الرياضيات > الرياضيات
خمسُ طرقٍ سهلةٍ لفهمِ نظريةِ الألعاب (لغير المختصين)
نظريّةُ الألعاب هي دراسةُ كيفيّةِ اختيارِ أفضلِ فعلٍ للحصولِ على أفضل مردودٍ، ضمن منافسةٍ مع لاعبينَ آخرين. نظريّة الألعاب من الأهميّة بمكانٍ بحيث يجبُ تعلُّمَها بعدَ تعلُّمِ الأرقامِ. فالكثيرُ مِنَ النّاسِ يتّخذونَ قراراتِهم بناءً على أحاسيسهم أو حتّى على التّنجيم والأبراجِ أو رمي النّرد، نظريّةُ الألعاب تساعد المرءَ على اتّخاذ أحسنِ القراراتِ من أجلِ الحصولِ على أفضلِ النّتائج بأقلِّ التّكلفة.
سنعرضُ الطّرقَ الخمسةََ في مقالنا هذا بشكلٍ معكوسٍ.
خامساً: مُعضلةُ السّجينَين:
لنوضّح هذا المثال سنروي لكم القصّةَ التّالية ، قام سميرٌ وأحمدَ بالسّطو المسلّحِ على أحدِ البنوكِ دونَ أن يراهُم أحدٌ بطريقةٍ عبقريّةٍ، ثمَّ سرقوا إحدى السّيارات الرّاكنة أمام البنك وهربوا بالنّقود ، ثمَّ أخفوا النقود في مكانٍ آمنٍ ، وشرعوا يتسكّعون بالسّيارةِ المسروقةِ إلى أن ألقت الشّرطةُ القبضَ عليهما، لم تتمكنِ الشّرطةُ من إيجادِ أيِّ دليلٍ يثبتُ سرقتهما للبنك، والدّليلُ الوحيدُ هو دليلٌ ظرفيٌّ غيرُ كافٍ لإدانتهما، وهو أنَّ السّيّارة المسروقةَ كانت مركونةٌ قربَ البنكِ قُبيل سرقتهِ.
لجرِّ المتّهمَين للاعترافِ قدّمت الشّرطة عرضاً مُغرياً لكليهما كلٍّ على حدا ، وهو عقوبةٌ مخُفّفةٌ إن أقرَّ بالحقيقةِ على صديقه ، بحيث يُعفى المعترف من العقوبة ويُسجن زميلَهُ لعشرِ سنواتٍ، ولكن إن اعترف كليهما ستقوم الشّرطة بسجنِ الاثنين لمدّةِ خمسِ سنواتٍ، وطبعاً في حال أصرَّ الاثنان على إنكارهما فما من دليلٍ على جُرمِ السّرقة.
هذه هي إحدى المشكلات الّتي تعالجها نظريّة الألعاب ، فكلُّ سجينٍ هو لاعبٌ وأمامه مجموعةً من الأفعالِ الممكنةِ، وكلٌّ منهما لديه خيارَين يمكن أن يقوم بهما، في المحصّلة لدينا أربع حالاتٍ ممكنةٍ يوضّحها الجدول التّالي:
إنّ إدراك أحمد وسمير للقراراتِ الممكنةِ والعواقبِ المترتبة عليها هو جوهر نظريّة الألعاب، إذ أنّ أفضلَ نتيجةٍ لكليهما تأتي من سكوتِهما، والقبولِ بالسّجنِ سنتين مقابلَ التّمتع بكلِّ الأموال المنهوبة من البنك بعد ذلك، أمّا إن فكّر كلُّ واحدٍ بأنانيّةٍ سيخسران النّقودَ وسيبقيان في السّجنِ لخمسِ سنواتٍ، والحالة الأخيرة أن يُطلَقَ سراحُ أحدِهما ويبقى الآخرُ لعشر سنواتٍ في السّجن، ويخسران النّقود بطبيعةِ الحال.
نظريّة الألعابِ تساعدُ في كشف المختليّنَ في المجتمعِ وتحديدِ شخصيّةِ كلِّ واحدٍ، فالّناس الّذين يعتمدونَ الحسابَ لا العواطفِ في اتّخاذ القراراتِ سيقولون أنّه من الأفضلِ أن يُقرَّ أحدهما على الآخر لأنّ ذلك سيؤدّي إلى إطلاق سراحِ الواشي مباشرةً، هذا ليس أفضل نتيجةٍ بطبيعةِ الحال، لكنّ أغلب النّاس سيفكرون بهذه الطّريقة، الّتي تُشبه (الرّبح السّريع في الأسواقِ والّذي لن يؤدي إلى ربحٍ طويلِ الأمدِ على الأغلب)، وهذا أحدُ أسبابِ شُهرةِ نظريّة الألعاب في مجالِ الأسواقِ الماليّةِ.
إذا تصرّفَ سميرٌ وأحمدُ مع وعيٍ لنتائجِ قراراتهم المُتَباَدلة على كليهما ، سيفضّلان بالتّأكيد الصّمتَ لأنّ ذلك سيمنحَهُما سجناً لمدّةِ سنتين، مقابلَ الاحتفاظِ بالأموالِ المنهوبةِ والتّمتع بها لاحقاً بعد خروجِهما.
يمكن أن تلعب نظرية الألعابِ دورَ أداةٍ تحليليّةٍ قويّةٍ، إذ تمكننا من خلال تحليلِ القراراتِ الّتي يتّخذها النّاسُ في فهمِ آليّةِ اتّخاذِ القرارِ لديهم وبالتّالي شخصيّتهم.
رابعاً: استراتيجيّة السّيطرةِ المقيّدة:
هي باختصارٍ الاستراتيجيّة الّتي تحدد لك أفضلَ فعلٍ تقوم به من أجلِ الحصولِ على أفضلِ النّتائج بغضّ النّظر عن القراراتِ الّتي يتّخذها المنافسين، فمهما حدث سيكونُ ما فعلتَه هو أفضلُ قرارٍ يمكنُ أن يُتّخذ .
بطبيعةِ الحالِ، ليس من الضّروري وجودُ هكذا استراتيجيّة في كلّ 'الألعابِ' في الحياة، للبتّ في وجودِ هكذا استراتيجيّة من عدمه، يجب أن تكونَ ملمّاً بكلِّ قواعد اللّعبة، والخياراتِ المُتاحة للمنافسين، وأفضلُ مثالٍ هو المنافَسَات الرّياضيّة، وبالأخصِّ دور الثّمانية، ففي بعضِ الحالاتِ يلجأ الفريقُ لإضاعةِ وقتِ المباراةِ، لأنَّه ضمن التّأهلِ، فالأمرُ سيّان بالنّسبة له سواءً ربح المباراة أم تعادلَ أو حتّى خَسرَ بفارق أهدافٍ ضئيلٍ، وهكذا نوعٌ من المبارياتِ يكون مملاً ويحظى بأقلِّ عددٍ من المتابعين .
ثالثاً : المعركة بين الجنسين:
يقرّر صادق أن يزورَ مع زوجته مدينة باريس في إجازته المقبلة، صادق عالم آثار، بينما زوجته حنان تحبُّ التّسوّق، فكيف لهما أن يقضيا أفضلَ إجازةٍ ممكنة ؟
هنا نحن أمام تطبيقٍ مباشرٍ لنظرية الألعاب، للتّمتُّع بأفضلِ إجازةٍ من المُستُحسن أن يبقيا سويّةً بطبيعةِ الحالِ، ولكن أيُّهما الأفضل؟ أن يزورا متحف اللّوفر أو أن يقضيا وقتَهما معاً في التّسوُّقِ في المحلّاتِ الفاخرة في باريس؟ الخيارُ الأوّلُ سيجلبُ لصادقَ السّعادةَ، بينما حنان وبالرّغم من عدم اهتمامها بالآثارِ ستُسرُّ بصحبةِ زوجها أكثرَ من بقائِها وحيدة في الفُندُق، وكذلك الأمرُ إن اختارا التَّسوُّقَ، فمع التَّسوُّقِ لن يكونَ يومُ صادقَ الأفضل إلّا أنّه سيحظى بصحبةِ حنان وذلك خيرٌ من الجلوس أمام التّلفازِ وحيداً في الفندق، هنا تقول نظريّة الألعاب أنّ العِناد هو أفضلُ الخيارات (ليس لدرجة أن يقودَ للطّلاق طبعاً)، لكنّ أفضل القراراتِ أن يكون الشَّخصُ عنيداً ويصرُّ على ما يريد، ففي هذه الحالة سيكسبُ أحدُهما ولا يخسر الآخر ببقائه وحيداً في الفندق، قد تكون هناك قراراتٌ أكثرَ عدلاً من (رابحٍ – غيرِ خاسرٍ)، كقضاءِ نصفِ اليوم في المتحف والنّصف الآخرَ في التَّسوُّقِ، ولكن لن يصل أيٌّ منهما إلى أقصى درجاتِ الرّبحِ، بقضاءِ يومٍ في القيام بما يحبُّ مع من يُحبّ.
ثانياً: توازن ناش
لنفترض أنّ والد باسم ورباب ومن قَبيل التّربية على عدم الطّمعِ، قرّر أن يُعطي كلّاً من باسم ورباب 100 ليرة ليتقاسماها سويّةً، ووضع الوالدُ الحكيمُ قواعدَ للّعبةِ، يفكر كلٌّ من باسم ورباب بالمبلغِ المطلوبِ، ثم يُعلنانِ عنه في نفسِ اللّحظةِ، إذا كان مجموعُ مبلغيهما أقلُّ من مئةٍ، سيحصل كلٌّ منهما على ما طلبه، وهو هنا أقلُّ من 50 بالضّرورة. وإذا كان المجموع أكثرَ من مئةٍ، فسيحصلُ من طلب المبلغَ الأقلَّ على ما أراده، والشّخصُ الطّماعُ الّذي طلبَ المبلغَ الأكبرَ سيحصلُ على الباقي. فما أفضلُ القراراتِ الَتي يمكن أن يتّخذها باسمٌ ورباب ليضمنا الحصولَ على أكبر مبلغٍ ممكنٍ؟
الجواب هو ما يُسمّى توازنُ ناش، الّذي يخبرنا أنّ هناك أفضلُ قرارٍ يمكنُ أن يُتَّخذَ في هذه الحالةِ لبلوغِ أفضلِ النّتائجِ المتاحة. هذا القرار هو المطالبةَ بـ (51 ليرة) والّذي سيمنحُ من طلَبَه وليكن باسم أكبرَ مبلغٍ مُتاحٍ مهما كان اختيارُ رباب. فإذا طلبت ربابُ أكثرَ، فسيحصل باسم على 51 ليرةً. وإذا طلبت 50 أو 51 ليرةً، فسيحصل باسم على 50 ليرة. أما إذا طلبت أقلَّ من 50 ليرةً، فسيحصل باسم على 51 ليرةً. بالتّأكيد، في كلِّ حالةٍ لايوجد أيُّ خيارٍ آخرَ يعطي باسمَ المزيدَ من المالِ.
فنظريّة الألعاب لا تعني بالضّرورة الرّبحَ الأكيدَ أو الخسارةَ الأكيدةَ، نظريةُ الألعاب تضمن أمثليّة اتّخاذ القرارِ في ضوءِ المعلوماتِ المتوفّرةِ، وذلك لبلوغِ أفضلِ نتيجةٍ ممكنةٍ.
أوّلاً: مطابَقَةُ القروش
هذه واحدةٌ من أكثرِ الألعابِ انتشاراً، ولا يكاد يوجدُ أحدٌ إلّا ولعبها في صغره، قواعد اللّعبةِ بسيطةٌ، يمسكُ كلا اللّاعبَين بقطعةِ نقود، ليستخدمها طوالَ الوقتِ في اللّعبِ، حيث يطرحُ الخصمَ توقّعه، ثم تُرمى قطعةُ النّقد، إذا صدقت توقّعاتُه سيحصل على ليرةٍ منكَ، وإلّا فسيعطيكَ ليرةً من مُدّخراته.
تخبرنا نظريّة الألعاب أنّ أفضل الحالاتِ للكسبِ هنا هي العشوائيّةُ التّامة، مع تساوي احتمالِ ظهورِ الوجهين لقطعة النّقد، وأيّةُ أفضليّةٍ لأحد الوجهين في قطعةِ النّقد الّتي تلعب بها سيلاحظ خصمكَ ذلك مع تكرار اللّعبة ويستغلَّه لصالِحِه، وهذه الحالة تشبه إلى حدٍ كبيرٍ الرّكلاتِ التّرجيحيّة، إذ أنّ حارس المرمى يجب أن يُخمِّنَ ويحمي زاويةً ما من المرمى، إمّا اليمين أو اليسار، وكذلك اللّاعب عليه أن يختار زاويةً ما ليركل كرتَه ناحيتها، وهنا أفضلُ القراراتِ المُمكنةِ هي أن يتّخذ كلاهما قراراتٍ عشوائيّةٍ.
نظريّة الألعابِ رغم اسمها إلّا أنّها لا تقتصرُ على الألعابِ إنّما تشملُ كلَّ نواحي الحياةِ، من القراراتِ اليوميّةِ البسيطةِ، إلى بورصةِ الأوراقِ النّقديّةِ، وحتّى إلى المفاوضاتِ السّياسيّة، واتّخاذِ القرارِ في البيتِ الأبيض، فهي أداةٌ علميّةٌ قويّةٌ لاتّخاذ أفضلِ القراراتِ المُمكنةِ.
-----------------------------
المصدر: