الطبيعة والعلوم البيئية > علم البيئة
البيتون يُكفّر عن ذنوب الإسمنت بحق البيئة
يُصنَعُ الإسمنت عن طريق تحويل كربونات الكالسيوم إلى أوكسيد الكالسيوم، وذلك بوضعِها في فرنٍ بدرجةِ حرارةٍ تزيدُ عن الـ 1000 درجةٍ مئويّة. وهذه العمليّةُ تُطلِقُ كميّاتٍ وفيرةً من CO2 تُشكّلُ حوالي نصفَ كميّة غازاتِ الاحتباس الحراريّ الإجماليّةِ الناجمةِ عن صناعة الإسمنت، أمّا النّصفُ الآخرُ فيأتي من الوقود الأحفوريّ المُستخدَمِ لتسخين أفران الإسمنت.
كشفت دراسةٌ قام بها فريقٌ من العلماء الصينيين في معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا بالتعاون مع عالمٍ بأنظمةِ الأرض في جامعة كاليفورنيا وغيرِه من العلماء عن جانبٍ مضيءٍ للإسمنت بيئيّاً، إذْ بيّنتْ أنّ الملاطَ والخرسانةَ وأنقاضَ الأبنيةِ المُهدَّمة وحتى الرماد الناتج عن أفران الإسمنت يمكنُ أنْ تمتصّ CO2 تدريجيّاً من خلال عمليّةٍ تسمّى الكَرْبَنَة (الإشباع بثاني أوكسيد الكربون)، وهي عملية بطيئة تحدث خلال دورة حياة المواد المصنوعة من الإسمنت وفيها يدخلُCO2 من الهواء إلى مسامات الإسمنت الصغيرة، فيصطدمُ بالماء وبالعديد من المواد الكيميائيّة المحتجزةِ في الإسمنت، وينجم عن ذلك تفاعلاتٌ تُحَوِّلُ CO2 إلى موادّ أخرى من ضمنها الماء. وحتى الآن لمْ تُقدّر كميّةُ غاز ثاني أوكسيد الكربون التي تمّ امتصاصها عن طريق الإسمنت في العالم.
جمعَ العلماءُ بياناتٍ من دراساتٍ توضّحُ كيفيّةَ استخدام الإسمنت في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك سماكةُ الجدران الخرسانيّة، وجودةُ الخرسانة المُستخدَمةِ في المنشآت المختلفة، ومدّةُ حياة المباني الخرسانيّة، وماذا يحدثُ للخرسانة بعد انهيار المباني. كما زارَ العلماء مواقعَ البناء والتشييد في جميع أنحاء الصين "المُصَنِّعِ الأكبرِ للإسمنت في العالم" للحصولِ على تقديراتٍ أكثرَ دقّةً للعواملِ المتنوِّعة التي تؤثّر على مقدار CO2 الذي يمتصُّهُ الإسمنت. وتضمّنتْ كلّ شيءٍ من نطاق حجم الرُّكام الخرساني إلى المدةِ الزمنية التي بقيَ فيها متروكاً في الهواء الطّلق، إلى كمّيّة الإسمنت المُستخدَمِ في الخرسانة السّميكة مقابلَ الطبقات الرقيقة من الملاط (المعجون) المفروشة على الجدران، حيث تتعرضُ بسهولةٍ أكبرَ لـCO2. ثمّ قاموا في المختبَر بحساب معدّلِ الكربنة في الملاط وفي الخرسانة وبعدّة ظروف: عند طمرها، وعند تركها في الهواء الطلق، وفي حال وضعها في غرفة مُغلَقةَ. شكّلت المعلومات الأساسَ لنموذجٍ حاسوبيّ شغّلَهُ العلماءُ 100 ألفِ مرّةٍ ليَرَوا كيف تغيّرت التقديراتُ النهائيّةُ مع تَبَدُّلِ المُتغيِّرات المُدخَلَة.
ألقت النتائجُ وجهةَ نظرٍ مُختلِفةً عن الأثر التراكميّ للإسمنت على المناخ. ويُقَدِّرُ العلماءُ أنّه بين عامَي 1930 و2013؛ قام الإسمنت بامتصاص 4.5 غيغاطن* من الكربون أو أكثر من 16 غيغاطن من CO2، و43% من الكربون الكُلّي المنبعثِ عند تحويل كربونات الكالسيوم إلى أوكسيد الكالسيوم في أفران صناعة الإسمنت، وبحسبِ تقرير الباحثين الذي نُشِرَ في مجلّة Nature Geoscience في شهر تشرين الثاني من عام 2016؛ فإنّ ذلك أكبرُ من 20% من الكربون المُمتَصّ من الغابات في العقود الأخيرة.
وبحسب قول مجموعةٍ من العلماء المختصين بتَتَبُّعِ الكربون على كوكب الأرض؛ لا تُمثِّلُ هذه النتائجُ تغييراً جذريّاً في الصورة العامّة لانبعاثات غازات الدفيئة، إلا أنّها تُضيفُ قطعةً أخرى من المعلومات إلى نماذج الكربون التي تميلُ إلى عدم اليقين والشكّ بكميّة الكربون الذي يتمُّ امتصاصه في الأرض. ومستقبَلاً ستتمُّ إضافةُ الإسمنت إلى قائمة الأشياء الّتي تمتصُّ الكربون من الجوّ.
ولأنّ الإسمنتَ يُلغي بفعاليّةٍ جزءاً من أثرِهِ مع الوقت، فقد تساعِدُ النتائجُ على توجيهِ استراتيجيّاتٍ للحدِّ من أثرِ انبعاثِ الكربون، ويمكنُ جنيُ مكاسِبَ أكبر عن طريق الابتعاد عن استخدام الوقود الأحفوريّ في صناعة الإسمنت، ومن المتوَقَّع مُستقبَلاً أنْ تكونَ كميةُ Co2 التي يمتصها الإسمنت أكبرَ من الكمية التي ينتجها، لكنّ ذلك يتطلّبُ التحوُّلَ بعيداً عن الوقود الأحفوريّ، وإيجادَ وسيلةٍ لالتقاطِ الغازات القادمةِ من الحجر الجيريّ في مصانع الإسمنت والتخلُّصِ منها.
قد يهمكم الاطلاع على مقالٍ سابقٍ لنا عن الإسمنت: هنا
المصادر: