الفيزياء والفلك > علم الفلك
الأمواج الثقالية تركلُ ثُقبًا أسود متوحش خارج مجرته الأم
اكتشف علماء الفلك ثقبًا أسود فائق الكتلة مطرودًا بعيدًا عن مركز مجرّته، ويُعتقد أنّه قد تلقّى ركلةً من موجةٍ ثقاليةٍ عاتية. وعلى الرغم من احتمال وجود العديد من الثقوب السوداء الأخرى المطرودة بشكلٍ مشابه في أماكن أخرى، إلا أنه لم يتم تأكيد أي منها حتّى الآن. ويعتقد علماء الفلك أن هذا الكائن، الذي اكتشفه تلسكوب هابل الفضائي التابع لوكالة ناسا، هو دليلٌ قوي جدًا على إمكانية حدوث هذا السيناريو.
يصلُ وزن الثقب الأسود المطرود إلى أكثر من مليار شمسٍ كشمسنا، ومن بين جميع الثقوب المطرودة من مجرّاتها الأم، هو الثقب الأضخم حتى الآن. ويقدر الباحثون أن ركلهُ خارج المجرّة تتطلّبَ طاقةً مُماثِلة للطاقة الناتجة عن انفجار 100 مليون مُستعرٍ أعظم (سوبرنوفا) في وقتٍ واحد. ويعتقِدُ الباحثونَ أنّ التفسير الأكثر منطقيّة لهذه الطاقة الدافعة، هو حدوثُ اصطدامٍ بين ثقبين أسودين ضخمين وسَط المجرة، أدى إلى نشوءِ أمواجٍ ثقاليّة تسببت في ركلِ الثقب الأسود فائق الكُتلة ليبتعدَ عن مَركزِ المجرّة.
إنّ الأمواج الثقالية الّتي تنبأ بها أينشتاين، هي تموجات تحدثُ في الفضاء عِندما تصطدم الأجسام الضخمة معًا بشكلٍ مشابهٍ للدوائِر مُتحدة المركز الّتي تتشكل عندما نقذِفُ حجرًا ضخمًا في بركة ماء. في العام الماضي، تمكّن مرصدُ الأمواج الثقالية بمقياس التداخل الليزري Laser Interferometer Gravitational-Wave Observatory والمعروف اختصارًا باسم LIGO، من إثبات وجود الأمواج الثقالية عن طريق كشف موجةٍ ثقاليةٍ ناجمةٍ عن اصطدام ثقبين أسودين صغيرين نسبيًا، يمتلك كل منهما كتلة أكبر كتلة الشمس ببضعة مرّات.
كشفت صورُ مقراب هابل عن وجودِ نجمٍ زائف (كوازار)، في موقعٍ يبعدُ نحو 35 ألف سنة ضوئية عن مركز المجرّة، أي أكبر من المسافة بين الشمس ومركز درب التبانة. هذا الكوازار المسمّى 3C 186 هو بطلُ قصتنا ذاته "الثقب الأسود المطرود". إذ يُحيطُ بالثّقب الأسود فائق الكتلة قرصٌ ضخمٌ مِن الغاز والمواد الّتي يلتهمها هذا الثُقب مُصدرًا دفقاتٍ هائلة من الأشعة البرّاقة الّتي قد تتفوق في بريقها على بريق المجرّة بأكملها. يُسمّى الثقب الأسود في هذه الحالة الخاصّة باسم "النجم الزائف" أو "الكوازار". لذلك يبدو الكوازار أشدّ الأجرام بريقًا في الصورة.
تُظهرُ صور مقراب هابل شكلًا مقوسًّا يعتقدُ العلماء بأنهُ يُشبه الذيل المجرّي الّذي ينتج عادةً عن التحام مجرّتين ببعضهما البعض، مما يقترحُ بأنّ المجرّة 3C 186 قد اصطدمت بمجرةٍ أخرى تحوي ثُقبًا أسود فائق الكتلة أيضًا في مركزها مما أدى الى التحام الثقبين الأسودين معًا.
واستنادًا إلى هذه الأدلة المرئيّة الّتي زودنا بها هابل، جنبًا إلى جنب مع الحسابات النظرية، صاغ الباحثون سيناريو يصفُ عمليّة طردِ هذا الثُقب الأسود المتوحش مِن منزله في مركز المجرّة.
وفقًا لهذا السيناريو، تندمجُ مجرّتان معًا مشكلتين مجرّة جديدة إهليجية الشكل، ويستقرُّ الثقب الأسود لكل منهما وسط هذه المجرّة. يدورُ الثقبان حول بعضهما وينتجُ عن دورانهما هذا أمواجٌ ثقالية قوية تؤدي في نهاية المطاف إلى التحامهما معًا. لكن لماذا انطلق الثقب الأسود الناتج عن الالتحام مبتعدًا عن المجرّة و لم يستقر في وسطها؟
يعتقدُ العلماء أن هذا بسبب اختلاف كتلة كل من الثقبين الأسودين الملتحمين ومعدل دوران كل منهما، مما جعل الأمواج الثقالية الناتجة عن دوران الثقبين الأسودين أشدَ قوةً في اتجاهٍ دونًا عن الاتجاه الآخر. و عندما التحم الثقبان و توقفت الأمواج الثقالية، انطلقَ الثُقب الأسود الناتج عن الالتحام مثل الصاروخ في الاتجاه المعاكس لللأمواج الثقالية الأقوى.
هناك سيناريو آخر بديل يَقترحُ أنَ هذا الكوازار السّاطع الّذي أظهرته صور هابل لا يُقيمُ داخِل المجرة 3C 186 بَل يقبعُ خلفها، ولكنهُ يبدو وكأنهُ بداخلها المجرة، لكنهُ احتمالٌ مُستبعد.
فإذا كان السيناريو الأوّل صحيحًا، فإن هذه البيانات قد تشكل دليلًا قويًا يُثبت إمكانية اندماج الثقوب السوداء الفائقة. لدى علماء الفلك أدلةٌ على اصطدام الثقوب السوداء نجميّة الكتلة (ذات كتل قريبة من كتل النجوم)، ولكن العلاقات بين الثقوب السوداء فائقة الكتلة هي أكثر تعقيدًا و غموضًا بالنسبة لهم.
المصدر: هنا