الموسيقا > سلسلة الأوركستراهات العالمية
الأوركسترا الفلهارمونية التشيكية Czech Philharmonic Orchestra
تعود الصفحةُ الأولى في قصة الأوركسترا الفلهارمونية التشيكية إلى العام 1896، ومع دخولها عامَها الواحدَ بعدَ المائة والعشرين، يبرز أمامنا عدد من الأسئلة؛ كيف ولماذا بدأت هذه الأوركسترا؟ وكيف استمرت في دولةٍ لاقت من التغييرات السياسية الكثير، فنجدها قد رافقت بوهيميا، وتشيكوسلوفاكيا، وألمانيا النازية، والاتحاد السوفييتي، وأخيراً التشيك؟
كانت بداية هذه الأوركسترا في اليومِ الرابع من كانون الثاني عام 1896، حينَ وقف أحد أشهرِ المؤلفيين التشيكيين "دفوراك Antonín Dvořák" على خشبةِ مسرح الرودولفينوم Rudolfinum أهمّ معالمِ براغ، ليقودَ الفرقة في تقديمِ أعماله الخاصة ضمن أولِ عرضٍ رسميّ لها. وقد قدمت الفرقةُ وقتَها الملحمةَ السلافيّةَ الثالثة، وافتتاحية اوثيلو، وسيمفونية العالم الجديد، كما قدّمت لأولِ مرّةٍ الأغانيَ الأنجيليةَ الخمسَ الأولى له. وقد ظهر في ذلك العرضِ أيضاً المؤلّفُ التشيكي "بيدريش سميتانا"، والذي كان يودُّ أن يجعلَ العروضَ السيمفونيّةَ تقليداً دائماً لدى المستمعين التشيكين.
برنامج العرضِ الموسيقيّ الأول للفرقة، من أرشيف الفرقة.
تأسّست الأوركسترا أساساً على شكلِ جمعيّةٍ تهدُفُ لتحسينِ وتطويرِ الموسيقا في براغ، وتأمينِ تعويضاتٍ ماليةٍ لأعضاءِ أوركسترا المسرحِ الوطنيّ وعائلاتِهم من بعده. وقد استمرت على هذا الشكلِ حتى عام 1901، حين نشأت خلافاتٌ بين بعضٍ من أعضاءِ الفرقة وبين رئيسِ أوركسترا المسرحِ الوطني، الذي قرّرَ حينها تأسيسَ فرقةٍ جديدةٍ للمسرحِ الوطني، فعملَ الموسيقيون على الانفصالِ وأعلَنوا تأسيسَ الأوركسترا بشكلٍ مستقلّ. وخلالَ مدّةٍ قصيرةٍ، تمكّنَت الأوركسترا من تجاوزِ الحدود، وقدمت عرضها الموسيقيّ الخارجيّ الأول في فيينا بمشاركة 62 عضواً.
بعد استقلال التشيك، قامت الأوركسترا بتقديمِ أولِ عرضٍ موسيقي في الـ 30 من تشرين الثاني عامَ 1918، لتعملَ لاحقاً على نشرِ الثقافةِ العامة في البلادِ، إضافةً لحفاظِها على جودةِ ومعاييرِ الأداء العالية في حفلاتها، فقامت بتقديمِ حفلاتٍ موسيقيّةٍ للعمّالِ، وصغارِ السنّ، وعددٍ من الجمعياتِ كالاتحادِ النسائيّ العام، والصليب الأحمر التشيكوسلوفاكي.
تعرّضَت الأوركسترا لاحقاً لضغوطاتٍ سياسيةٍ مختلفةٍ، لكنّها تمكّنَت من تجاوزِها ولعبِ دورٍ ديبلوماسيّ نوعاً ما، إذ انتشرَت خلال فترةِ الاحتلالِ النازيّ مقطوعةُ "بِلادي Má vlast" والتي عُزِفَت على نطاقٍ واسعٍ في مناطقِ بوهيميا ومورافيا، وحرّضت حركةَ مقاومةٍ وطنيةٍ كبيرةً مما أدى إلى منعِ عزفها كاملةً في العروضِ الموسيقيّة. عادَت الفرقة لتقدّمَ العرضِ الموسيقيّ الكامل لمقطوعةِ "بلادي" في كلٍّ من برلين ودرسدن في ألمانيا، معقِلِ النازية، في عام 1941. وبالمقابل، قدّمت عامَ 1944 حفلاً موسيقيّاً بمناسبةِ عيدِ الميلادِ الخامسِ والخمسين لـ"أدولف هتلر". واستمرّ الأمرُ بالفرقة على هذا المنوالِ عقِبَ الحربِ العالميّةِ الثانية، إذ شاركَت بعددٍ من المناسبات التي جمعَت بين الاتحادِ السوفييتي وتشيكوسلوفاكيا، وظهرت في احتفالٍ لعيدِ ميلاد "ستالين" ومرّةً ثانيةً في الذكرى السادسةِ والعشرين لوفاةِ "لينين".
تابعَت الأوركسترا في السنواتِ التاليةِ نشاطاتَها الموسيقيةَ مع توسِعةِ دائرةِ الموسيقيين الذين قدّمت ألحانهم، مستمّرةً في الوقت نفسه بمواكبةِ الأحداثِ السياسية المحيطة، ففي عام 1989 تمّت مقاطعةُ التلفزيون والراديو التشيكوسلوفاكيّيَن، فشارك أعضاءٌ من الفرقةِ في مظاهراتٍ واحتجاجاتٍ ضمن الثورةِ المخمليّةِ التي أدّت إلى تغييرِ النظام الحاكمِ في البلاد.
تمثّلُ الأوركسترا الفلهارمونية التشيكية نموذجاً مميزاً بتاريخها وانخراطها في الحياةِ السياسيةِ والاقتصادية، وتُقدم دليلاً على أنّ الموسيقا هي ذاكرةُ الشعوب الحية. واليوم، وبوجودِ 124 عازفاً، تستمر الأوركسترا بنشاطِها كونَها الأوركسترا الأهمّ في التشيك، مُتّخِذَةً من الرودولفينوم مقراً لها. وقد شهد العالمُ العربيّ أول عرضٍ للفرقة عامَ 2013 في الإماراتِ العربيةِ المتحدة ضمن مهرجانِ أبو ظبي.
الأوركسترا الفلهارمونية التشيكية في قاعة دفوراك في الرودولفينوم.
وللتعرّف على مزيدٍ من أعمالِ الفرقة بشكل أكبر، يمكنكم متابعةُ القناةِ الخاصةِ بها على Youtube:
ونترُكُكم مع أهمّ المقاطع لها:
السيمفونية الـ 38 لموتسارتK.504 بقيادة رافاييل كوبيلك:
بيدريش سميتانا - Ma Vlast (Moldau) Vltava:
سيمفونية العالم الجديد (السيمفونية رقم 9) لـ"دفوراك" بقيادة فاتسلاف نيويمان:
فيديو إعلانيّ عن الفرقة:
المصادر:
الموقع الرسمي للأوركسترا الفلهارمونية التشيكية