البيولوجيا والتطوّر > منوعات بيولوجية
الدجاج ذكي وذو قدرات مميّزة
ليس الدجاج كائناتٍ "جاهلةً" أو "بلهاءَ" كما يظنّها الناس. فأفراد الدجاج تمتلك شخصياتٍ متميّزةٍ، وتسعى للتميّز ومنافسة بعضها البعض. يدرك الأفراد في مجموعة الدجاج آلية (الترتيب الهجومي)، وهو مصطلح عامّ يصف النظام الهرمي للتنظيم الاجتماعي لديهم، ويصنّفهم بحسب القدرة على السيطرة. يستطيع الأفراد التفكير عن طريق الاستنباط، وهذه قدرة لا يكتسبها الإنسان إلا بعد سنّ السابعة، فلا داعٍ للاستخفاف بذكاء الدجاج أمام فئات الطيور الأخرى بعد الآن. هذا ما صرّح به )لوري مارينو(، عالم بارز في مشروع (The Someone Project)، وهو مشروع مشترك بين (Farm Sanctuary) ومركز (Kimmela) في الولايات المتّحدة الأمريكية، الذي استعرض آخر الأبحاث المتعلّقة بعلم نفس أكثر الحيوانات المدجّنة انتشاراً في العالم، وسلوكها وعواطفها، وقد نُشر البحث في صحيفة Springer) الإدراك الحيواني).
يقول مارينو: " يُنظر إلى الدجاج على أنّه يفتقر لأغلب الخصائص النفسية التي نشاهدها لدى الحيوانات الذكية، ويُعتقد عادةً أنّه يمتلك مستوى متدنياً من الذكاء إذا ما قورن بالحيوانات الأخرى، ما يجعل هذه الفكرة الجديدة لعلم نفس الدجاج غريبةً ومفاجئةً لمعظم الناس".
أظهرت الدراسة الجديدة امتلاك الدجاج بعض القدرات، منها إدراك الكمّيات، فقد تبيّن في تجارب أجريت على مجموعة من الدجاج المدجّن الذي فقس حديثاً أنّه يمكن للأفراد أن تميّز الكميات، وأنّ لديها فكرةً عن الترتيب، الذي يشير إلى القدرة على وضع الكمّيات بالتسلسل. فقد عُرضت على صيصان بعمر 5 أيّام مجموعتان مختلفتا الكمّية من الأشياء، وغُطّيت المجموعتان بستارين. فتعرّف الدجاج بنجاح على الستار الذي يخفي عدداً أكبر من خلال إجرائه عملياتٍ حسابيةً بسيطةً تتضمّن الجمع والطرح. ويملك الدجاج أيضاً القدرة على تذكّر المسار الذي تسلكه كرة مخبّأة مدّة تصل إلى 3 دقائق إنْ كان يرى الكرة وهي تتحرّك، ومدّة تصل إلى دقيقة في حال عدم رؤية حركة الكرة، ويعدّ هذا الأداء مشابهاً لأداء معظم الرئيسيات في ظروف مماثلة.
هل يعي الدجاج ذاته؟
الجواب هو نعم، فالدجاج يملك القدرة على ضبط النفس، ويظهر هذا عندما يصمد وينتظر للحصول على مكافأة أفضل من الطعام. كما أنّه قادر على إجراء تقييم ذاتي، وهذا يتجلّى عندما يحدّد الفرد موقعه في الترتيب الهجوميّ سابق الذكر. هاتان الخاصّتان تدلّان على وجود وعي ذاتي.
كيف يتواصل الدجاج؟
يشكّل التواصل بين الدجاج عمليةً معقّدةً أيضاً، إذ يضمّ مخزون الذاكرة لديه عدداً كبيراً من العروض البصرية المختلفة، و24 صوتاً لفظياً مختلفاً على الأقل. تمتلك هذه الطيور القدرة المعقّدة على (التواصل المرجعي)، الذي يضمّ إشاراتٍ كالصيحات والعروض والتصفيرات، لإيصال معلومات معيّنة. فيمكنها مثلاً أنْ تستخدم أصواتاً معيّنةً لدقّ ناقوس الخطر عند وجود تهديد ما، وتتطلّب هذه الكفاءة مستوىً معيّناً من الوعي الذاتي، والتمكّن من مراعاة وجهة نظر حيوان آخر، الذي تمتلكه الأنواع الاجتماعية والذكيّة للغاية مثل الرئيسيات. إضافةً إلى أنّ الدجاج يدرك الزمن ويمكنه أنْ يتوقّع الأحداث المستقبلية، وكحال الحيوانات الأخرى يثبت الدجاج التعقيد المعرفي الذي يملكه عندما يكون في أوضاع اجتماعية معيّنة تلزمه بإيجاد حلول للمشاكل.
وفي النهاية، هل للدجاج مشاعر وأحاسيس؟
تستطيع هذه الطيور أنْ تواجه طيفاً من المشاعر الإيجابية والسلبية المعقّدة، من ضمنها الخوف والحدس والاضطراب، وأنْ تتّخذَ قراراتها استناداً إلى ما هو أفضل بالنسبة لها. ولديها أيضاً شكل بسيط من العطف يدعى (العدوى العاطفية)، وهي الحالة التي تثير بها عواطفُ حيوان ما عواطفَ مشابهةً لدى حيوان آخر. ولا يملك الدجاج كفرد شخصيةً مميّزةً وحسب، فقد تبين أنّ للدجاجة الأم سماتٍ شخصيةً فرديةً، تؤثّر على سلوك صيصانها. يستطيع الدجاج أيضاً أنْ يخدعَ بعضه الآخر، ويراقبَ ويتعلّمَ من بعضه البعض.
يضيف مارينو: "إنّ التحوّل في كيفية طرح الأسئلة حول علم نفس الدجاج وتصرّفاته يؤدي بلا شكّ إلى معطيات أكثر ثراء ودقّة، وفهم حقيقي لما هو الدجاج".
وفي الختام، أظنّ أنّه بات من الواضح الآن أنّ الدجاج ليس كائناتٍ غبيةً ساذجةً كما هو شائع، بل طيوراً تحسب وتستنتج، وتحسّ وتعي ذاتها، وتدرك الكمّيات!
المصدر: هنا
الورقة البحثية: هنا