الموسيقا > موسيقا
إضاءة على موسيقى البوب خلال العقود الخمسة الماضية
يميل أغلبنا عادةً إلى سماع الموسيقى ذاتِ الإيقاعاتِ العالية والسريعة في الحفلات أو أثناءَ ممارسةِ الرياضة، بينما ترافقنا الموسيقى بطيئةُ الإيقاع في الأوقات الرومنسية والهادئة. وقد باتَ من المعروف أنّ الموسيقى تتشابكُ مع مشاعرنا، إذْ تُمثلُ الموسيقى شكلاً من أشكال البياناتِ الطبيعيةِ التي يستطيعُ العلماء من خلالَها التعرفَ على نمط التفكير لدى البشر وقِيَمِهم. وقد لوحظَ حدوثُ تغيرٍ في الذوق الموسيقي العام خلالَ العقود الخمسةِ الأخيرة، فكيف حدث ذلك؟.
تفاصيل الدراسة:
قامَ الباحثان غلين شيلينبرغ وكريستيان فون شيفي بمتابعةِ الأغاني الرائجةِ في أمريكا خلالَ الخمسينَ سنةً المنصرمة وذلكَ باستخدامِ مجموعةِ أغانٍ منتقاةٍ من قائمة أفضلِ مئةِ أغنيةٍ من مجلةِ Billboard. أرادَ الباحثانِ معرفةَ كيف تغيَّرَ تأثيرُ المشاعرِ على الموسيقى منذُ بداية ستيناتِ القرن العشرين وحتى الآن؛ من ناحيةِ سرعةِ الإيقاع (سريع أو بطيء) أو النّمط (سلم كبير أو سلم صغير).
الاكتشافُ الأكثرُ إثارةً للدهشة كان التغيرَ في السلم، فالأغاني المُؤلفةُ على السلم الكبير تميلُ لتكونَ دافئةً وهادئة، مثلُ أغنية "We Can Work it Out" للفرقة الإنكليزية The Beatles"" والتي صدرت عام 1965. في حين أنّ الأغاني المؤلفةَ على السلم الصغير تميلُ لتكونَ أكثرَ قتامةً وكآبة، مثلَ أغنية "Boulevard of Broken Dreams" الصادرةِ عام 2005 لفرقة ""Green Day.
في العقود الأخيرة الماضية؛ انتقلت الأغاني الأكثرُ شعبيةً من السلم الكبير إلى السلم الصغير. ففي الستينات؛ كُتِبَت 85% من الأغاني على السلم الكبير. أما في الوقت الحاضر؛ فنسبةُ الأغاني المكتوبةُ على السلم الكبير هي 45% فقط. ومن الجدير بالذكر أنّه على الرغم من أنّ الأغاني كانت تُؤَلَّفُ على السلم الكبير في السابق، إلا أنّ هذا لا يعني أنّ كلماتها ومعانيها تدعو للتفاؤل أو المرح، فأغنيةُ Wedding Bell Blues"" مثلاً الصادرةُ في نهاية الستينات، المُؤَلّفَةُ على السلم الكبير والتي تحكي كلماتُها قصةً حزينةً عن امرأةٍ تتطلعُ بشوقٍ إلى يوم زفافها. في المقابل هناك أغنيةُ شاكيرا الشهيرةُ "Hips Don’t Lie" المُؤَلّفَةُ على السلم الصغير بكلماتٍ تتكلمُ عن الرغبة والغرام بين عاشقين شغوفين.
ومن الملاحظِ أيضاً أنّ الأغاني الأمريكيةَ الرائجةَ أصبحت أبطأَ وأطول. فعندما قام الباحثانِ بتحليل الإيقاعاتِ في الدقيقة الواحدة لكلّ أغنية؛ وجدوا أنها انخفضت من 116 إيقاعاً في الدقيقة الواحدة لكلّ أغنية في الستينات إلى 100 في عام 2000. كما أنّ مدّةَ أغاني الستينات كانتْ أقلَّ من ثلاث دقائق، في حين أنّ وسطيّ طولِ الأغاني في هذه الأيام هو أربعُ دقائق.
ومن الملاحظاتِ المثيرةِ للانتباه أيضاً أنّ الأغاني التي نُفضّلُ الاستماعَ إليها اليوم تميلُ إلى الغموض والحيرة، كأنْ تكونَ الأغاني سريعةً وحزينة، أو بطيئةً وسعيدة. وقد أظهرت دراساتٌ أخرى اعتَمدت على التحليل اللغوي أنّ كلماتِ الأغاني الرائجةِ بينَ عامي 1980 و2007؛ متمحورةٌ حولَ التركيز على الذاتِ ومعاديةٌ للمجتمع، فهي تحتوي على الكثير من الألفاظ النابية والأفكارِ العنيفة، فالتحولاتُ النفسيةُ في المجتمع قادت إلى تغييرٍ في العناصر الموسيقيةِ للأغاني التي مالتْ نحوَ الكآبة ولم تَعُدْ مناسبةً للحفلات فأصبحتْ بطيئةَ الإيقاع.
أسبابُ تغير الذوق الموسيقي العام:
التفسير الأول الذي اقترحه الباحثان هو أنّ فناني هذه الأيام ربما يختارونَ التأليف على السلم الصغير وتأليفَ أغانٍ بطيئةَ الإيقاع لإعطائها مَسْحَةً من النضج. فموسيقى الأولاد عادةً ما تتصفُ بالفرح والتفاؤل، والكثيرُ من الموسيقيينَ المعروفينَ بأغانيهم الحماسيةِ أو السعيدة توضعُ أعمالهم في قسم المراهقين في المتاجر الموسيقية، وهذا ينطبق على أغاني فرقةِ "Jonas Brothers".
التفسيرُ الثاني للتغييرات في الموسيقى الرائجة هو أنّ الموسيقى الجديدةَ تَعكِسُ المصاعب والمآسي التي يعاني منها المجتمع. فقد لوحظَ أنّ الأغاني تميلُ لتصبحَ أبطأَ وأطولَ خلالَ الأزماتِ الاقتصاديةِ والاجتماعية. بجميع الأحوال؛ يعتقد الباحثون أنّ التزايدَ الثابتَ في الطول والنقصَ في السرعةِ الذي وجدوه في دراستهم لمْ يتفق مع فكرةِ التصاعدِ في الأزمات، لأنّ هذا الأمرَ يعني أنّ مشاكلنا وأزماتِنا قد تزايدتْ بشكلٍ ثابتٍ خلالَ الخمسينَ سنةً الماضية.
كما أنّ الأغاني الرائجةَ أصبحت أكثرَ تعقيداً مع مرور الوقت ولعلّ السببَ يعودُ إلى أنّ الأميركيين أصبحوا أكثرَ تنوعاً وتفرداً في أذواقهم الموسيقية وقد ساهم في ذلك انفتاحُهم على بقية الشعوب وتعرفُهم على موسيقاهم.
لا يمكننا التكهنُ بجميعِ الأسبابِ التي أدّتْ إلى تَغَيّرِ الذوق الموسيقي، إلا أنّنا نستطيع استخدامَ ذوقِ المجتمع كمقياسٍ للوعي العام. فمثلاً كلّنا يذكرُ أغنية "Gangnam Style" والشهرةَ العالميةَ التي حصدتها في عام 2012، والتي لربما يعودُ سببُها إلى حاجتنا إلى القليل من المرح والبهجة في خِضَمّ الأحداث المزعجةِ الخارجةِ عن سيطرتنا في هذا العالم، كالأزمات الاقتصادية وغيرِها.
في النهاية؛ يؤكدُ الباحثان على أنّ ملاحظاتِهم الأوليةَ من شأنها أنْ تفتحَ البابَ للتساؤلاتِ حولَ الرابطِ بين المشاعرِ واستهلاك الموسيقى، وربما قريباً سنعرفُ أكثر عن الأسرار التي تُخَبّئُها موسيقانا وأغانينا المفضلة.
رابط أغنية We Can Work it Out:
رابط أغنية Wedding Bell Blues:
رابط أغنية Boulevard of Broken Dreams:
رابط أغنية Hips Don’t Lie:
رابط أغنية Gangnam Style:
المصدر: