الطبيعة والعلوم البيئية > الطاقات المتجددة
شمسنا العزيزة لحلّ مشكلة الوقود
من المؤكّد أنّكم مررتم بأزمة وقود في الفترة الأخيرة، وتساءلتم: لمَ لا نملك أنواعاً أخرى من الوقود؟
حسناً، يسرُّنا إخباركم بإمكانيّة عمل نوع جديد من الوقود، وباستخدام بقايا أشجاركم وضوء الشمس!
كيف ذلك، وهل الأمر بهذه البساطة؟ الجواب في المقال التالي:
تُعتبَر مسألة تصريف ومعالجة نفاياتِ أيِّ مجتمعٍ إحدى أكبرِ مشاكلِه، ففي الوقت الذي تتناقص فيه المصادر الطبيعيّة الصالحة للاستثمار، فإنّ أفضل الخيارات المتاحة هي معالجة النفايات والكُتل الحيويّة لإنتاج الطاقة، ما يعتبر حاجةً مُلِـحّةً للحكومات واقتصادها على حدٍ سواء.
لذلك، طوّرَ علماءُ من جامعة كامبريدج Cambridge طريقةً جديدةً لإنتاج وقودٍ مستدامٍ ورخيصٍ نسبيّاً مُعتمِدين على الطاقة الشمسيّة؛ إذ عولِجت الكتل الحيويّة* باستخدام ضوء الشمس لتُعطي وقوداً هيدروجينيّاً نظيفاً.
ماذا نقصد بالكتل الحيويّة؟
كانت الكتل الحيويّة مصدراً هامّاً للطّاقة والحرارة منذ الأزل؛ إذ تكوّنت معظم خزّانات النفط الأرضيّ من بقايا نباتيّة وحيوانيّة متوضّعة تحت الأرض وتعرّضت عبر ملايين السنين لضغوطٍ ودرجات حرارةٍ عالية، أمّا عن عملية تحويلها لهيدروجين نقيّ، فالمكوّن الوحيد الذي يتمّ تحويله بنجاح هو السيللوز الخشبيّ Lignocellulose ويتمّ ذلك بعملية تغويز** وعند درجات حرارةٍ عالية.
ما هو السيللوز الخشبي أو Lignocellulose؟
يصفُ موتيز كونل Moritz Kuehnel- الباحث المشارك في الدراسة من قسم الكيمياء في الجامعة- هذا الصنفَ من السيللوز على أنّه معادلٌ طبيعيٌّ للخرسانة المُسلَّحة؛ إذ يتكوّن من أنسجةٍ سيللوزيّة شديدة التبلور، متشابكةٍ مع بعضها من خلال جزيئاتِ أنصاف السيللوز hemicellulose التي تلعبُ دور الغراء بين تلك الأنسجة، وهذه البنية الصلبة تطوّرت لتعطي النباتات والأشجار مقاومتَها الميكانيكيّة العالية وتحميها من التحلُّل، كما تجعل من الانتفاع الكيميائيّ من السيللوز الخشبيّ وتفكُّكِه أمراً معقّداً.
آليّة التفكيك المُقترَحَة:
تعتمد هذه التقنيّة الجديدة على عمليّة تفكيك وسيطيّة بسيطة باستخدام الضوء؛ إذ تتمّ إضافة مادة وسيطة (محفِّزة) بشكل دقائق نانويّة إلى عيّنة مياه قلويّة تحوي الكتلة الحيويّة المختبرة بشكلها المُعلَّق، وتُعرَّض العيّنة بعدها إلى ضوءٍ مخبريٍّ مشابهٍ لضوء الشمس، إذ يكون المحلول مثاليّـاً لامتصاص الضوء، الأمر الذي يؤدّي بالنتيجة لتحويل الكتلة إلى غاز الهيدروجين الذي يُلتَقَط من سطح العيّنة. ويمكنكم متابعة التجربة في الفيديو المُرفَق:
من ميّزات الدقائق المستخدمة في العمليّة قدرتها على امتصاص الطاقة من الضوء الشمسيّ الواقع عليها واستخدامه في إجراء تفاعلاتٍ كيميائيّةٍ مُعقّدة تشملُ إعادة ترتيبٍ للذرّات في محلول الماء والكتلة الحيويّة لتشكيل وقودٍ هيدروجينيّ وموادَّ كيميائيّةٍ عضويّة مرافقة كحمض النمل (حمض الفورميك) والكربونات.
ويشيرُ الباحثون إلى أنّ الكتلَ الحيويّةَ تختزنُ كميّاتٍ كبيرةً من الطاقة الكيميائيّة، لكنّها في الوقت ذاته طاقةٌ خام، لذلك لا يمكن استخدامها في أنظمةٍ ميكانيكيّة معقّدة كمحرِّكِ السيّارات مثلاً، فتعمل التقنيّة الجديدة على تعديل السلاسل الحيويّة الطويلة والمُبَعثرة وتحويلها لوقودٍ هيدروجينيّ أكثر فعاليّة، وما قام العلماء بفعله هو تصميمُ مزيجٍ من المحفِّزات والمحلول يسمحُ لعمليّة التحوّل بالحدوث باستخدام ضوء الشمس كمصدرٍ للطاقة.
استُخدِمت عيّنات مختلفة من الكتل الحيويّة خلال التجربة منها قطع خشبيّة وبقايا أوراق نباتيّة لدراسة اختلاف النتائج باختلاف العيّنة المُستخدَمة.
وبذلك نرى أن هذه التقنية الضوئيّة الجديدة ستمكّننا من إنتاج هيدروجين نقيّ انطلاقاً من موادّ خام، وفي الوقت ذاته، ستشكّل بديلاً جيّداً لتقنيّات التغويز التقليديّة، ويبقى السؤال الأهمّ حاليّاً، هل يمكننا تطبيق هذه التقنيّة على مجالات واسعة وصناعيّة كبيرة لإنتاج الوقود، وهل ستكون طريقة آمنة إذ ما استُخدِمَت على ذلك النطاق!
الهوامش:
*الكتل الحيويّة:
هي بقايا الكائنات الحيّة، تشير بشكلٍ أساسيّ إلى بقايا النباتات ولكن يمكنها أن تشمل البقايا الحيوانيّة أيضاً
**عملية التغويز:
هي عملية كيميائيّة تتضمّن أكسدة جزئيّة للمواد المُعالَجة كالفحم والكتل الحيويّة وتحويلها إلى ما يسمى بغاز الاصطناع(يتكوّن من أول أكسيد الكربون، ثاني أكسيد الكربون، الميثان، بخار الماء والهيدروجين)، الذي يمكن استخدامه لإنتاج الطاقة لاحقاً.
المصدر: