الكيمياء والصيدلة > الآثار الجانبية
الأدوية الموصوفة الجديدة: مخاطر صحية كبرى مقابل القليل من المزايا
قليلٌ من الناس يعلمون أن واحداً من أصل خمسةٍ من الأدوية الجديدة الموصوفة يمثل فرصةً للتسبّب بتفاعلاتٍ خطيرة، وذلك رغم حصوله على الترخيص. وهذا ما يدعو الأطباء الخبراء إلى التوصية بعدم تناول الأدوية الجديدة لمدة خمس سنواتٍ على الأقل، حتى يكون المرضى قد قاموا بتجربة الخيارات العلاجية ذات الفوائد المُثبتة بشكلٍ أفضل، وأصبحوا في حاجةٍ ملحةٍ لتناول هذه الأدوية الجديدة.
وجدت مراجعاتٌ منهجيةٌ لبيانات المستشفيات أنّ الأدوية الموصوفة (وذلك بعد استثناء الأخطاء في الوصف، فرط الجرعة والوصف الذاتي للأدوية) تتسبب سنوياً بحوالي 1.9 مليون حالة دخول إلى المستشفى. كما يتم إعطاء 840 ألف مريضٍ آخر في المشفى أدويةً تسبب آثاراً جانبيةً خطيرةً من بين ما مجموعه 2.74 مليون أثر جانبي خطير للأدوية. بينما يقضي 128 ألف شخص نحبهم من جراء الأدوية التي توصف لهم. وهذا ما يجعل من الأدوية الموصوفة تمثل خطراً كبيراً، حيث تحتل المرتبة الرابعة بين الأسباب المؤدية للوفاة إلى جانب السكتة الدماغية. وتقدّر المفوضية الأوروبية أن التفاعلات الضارة الناتجة عن الأدوية الموصوفة تسبب سنوياً 200 ألف حالة وفاة، أي أن ما مجموعه 328 ألف مريض سنوياً يموتون في الولايات المتحدة وأوروبا بسبب الأدوية الموصوفة. لا تعترف إدارة الغذاء والدواء الأمريكية FDA بهذه الحقائق، وبدلاً من ذلك تقوم بإحصاء عددٍ صغيرٍ من الحالات.
ولكن بقدر ما يمكننا القول بأن البحوثَ التي يتمّ تمويلها حول مخاطر الأدوية الموصوفة قليلةٌ جداً مقارنةً بالمخاطر الأقل تسبباً بالوفاة كالسكري والألزهايمر، بالمقابل فإن الملايين ممن يتناولون الأدوية الجديدة والحاصلة على براءة اختراع يختبرون فوائدَ متواضعةً مقارنةً بالأدوية المعمول بها. نسبةٌ قليلةٌ فقط من الأدوية الجديدة توفر مزايا هامةً للمرضى تخفف من وطأة ضررها. فقد أظهرت العديد من المراجعات المستقلة خلال السنوات الخمس والثلاثين الماضية أن حوالي 11-15% فقط من الأدوية الموافق عليها حديثاً تمتلك فائدةً سريريةً هامةً مقارنةً بالأدوية الموجودة والمعروفة جيداً، بينما 85-89% منها، تتمتع بفائدةٍ سريريةٍ إضافيةٍ صغيرةٍ أو لا تمتلك أي فائدةٍ إضافية، ورغم ذلك يتم إغراق الأسواق بها. كما أن حوالي أربعة أخماس الـ 70 مليار دولار الإضافية التي أُنفقت منذ عام 2000 في الولايات المتحدة (و70 مليار دولار أخرى في الخارج) قد أنفقت على هذه الاختلافات الطفيفة الجديدة بدلاً من التركيز على ابتكار أدويةٍ جديدةٍ حقاً.
في العقد الأخير، بين عامي 2002 و2011، خلصت المراجعات المستقلة التي أٌجريت من قبل فرق خبراء سريريين في فرنسا، كندا وهولندا أن 8% فقط من 946 منتجاً جديداً كانت متفوقةً سريرياً، بانخفاضٍ مقداره 11-15% عن العقود السابقة.
تبرّر الشركات المصنّعة للأدوية إغراق الأسواق بالمزيد من الأدوية الجديدة بحججٍ براقةٍ في العناوين، فارغةٍ من ناحية المضمون. بدايةً، يحتاج الأطباء إلى بعض الخيارات ضمن الصف العلاجي الواحد لأن بعض المرضى قد لا يستجيبون بشكلٍ جيدٍ للأدوية الموصوفة. وهذا صحيح، لكن بعد ثلاثة خياراتٍ هنالك أدلةٌ ضعيفةٌ على الاستفادة من الدواء الرابع أو الخامس أو السادس في الصف الواحد. ثانياً، يمكن أن تستفيد مجموعةٌ من المرضى من الأدوية الجديدة التي تبدو شبيهة، وهذا يمكن أن يكون صحيحاً أو خاطئاً، ونحن بحاجةٍ إلى تحديد هؤلاء المرضى واختبار فعّالية هذه الأدوية عليهم، فالمغزى من اختبار الأدوية للحصول على ترخيص يكمن في تحديد المرضى الذين يُحتمل أن يستفيدوا منها ثم إثبات أنهم استفادوا، لا أن نفترض أن عدداً من المرضى في مكانٍ ما يمكن أن يستفيدوا منها. ثالثاً، يقول المتحدثون باسم الصناعة الدوائية أن كل تقدمٍ تدريجيّ يساهم في إحراز تقدمٍ أكبر، لكن حتى الآن معظم الاكتشافات العلمية لا تحسّن بشكلٍ مهمٍ من صحة المرضى، حتى أن بعضَها قد يكون مميتاً. يقول سيلفيو غاراتيني Silvio Garattini، وهو مدير في البحث الدوائي: "عندما يتمكن الاكتشاف الكبير حقاً من مساعدة المرضى فإننا نكون محظوظين جداً".
ويتبدّى لنا في النهاية أن إغراق الأسواق بالمئات من الأدوية الجديدة ذات الفعالية البسيطة يمثل نموذجاً للأعمال الخفية لشركات الأدوية، حيث يتم استغلال براءات الاختراع وغيرها من حقوق الملكيّة بغرض الربح، وليس من أجل إحراز أي تقدمٍ هامٍ في مجال صحة المرضى.
المصدر: