الطب > موسوعة الأمراض الشائعة
بعضُ الجروحِ قد تكون مميتة! الكُزاز Tetanus
قد يساورُنا القلقُ من الإصابةِ بمرض الكُزازِ في كلِّ مرةٍ يُصاب أحدُنا بجرح، فهل هو مرضٌ يستحقّ هذا القلق؟ أم أنّ اللقاحاتِ التي تلقّيناها في الطفولةِ كفيلةٌ بمنحِنا المناعةَ التي تقي من المرض؟
يُعَدّ الكزازُ Tetanus مرضاً مُهدّداً للحياةِ حتى مع أفضلِ وسائلِ العلاجِ، ولعلّ صِيتَه وحدوثَه قد تراجَعَ في البلدانِ المتقدمةِ التي تلتزم بالقواعدِ الصحيةِ ويُطبَّقُ فيها برنامجُ لقاحٍ صارمٌ، لكنه لا يزال يشكل خطراً قائماً في البلدانِ النامية.
يسبب هذا المرضَ نوعٌ من الجراثيمِ تُدعى عُصَيّاتِ المَطَثِيّةِ الكُزازِيّةِ (Clostridium tetani)، وهي تمتاز بقدرتِها على تشكيلِ أبواغٍ تجعلُها تقاوم الحرارةَ والجفافَ وبعضَ المطهّراتِ إلى حدٍّ بعيدٍ (فمثلاً تتحمل الغليَ المستمرَّ لحوالي 20 دقيقةً)، وتَكثُرُ هذه الأبواغُ في الترابِ وفي غائطِ الإنسانِ والحيوانِ، وتنتظر الظروفَ المثاليةَ التي يغيب فيها الأوكسجينُ لتَخرجَ من أبواغِها وتتكاثرَ كما هو الحالُ في أنسجةِ الجسمِ المُتمَوِّتة.
تدخل هذه الجراثيمُ إلى جسمِ الإنسانِ عند الإصابةِ بجرحٍ ملوَّثٍ، وفي بعض الحالاتِ يكون الجرحُ من الصِّغَرِ بحيث لا يشعرُ به المصابُ، وقد تدخلُ أيضاً عند حدوثِ أذيّةٍ في الجلدِ كما هو الحالُ في الحروقِ والغانغرين. وهناك نمطٌ آخرُ للإصابةِ بالكُزازِ يصيب حديثي الولادةِ (كُزاز الوليد)، عندما تكون ظروفُ الولادةِ غيرَ عقيمةٍ، ومن ثَمَّ يتلوّث جرحُ الحبلِ السُّرّيِّ بعد قَطعِه، وقد تراجع حدوثُ هذا النمطِ نتيجةَ ازديادِ الاهتمامِ بظروفِ التعقيمِ في عملياتِ الولادةِ، إضافةً إلى تعميمِ اللقاحِ الذي باتَ يُعطى للحواملِ روتينياً فتتكوّنُ أضدادٌ تنتقل إلى الجنينِ وتحميه من المرض.
صورة
تقوم هذه الجراثيمُ في إثناء تكاثرِها بإفرازِ سُمِّها الخاصِّ: ذيفانِ الكُزاز، وهو يُعدّ واحداً من أشدِّ الموادِّ المعروفةِ سمِّيةً، وجرعتُه القاتلةُ بالغةُ الصغَر (2.5 نانوغرام لكل كغ من وزنِ الجسم).
يَستهدف ذيفانُ الكُزازِ الجهازَ العصبيَّ، حيث يَدخلُ إلى الخليةِ العصبيةِ ويسبح باتجاهِ النخاعِ الشوكيِّ ليصلَ خلال فترةٍ تمتدّ من 2 إلى 14 يوماً، وعند وصولِه يخترقُ الخلايا العصبيةَ ذاتَ الدَّورِ المثبِّطِ، والتي تُعاكس فعاليةَ الخلايا العصبيةِ المحرِّكةِ، ومن ثَمّ تسيطر الفعاليةُ المحرِّكةُ على الفعاليةِ المثبِّطةِ، ويتجلّى ذلك بتشنُّجاتٍ شديدةٍ يمكن أن تحرِّضَها أبسطُ المنبِّهاتِ مثلَ ضجيجٍ بسيطٍ أو ضوءٍ أو مجرّدِ لمسٍ بسيط. أما الأعصابُ الحسّيةُ فلا تتأثر بالذيفانِ، ويبقى الإحساسُ سليماً، ومع وجودِ هذه التشنُّجاتِ يعاني المريضُ من آلامٍ مبرِّحة.
يَستهِلّ المرضُ في أغلبِ الحالاتِ ظهورَه بتشنُّجاتٍ في عضلاتِ الفكَّين ويحدث إطباقٌ شديدٌ للأسنان، ويترافق بصعوبةِ بلعٍ وتيبُّسٍ في عضلاتِ العنُقِ، ينتشر تدريجياً إلى أنحاءِ الجسمِ ليسببَ تشنجاتٍ شديدةً في عضلاتِ البطنِ والحجابِ الحاجزِ ويعيق بذلك التنفسَ، وفي الأطرافِ فيؤدي إلى كسورٍ عظميةٍ أو خلوعٍ مَفصِليّة. كما يترافق المرضُ بحدوثِ ارتفاعٍ في حرارةِ الجسمِ وتعرُّقٍ وارتفاعِ ضغطِ الدم.
يُشخَّصُ المرضُ بناءً على فحصِ المريضِ بشكلٍ أساسيٍّ؛ إذ لا يوجد تحليلٌ مِخبريٌّ يشخِّصُ المرضَ، حيث تكون التحاليلُ الدمويةُ طبيعيةً أو متبدِّلةً بدرجةٍ طفيفةٍ، وكذلك تحليلُ السائلِ الدماغيِّ الشَّوكي (أو السائل المخّي النُّخاعي CSF).
الوقايةُ والتمنيع:
بالرغم من أنّ 25-50% من المصابين بالكُزازِ المعمَّمِ يُتَوفَّونَ إلّا أنّه مرضٌ قابلٌ للوقايةِ، وذلك بأخذِ اللقاحاتِ الضروريةِ والعنايةِ بالجروح.
تقوم الوقايةُ على العنايةِ بالجروحِ وتعقيمِها، لكنّ هذا لا يشكّل بديلاً كافياً عن التمنيعِ الذي يُقسَمُ إلى تمنيعٍ منذ الطفولةِ، وتمنيعٍ عند الإصابةِ بالجروح.
يبدأ برنامجُ اللقاحِ بإعطاءِ 4 جرعاتٍ من الذيفانِ المعطَّلِ Toxoid قبل تمامِ عمرِ السنتين، وبعدَها يُدعم بجرعةٍ بعمرِ 4 سنواتٍ، ثم بعمرِ 6 سنواتٍ ثم بعمرِ 12 سنةً، وتُعطى جرعةٌ داعمةٌ كلَّ 10 سنواتٍ خلالَ الحياة. كما يُعطى اللقاحُ للحواملِ في النصفِ الثاني من كلِّ حملٍ بِغضِّ النظرِ عن الجرعاتِ السابقة. ويجب تذكُّرُ أنّ الإصابةَ بالكُزازِ لا تُعطي المصابَ مناعةً دائمة.
أما التمنيعُ بعدَ الإصابةِ فيَتبعُ نظاماً معقداً وفقاً للمدةِ المُنقضِيةِ على آخرِ جرعةِ لقاحٍ وللعددِ الكلِّيِّ للجرعاتِ السابقةِ، وعلى مقدارِ تلوُّثِ الجرحِ، وقد يُعطى ذيفانٌ معطَّلٌ ليحرّضَ تشكيلَ أضدادٍ وكَسْبِ مناعةٍ فاعلةٍ، أو يعطى غلوبولينٌ مناعيٌّ كمناعةٍ منفَعِلةٍ (أي أضدادٌ جاهزةٌ ترتبط مباشرةً بالذيفانِ السامِّ قبلَ دخولِه إلى الجهازِ العصبيّ) أو كلاهما معاً.
المعالجة:
عند تشخيصِ المرضِ، يجب أن تتمَّ المعالجةُ في وحدةِ العنايةِ المركّزةِ، مع تأمينِ ظروفٍ هادئةٍ وعاتمةٍ لتجنُّبِ استثارةِ الجهازِ العصبي.
في الواقعِ ولسوءِ الحظِّ، لا يوجد دواءٌ يقضي على الذيفانِ بعد دخولِه إلى داخلِ الخلايا العصبيةِ، ويصبح الشفاءُ مشروطاً بحدوثِ تجدُّدٍ في النهاياتِ العصبيةِ والذي يستغرق أسابيعَ عدةٍ، وخلال هذه الفترةِ تهدف المعالجةُ إلى تأمينِ دعمٍ تنفسيٍّ وغذائيٍّ وتمريضيٍّ، مع إعطاءِ أدويةٍ مسكِّنةٍ للألمِ ومضادّاتٍ للتشنُّج. وتعمل الصادّاتُ الحيويةُ على إنقاصِ عددِ الجراثيمِ المتحررةِ من الأبواغِ، والصادُّ الأكثرُ فعاليةً حالياً هو ميترونيدازول Metronidazole.
يفيد إعطاءُ غلوبولينٍ مناعيٍّ (مناعة منفعلة) في تقصيرِ مدةِ المرضِ وتخفيفِ حدّتِه، حيث يعمل على التخلصِ من الذيفانِ الذي لم يرتبطْ بعدُ بالنهاياتِ العصبية.
الكُزاز ورغمَ خطورتِه هو مرضٌ تَسهُلُ الوقايةُ منه باتّباعِ برنامجِ اللقاحِ واتّباعِ قواعدِ الإسعافِ الأوليِّ عند الإصابةِ بالجروحِ، ولا داعي لعرضِ عضلاتِك عبرَ الاستهانةِ بجرحٍ، كي لا تكونَ أبواغُ الكُزازِ هي وحدَها من انجذَبَتْ إليك.
مقالاتٌ ذاتُ صلة:
هل يسبب الصدأُ الكزازَ؟
البرنامج الوطني للقاحات في سورية
المصادر