الفيزياء والفلك > فيزياء
العلماء يستلهمون من بنية قشرة المحار لصناعة زجاج خارق الصلابة
أثارت صلابة قواقع المحارات البحريّة اهتمام المهندسين بشدّة، فهي تتكون من مواد غيرعضوية هشة وبرغم ذلك فهي صلبة جداً، فألهمتم بنيتها صنع زجاج أقوى بـ200 مرة من قوته القياسيّة.
وبعكس التفكير المنطقي،فقد عزّزوا قوّة الزجاج عن طريق صنع شبكة من الشقوق المجهريّة، و ذلك حسب دراسة نشرت في جريدة Nature Communications.
بدأ فريق من جامعة McGill في مدينة مونتريال أبحاثهم بدراسة دقيقة للمواد الطبيعيَّة مثل أصداف المحار و كذلك العظام و الأظافر، والمدهش في الأمر متانتها على الرغم من أنَّها مكوّنة من مواد غير عضوية هشة.
يكمن السّر في حقيقة أنَّ هذه المواد ترتبط مع بعضها البعض ضمن وحدة أكبر و أكثر قساوة، حيث أن الارتباط يعني أنّ الصدفة تحتوي على خطوط تصدّع صغيرة و عددها كبير تُدعى بالـ "وسطاء" أو السطوح البينية. ظاهرياً، قد يبدو هذا ضعفاً و لكنه في واقع الأمر يعكس قدرة على الانحناء عند التعرض لقوة ضغط خارجية كبيرة.
على سبيل المثال، تعتبر الطبقة الداخلية المتألقة لبعض انواع المحار والتي تسمى بأم اللؤلؤ أكثر متانة بحوالي 3،000 مرة من المواد المصنوعة منها.
قد يبدو جعل المواد أكثر متانةً عن طريق إدخال سطوح بينية ضعيفة أمراً غير منطقي، و لكنه في الحقيقة استراتيجية عامة وقوية موجودة في المواد الطبيعيَّة.
قام الفريق بتطبيق ما تعلمه من الطبيعة واستعمل ليزر ثلاثي الأبعاد لحفر شقوق مجهريّة دقيقة داخل شرائح الزجاج. و قاموا بملء تلك الشقوق بنوع من البوليمرات فوجدوا أن الزجاج أصبح أكثر متانة بـ 200 مرةّ. " أصبح الزجاج يمتص الصدمات بشكل أفضل وينحني برفق بدلاً من أن يتكسّر، الأوعية المصنوعة من الزجاج بحالته القياسيّة العادية ستتحطم وتتكسر عند القائها على الأرض، اما بعد إجراء التغييرات عليه فأصبح الزجاج ذو قابليّة للتشوه والتقوّس بدلا من التكسر" كما شرح الباحث المشارك في هذا البحث Francois Barthelat لوكالة فرانس برس.
الزجاج المحفور بالشقوق المجهريّة ( أي الذي أجري عليه نتائج البحث) قابل للتمدد بمقدار 5% تقريباً قبل أن يبدأ بالتشقق- مقارنةً مع الزجاج العادي ذو القدرة الاجهادية (قابليته لتغيير شكله) التي لا تتجاوز 0.1 %..
ممكن أن نجد تطبيقات لهذا الزجاج المعدل مثل استخدامه كزجاج مضاد للرصاص، النظارات، أو حتى شاشات أجهزة الهاتف الذكية.
الزجاج مادة عملية بسبب شفافيته، صلابته، مقاومته للكيميائيّات، و متانته، وعيبه الرئيسي هشاشته و لكن الطريقة الجديدة تعالج هذا الضعف بشكل اقتصادي للغاية .
كل ما هو مطلوب لانجاز هذا النوع من الزجاج، جهاز ليزر نستطيع من خلاله ان نركزه ضمن نقاط محددة سلفا في الزجاج، ويمكن تعديل تقنياتنا للحفر الثلاثي الأبعاد بواسطة الليزر لكي تتلائم مع تطبيقها على مكونات أكبر وأكثر سماكة وبأشكال مختلفة.
المحاولات السابقة لتقليد البنية المتينة لأصداف المحار ركزت على بناء مواد جديدة من تجميع وحدات صغيرة جداً تماما كأننا نبني حائطاً بمقاييس صغيرة جداً. ولكن الفكرة الجديدة بحسب Barthelat هي البدء بجزء كبير من المادة والعمل على تشكيل وحفر سطوح بينية ضعيفة فيه.
بالتأكيد ليست هذه المرة الأولى ولن تكون الأخيرة التي يستلهم فيها الفيزيائيون والمهندسون اختراعاتهم وابحاثهم من الطبيعة المتنوعة المحيطة بنا.
المصدر: هنا
حقوق الصورة: F. Barthelat