الفيزياء والفلك > علم الفلك
درعٌ مغناطيسيٌّ لحماية الغلاف الجوي للمريخ.
استضاف مؤخراً قسمُ علم الكواكب التابع لناسا في مقرهِ في العاصمة الأمريكية ورشةَ عملٍ بعنوان "رؤيةٌ مستقبليةٌ لعلم الكواكب 2050"، وتواجدَ في هذا الحدثِ علماءَ وباحثين من مختلفِ أنحاءِ العالم للنقاشِ وتبادُلِ الأفكار حول مستقبل استكشاف الفضاء.
حظي عرضٌ عنوانُه "بيئةُ المريخِ المستقبليةِ من المنظورِ العلميِّ والاستكشافي" باهتمامٍ بالغٍ، ناقش هذا العرضُ إمكانيّةَ استكشافِ المريخ من قبل رواد الفضاء البشريين، وناقش جيم غرين Jim Green مدير قسم علم الكواكب في ناسا كيف أنَّ نشرَ درعٍ مغناطيسيٍ حول المريخ يمكن أن يعززَ غلافَهُ الجويّ ويسهّلَ المهمةَ على البعثات المستقبلية المأهولة بالبشر إلى المريخ.
يتفقُ المجتمعُ العلميُ حالياً على فكرةِ امتلاك المريخ سابقاً لحقلٍ مغناطيسي مماثلٍ للحقل المغناطيسي لأرض يحمي غلافهُ الجوي، لكنهُ اختفى قبل حوالي 4.2 مليار سنة بشكلٍ فجائي مسبباً تلاشي الغلاف الجوي ببطء في الفضاء، وتحوّلَ المريخُ على مدى 500 مليون سنة لاحقة من بيئةٍ دافئةٍ ورطبةٍ إلى مكانٍ باردٍ ومقفرٍ وغيرِ صالحٍ للحياة كما نعرفه الآن.
تأكدت هذه النظريةُ مؤخراً بفضلِ مرْكَباتٍ مداريةٍ قامت بدراسةِ الغلافِ الجوي للمريخ منذ عام 2004 حتى عام 2014، وأكدت هذه المركبات أنَّ الرياحَ الشمسيةَ هي السببُ في استنفاذِ الغلاف الجوي للمريخ، كما قاست مُعدَّلَ فقدانهِ والذي لا يزال مستمراً حتى الآن.
صورة1: محاكاةٌ رقميةٌ تظهرُ عاصفةً شمسيةً تضربُ المريخَ ناسفةً أيونات غلافه الجوي العلوي.
سيبقى المريخُ في حالِ غياب الغلاف الجويِّ بارداً وجافاً وغير صالحٍ لازدهار الحياةِ على سطحه، وسيتعيّنُ على الرحلات المأهولة -التي تأمل ناسا إطلاقها بحلول
عام 2030- التعاملَ مع مخاطرَ شديدةٍ كخطرِ الاختناق و خطرِ التعرُّضِ للإشعاع، وبالتالي سيتعرض مستعمرو المريخ (في حال التمكن من استعماره) للعديدِ من المخاطرِ إذا بقي هذا الكوكبُ بدون غلاف جوي يحميه.
قدّمَ الدكتور غرين ومجموعةٌ من الباحثين فكرةً طموحةً للتغلب على هذه التحدي، إذ اقترحوا وضعَ درعٍ مغناطيسيٍّ ثنائي الأقطاب عند نقطة لاغرانج الأولى L1 (L1 Lagrange Point)، سيؤدي هذا الدرع المغناطيسي إلى تشكّل مجالٍ مغناطيسيٍّ صنعيٍّ يُحيطُ بكوكب المريخ بشكلٍ كاملٍ ويحميه من الرياح الشمسية والإشعاع، كما تُظهرُ الصورة 2 أدناه.
صورة 2
وقد اعترفَ غرين وزملاؤه أنّ هذه الفكرة قد تبدو ضرباً من الخيال، إلا أنهم أكدّوا أنه يمكن للبحوث الحديثة في مجال المجالات المغناطيسية المُصَغّرة أن تدعمَ هذه الفكرة، وأضافَ غرين: " ظهرت هذه البحوثُ الجديدةُ كنتيجةٍ لتطبيقِ قوانين الفيزياء البلازمية والتجارب المخبرية، ومن الممكن جداً في المستقبل أن تتمكن هياكل قابلة للنفخ من توليد مجالٍ مغناطيسيٍ ثنائي القطب بقيمة قد تصل إلى 1 أو 2 تسلا (10،000 أو 20،000 غاوس) كدرعٍ فعالٍ ضد الرياح الشمسية".
إنّ موقعَ هذا الدرع المغناطيسي سيوفرُ الحمايةَ لأكثر منطقتين يفتقران للغلاف الجوي على المريخ، تقعُ المنطقة الأولى فوق منطقة القطب الشمالي التي تحتوي على موادٍ ذات طاقةِ تأيُّنٍ عالية، أما الثانية فتقع في المنطقة الاستوائية التي تحتوي على عنصرِ طاقةٍ موسميةٍ منخفضةٍ مع معدل إفلاتٍ لأيونات الأوكسجين يصلُ إلى 0.1 كيلو غرام/ثانية.
من أجلِ اختبار تلك الفكرة، أجرى العلماءُ العديدَ من التجاربِ وعمليات المحاكاة باستخدامِ الغلاف المغناطيسي الصنعي المقترح، وتوصل الفريقُ إلى نتيجةٍ مفادُها أنّ الحقل المغناطيسي المتمركز في نقطة لاغرانج L1 سيكون قادراً على مواجهةِ الرياح الشمسية، الأمرُ الذي قد يحقق توازناً جديداً للغلاف الجوي المريخي.
حالياً، يفقدُ المريخ غلافهُ الجوي بدرجةٍ متوازنةٍ بسبب المقذوفات البركانية من باطنه وقشرته، والتي تُساهم في إنشاءِ غلافٍ جويٍّ سطحيٍ بضغطِ هواء قدره 6 ملي بار، أيّ أقل من 1% من ضغط الهواء على مستوى سطح البحر على الأرض.
وكنتيجة لهذا قد يزدادُ سمكُ الغلاف الجوي للمريخ مع مرورِ الوقتِ مما يؤدّي إلى زيادة احتمالِ تمكُّنِ البشرِ من استكشاف المريخِ وإنشاءِ المستعمرات. وحسب توقعات غرين وزملائه ستزدادُ درجةُ الحرارةِ بمعدلِ 4 درجات مئوية، وهي زيادةٌ كافيةٌ لإذابةِ ثنائي أوكسيد الكربون الجليدي في القطب الشمالي المتجمد والذي سيؤدي بدوره إلى تفعيلِ ظاهرة الاحتباس الحراري، وبالتالي ارتفاع حرارة الغلاف الجوي وذوبان الماء الجليدي في القطبين. وفقاً لحساباتِ الفريق، فإنَّ تطبيقَ هذه الفكرة يمكن أن يؤدي إلى استعادة سُبعِ محيطات المريخ التي كانت موجودةً على سطحه قبل مليارات السنين.
إنْ بدت لكم هذه المعلومات كمحاضرةٍ حول استصلاحِ المريخ فالأمرُ كذلك فعلاً، لأنها طُرحَت من قبل مؤيدي هذه الفكرة، ولإنَّ هذه الإجراءات ستساهمُ في تسهيلِ مهمة الاستكشاف البشري المؤمَّل تنفيذها أواسط القرن الحالي، كما ستتيحُ هذه الظروفُ للمستكشفين دراسةَ الكوكبِ بشكلٍ أكثرَ دقةٍ وتحديدَ مدى صلاحيته للسكن.
بقيَ أن نُشيرَ إلى الجهودِ الحاليةِ لفريقِ غرين البحثي في مراجعةِ نتائجهم للحصول على تقييمٍ أكثر دقة حول المدة الزمنية التي يستغرقها المشروع المقترح فضلاً عن الحصول على تقييم ماليٍّ أوليٍّ حوله.
يبدو المشروعُ قصةً من قصصِ الخيال العلمي، ولكن قد تتفقون معنا أنّ إنجازات العلمِ التي نشهدُها اليوم ما هي إلا قصصٌ داعبت خيالَ البشرِ في الأمسِ البعيد.
......
المصدر: هنا