين بدراسة تفصيلية لمجموعة من النجوم من مجال واسع من الأعمار والمواقع في قرص مجرتنا وذلك لتحديد نسبة "معدنيتها" وهي نسبة العناصر الموجودة فيها عدا عن أكثر عنصرين موجودين في النجوم وهما الهيدروجين والهيليوم.
عندما تشكلت أولى النجوم في كوننا لم يكن هناك اي عناصر إلا الهيدروجين والهيليوم ونسبة قليلة من بعض العناصر الأثقل وقد تشكلت هذه العناصر الثقيلة لاحقا داخل النجوم الضخمة التي عاشت لفترة قصيرة نسبيا ثم انفجرت كسوبرنوفا مخلفة ورائها نجوماً نيوترونية أو ثقوباً سوداء منتجة خلال مراحل موتها نسبا مرتفعة من عنصر المغنيزيوم.
وقد قارن الفريق بين النجوم التي تقع داخل الدائرة الشمسية -وهي مدار الشمس حول مركز المجرة حيث تتم الشمس دورتها كل 250 مليون سنة تقريباً- وبين النجوم خارج هذه الدائرة. وقد وجدو أن النجوم التي تقع داخل الدائرة الشمسية بالرغم من وجود نسب قليلة من العناصر المعدنية (أي عنصر غير الهيدروجين أو الهيليوم كما ذكرنا) فإنها تحوي نسبة مرتفعة من المغنيزيوم والذي كما ذكرنا تنتجه النجوم التي ماتت سريعاً مما يدل أن المنطقة داخل الدائرة الشمسية احتوت نجوماً تشكلت في البداية وعاشت لزمن قصير نسبياً.
أما النجوم الواقعة خارج الدائرة الشمسية فقد كانت نسبة المغنيزيوم فيها منخفضة بشكل مدهش سواء كانت نسبة معدنية النجوم مرتفعة أو منخفضة أي كأن هذه المنطقة الخارجية لازالت تحتفظ بشكل أكبر من مركز المجرّة بالنجوم التي تشكلت فيها للمرة الأولى والتي لم تنفجر بعد.
أما ماريا بيرغيمان التي قادت هذا البحث فقد قالت: لقد تمكنا من تسليط ضوء جديد على المخطط الزمني للتنوع الكيميائي عبر قرص مجرة درب التبانة مبيّنين أن المناطق الخارجية من القرص استغرقت وقتا أطول لتتشكل فيها النجوم. مما يدعم النماذج النظرية لتشكل المجرات ذات الشكل المسطح كالقرص ضمن سياق علم كونيات المادة المظلمة الباردة والذي يتنبأ بأن قرص المجرة يتشكل من الداخل نحو الخارج.
كما سلط البحث الضوء على قضية جدلية أخرى حول احتمال وجود بنية مزدوجة لقرص مجرة درب التبانة فيما يعرف بالقرص الرقيق والقرص الثخين. فكما يشرح ألدو سيرينيللي أحد المشاركين في البحث: يحتوي القرص الرقيق على الاذرع الحلزونية للمجرة، الغيوم الضخمة من جزيئات الغاز، ومعظم المكونات الفتيّة بالنسبة لعمر المجرة. بينما شك الفلكيون لفترة طويلة بوجود قرص أثخن واقصر ويحوي نجوماً أقدم.
ولكن الدراسة بينت أن الحالة ليست إما قرص مجرّي واحد أو مزدوج. فيمكننا أن نجد نجوماً من أعمار مختلفة متوزعة في كل مكان ولا يوجد فاصل واضح بين منطقة القرصين كما كان متخيلاً. وتبين الدراسة أن المنطقة الداخلية المركزية من القرص الثخين تشكلت بسرعة أكبر بكثير من نجوم القرص الرقيق والتي تنتشر بكثافة في منطقة وجود شمسنا. وهناك عدة فرضيات حول نشوء منطقة القرص الثخين بدءاً من الاضطرابات الثقالية وحتى فرضيات ابتلاع مجرتنا في الماضي لبعض المجرات الصغيرة التابعة لها.
ويقول احد المشاركين بقيادة البحث غريغ روشتي الباحث في مرصد لوند في السويد أن مجرة درب التبانة قد "التهمت" العديد من المجرات الصغيرة في الماضي. والآن بفضل المسح الذي يقوم به مشروع Gaia-ESO يمكننا دراسة اثار هذه الأحداث.
تقدّم هذه النتائج جميعها منظوراً جديدا لتاريخ تشكل وتطور مجرتنا وهية جزء من الموجة الأولى لعمليات الرصد الجديدة من مشروع مسح Gaia-ESO والتي تعد تكملة متمركزة على الأرض لمهمة Gaia التي أطلقتها وكالة الفضاء الأوروبية نهاية العام الماضي، وأول مسح على نطاق واسع يتم عبر أكبر تلسكوبات العالم وهي منظومة VLT في بارانيل- التشيلي. وقد نشرت الدراسة على الإنترنت وتم تقديمها لمجلة Astronomy and Astrophysics.
المصدر: هنا
حقوق الصورة: