البيولوجيا والتطوّر > التطور
منظور جديد حول تطور الخيول قد يغير مفهومنا لإحدى آليات التطور
كانت الخيول دائماً مثالاً تستعمله المراجعُ العلميةُ لتشرحَ "التشعب التكيفي" لكن يبدو اليوم أنَّ الأمرَ خلافُ ذلك، فالخيولُ لم تكتسب صفةً جديدةً مكَّنَتها من استعمار بيئةٍ جديدةٍ، بل إنَّها انتقلت إلى البيئة الجديدة ومن ثَمَّ امتلكت -نتيجةً لذلك- صفةً مكَّنَتها من المنافسة في هذه البيئة، لكن ماذا نعني بالتشعب التكيفي وماذا عن باقي التفاصيل؟
طبقاً للرؤية التقليدية للطريقة التي تطورت بها الخيول، فقد تطوَّرت لديها أسنانٌ أقوى من ذي قبل لكي تستطيعَ مضغَ الأعشابِ القاسية في البيئة العشبية، وليس هذا فقط، بل إنَّ أحجام أجسامها ازدادت أيضاً لعدة أسباب، أولُها للتمكُّن من الاستفادة جيداً من الأعشاب، فالأعشابُ غذاءٌ فقيرٌ بالمكونات المهمة، ولتُعوِّضَ الخيولُ هذه السلبيةَ عليها أن تأكلَ كمياتٍ كبيرةً من الأعشاب، ولتتمكَّنَ من ذلك يجب أن تكونَ أجسامُها كبيرة؛ والسببُ الثاني لكِبَر حجم الجسم هو حمايتُها من المفترسات في هذه البيئة المكشوفة؛ وباختصار، امتلاكُ الخيول لصفة الأسنان القوية والأجسام الكبيرة مكَّنها من التطور في البيئة العشبية.
هذه هي الرؤيةُ الكلاسيكية، لكنَّ دراسةً جديدةً تسبرُ رحلةَ تطوُّر الخيول التي امتدت 18مليون عاماً، وشمَلت 138 نوعاً من الخيول (سبعةُ أنواع منها موجودةٌ اليوم بينما انقرضت بقية الأنواع) قد تُغيِّرُ ما نعرفُه عن تطور الخيول وربما تعيدُ فهمنَا لإحدى آليات التطور، ففي هذه الدراسة، أنشأ الباحثون شجرةً تطوريةً للـ 138 نوعاً المذكور آنفاً، فوجدوا أنَّ أسنانَها وأحجامَ أجسامها لم تتغير بشكلٍ ملحوظ خلال الـ 18 مليون سنة الماضية!
وباستعمال نماذجَ حاسوبيةٍ وجدَ الباحثون حدوثَ ثلاثِ "انفجارات تطورية" للأنواع، أي ثلاث فتراتٍ ظهرت فيها أنواعٌ عديدةٌ من الخيول، أولى هذه الفترات كان بين 18 إلى 15 مليون سنة من الآن في أمريكا الشمالية، أما الفترتان الأخيرتان فظهرتا بعد انخفاض منسوب البحار ما مكَّنَ الخيولَ من الهجرة إلى ما نسميه اليوم بالعالم القديم، وعليه فإنَّ هاتين الفترتين الأخيرتين كانتا منذ 11 و4 مليون سنة في أوراسيا (القارة المؤلفة من آسيا وأوربا) وأفريقيا.
أراد القائمون على البحث مقارنةَ فتراتٍ تظهر فيها أنواعٌ جديدةٌ بشكلٍ كبير مع فترات ركود -إن صحَّ التعبير-لا تظهر فيها أنواعٌ جديدة، والأهمُّ من ذلك أنَّهم كانوا يريدون رؤيةَ ما يُسمَّى بالـ "التشعُّب التكيفي" عند دراسة السجل الأحفوري. والتشعُّبُ التكيفي هو عمليةٌ تطوريةٌ تصِف كيفيةَ نشوءِ صفاتٍ جديدةٍ في الأنواع الحية (تتمثل في هذا السياق بالأجسام الكبيرة والأسنان القوية) ما يُمكِّنُه من منافسةٍ أفضلَ في بيئاتٍ جديدة (هي في مثالنا الأرض العشبية)، أي إنَّ الكائنَ يكتسبُ الصفةَ ومن ثَمَّ يدخل إلى البيئة الجديدة.
لكن عندما حاولَ العلماءُ ربطَ الفتراتِ المترافقةِ وغيرَ المترافقةِ بظهور الأنواع الجديدة، وجدوا أنَّ أحجامَ الخيول لم تكن تتغير، بل حتى إنَّ أسنانَها كانت تتغير بشكلٍ أقل في فتراتِ ظهورِ الأنواع مقارنةً مع الفتراتِ التي لم تظهر فيها الأنواع، وهذا يُعارِضُ ما كان يُعتقد سابقاً من أنَّ ظهورَ الأنواع الجديدة يأتي مع تغييراتٍ شكلية في الكائن (فكما أشرنا سابقاً، فالـ 18 مليون سنة السابقة شهدت ثلاثَ فتراتٍ ظهرت فيها أنواعٌ جديدةٌ لم تترافق مع صفاتٍ جديدة)، ويشير العلماء هنا أيضاً إلى أنَّ الأنواعَ الجديدةَ تظهر ومن ثم تطرأ عليها تغيراتٌ تشريحيةٌ وشكلية (وبالنسبة للخيول هنا، فإنَّ أنواعاً جديدةً تظهر ومن ثم تعتريها تغيراتٌ مثل كبرِ حجم الجسم وقوةِ الأسنان).
وقد يكون تفسيرُ هذا المثال التطوري راجعاً إلى كون الأعشاب غذاءً مكلفاً للكثير من الحيوانات لأنَّه فقيرٌ بالطاقة، ولذا فإنَّ من يستطيعُ تناولَه كالخيول لن يجدَ منافسةً قويةً عليه.
وأخيراً، فإنَّ العلماءَ يشيرون إلى أنَّ ما كانوا يفترضونه عن تطور الخيول لم يكن صحيحاً لأنَّه لم يُطابق الأدلةَ التي اكتشفناها؛ إذ إنَّه من السهل أن ننظرَ إلى تطوُّر الخيول ونقولَ "إنَّه تكيفٌ تشعبي" لكنَّ الأمرَ ليس كذلك!
المصدر: هنا
الدراسة: هنا