الطبيعة والعلوم البيئية > علم البيئة
موجاتُ المحيط الحارة
الأنظمة البيئية البحرية مسؤولةٌ عن حوالي نصف الإنتاجية الأولية* العالمية سنويًا، كما أن أكثر من مليار شخص حول العالم يعتمدون على الأسماك كمصدر أساسي للبروتين لديهم. وقد أظهرت دراساتٌ حديثةٌ أن فقاعات الماء الدافئة في المحيط تمتلك تأثيراً ملحوظًا على الأنظمة البحرية، فكيف يمكننا تفسير هذا التأثير؟
هل تعلم أن الموجات الحارة لاتحدث فقط على الأرض؟ بل تحدث أيضًا في البحر، في صيف عام 2003 سَجلت موجة حرٍ أرقامًا قياسيةً في أوروبا، احترقَت الغابات وجفت الأنهار، وتوفي أكثر من عشرة آلاف شخصٍ كنتيجةٍ لدرجات الحرارة فائقة الارتفاع. تعاني البيئة البحرية –وبالتحديد الكائنات الحية- أيضًا من الإجهاد الحراري. فخلال السنوات القليلة الماضية نبهت موجتان حارتان استثنائيتان في المحيط العلماءَ بتأثيراتهما. وسيشعر البشر أيضًا بنتائجهما خلال المدى الطويل.
الموجات الحارة بشمال شرق المحيط الهادي:
انتشرت فقاعة الماء الدافئ المستمرة وغير المعتادة المسماة " The Blob" عبر سطح المحيط الهادي الشمالي الشرقي من شتاء 2013-2014 وحتى نهاية عام 2015. يصل قطر فقاعة الماء الدافئ في بعض الأحيان لـِ 1600 كيلومتر، وتصل درجة حرارتها لـ 3 درجات أعلى من المعتاد. ولأن مياه السطح الدافئة أقل كثافةً من مياه الأعماق الباردة والغنية بالمواد المغذية، ينخفض انتقال المواد الغذائية من مياه الأعماق إلى مياه السطح نتيجة عدم اختلاطهما، وخاصةً على طول الساحل الغربي لأمريكا الشمالية. ولهذه الظاهرة آثارٌ بعيدة المدى على الكائنات البحرية والنظم البيئية: فمثلًا نمو العوالق النباتية قد انخفض بسبب نقص إمدادات الغذاء، وبعض فصائل الأسماك والعوالق الحيوانية قد هاجرت من المياه الدافئة فقيرة الغذاء إلى أماكن أكثر برودةً. وعلى النقيض من ذلك، وجد الباحثون الحيتان القاتلة القزمة في شمال المحيط الهادي بمدى أطول كثيرا من المعتاد حيث تتواجد هذه الفصيلة الاستوائية عادة في منطقة تبعد 2500 كيلومترًا جنوبًا.
الساحل الغربي لأستراليا
موجة حر أقوى لكن أقصر ضربت الساحل الغربي لأستراليا بين عامي 2010\2011، ما أدى لارتفاع درجة حرارة البحر لسِت درجات مئوية عن المعتاد في مثل هذا الوقت من العام. ويشتهر قاع البحر بمحاذاة ساحل غرب أستراليا بتركيزات عالية من الطحالب البنية، حيث أن لغابة الأعشاب البحرية هذه خصائص مشابهة للغابات الأرضية، وتمد الكثير من الفصائل بالمسكن والموارد الغذائية وبالتحديد عدد كبير من الأسماك.
أثبت علماء أستراليون أن معظم مخزون غابات الأعشاب البحرية اختفى سريعًا خلال هذه الموجة الحارة ، بإجمالي مساحة تبلغ 1000 كيلو متر مربع، ما يعادل ضعف مساحة بحيرة كونستانس، وحتى وقتنا الحالي لم تتعافى الطحالب بعد، وبدلًا من ذلك تطور نظام بيئي جديد بأعشاب وأسماك بحرية استوائية.
هل يوجد خطر على النظم البيئية البحرية؟
عرفنا أن الظواهر الجوية والتغيرات المناخية بالغة الشدة كالموجات الحارة تغير بنية الأنظمة البيولوجية وتؤثر على وظائفها الجيوكيميائية الحيوية والخدمات التي تؤديها للمجتمع بشكلٍ جذري، ومن المعروف أن الموجات الحارة تؤثر على الأنظمة البيولوجية_ومن ضمنها البشر_ بشكلٍ أقوى مما تحدثه التغيرات البطيئة في متوسط درجة الحرارة. ولهذا علاقةٌ مع حقيقة أن مثلَ هذه الأحداث المتطرفة تدفع الكائنات الحية والنظم البيئية إلى أبعد حدود قدرتها على التكيف ويحتمل أن تسبب تغيرات جذرية ولا رجعة فيها.
أوضحت الموجتان المتطرفتان في شمال المحيط الهادئ وعلى طول الساحل الغربي لأستراليا بالتفصيل وللمرة الأولى أن الموجات الحارة البحرية يمكن أن تؤدي أيضا إلى عددٍ من العواقب البيئية والاجتماعية والاقتصادية غير المسبوقة. على سبيل المثال، كشفت أن عددًا كبيرًا من الأسماك انتقل الى المياه الشمالية الأكثر برودةً. الهرب إلى أعماق المحيط الأكثر برودةً ليس خيارًا لأن المياه الأعمق تفتقر إلى ضوء الشمس والأكسجين والنبات للتغذية، وهذا قد يؤدي في نهاية المطاف إلى خسائر لكلٍ من قطاعي الصيد والسياحة.
ومع استمرار ارتفاع حرارة محيطات العالم، من المرجح أن تصبح موجات الحر البحرية أكثر شدةً وتكرارًا. وتُظهر الملاحظات ونماذج المحاكاة أن هناك عوامل أخرى مثل تزايد حموضة المحيطات ونقص الأكسجين تضع ضغوطًا إضافيةً على الكائنات البحرية والنظم البيئية.
حتى وقت قريب، لم تكن النماذج المناخية قادرة على تمثيل العمليات الفيزيائية والجيوكيميائية الحيوية ذات الصلة لمحاكاة الظواهر المتطرفة في المحيطات والتنبؤ بالتغيرات المستقبلية بدقة. عدم اليقين في التوقعات المستقبلية كان عاليًا جدًا وخاصةً على الصعيد الإقليمي. أما نماذج المحاكاة الجديدة التي تربط بين دورة الكربون والأكسجين العالمية وعملياتٍ فيزيائيةٍ عالية الدقة فيمكنها تقديم تنبؤاتٍ كميةٍ عن التردد والشدة والتوزيع المكاني للأحداث المتطرفة المتوقع حدوثها بالمحيط. ويتناول البحث الذي قام به الدكتور توماس فروليتشر Thomas Frölicher (عالم الفيزياء البيئية بالمعهد الفدرالي للتكنولوجيا بزيوريخ، سويسرا ETH Zurich) وزملاؤه هذه النماذج بالتفصيل.
هامش:
*الإنتاجية الأولية: تثبيت الكربون اللاعضوي ضمن مادةٍ عضويةٍ من قبل المنتجين الأوليين (مثل الأشجار، والحشائش البحرية، والطحالب، وبعض البكتريا والعوالق النباتية) وهو مقياس لإجمالي معدل إنتاج الكتلة الحيوية الجديدة.
المصدر: