الطب > مقالات طبية
انقِطاع النفَسِ النَّوميُّ لدى الأطفالِ وعلاقتُه بنموِّ الدماغ
هل يؤثّرُ توقفُ التنفسِ في أثناءِ النومِ لدى الأطفالِ في وظائفِ الدماغِ؟
ما هو انقطاعُ النفَسِ المؤقتُ وما الأخطار التي يمكن أن تنتُجَ عنه؟
هو حالةٌ مَرَضيَّةٌ تتّصف بتوقفٍ مؤقَّتٍ أو نوعٍ من التنفسِ المتقطعِ خلال النومِ. يُسمّى كلُّ توقفٍ في التنفسِ "انقطاعَ النفَسِ"، و يستمر لعدةِ ثوانٍ إلى عدَّةِ دقائقَ، وتتكررُ هذه الظاهرةُ خمسَ مراتٍ- على الأقلِّ- في الساعةِ. يُعتبر هذا المرضُ من مشكلاتِ اختلالِ النوم .
في نتائجَ لدراسةٍ جديدةٍ لوحظَ أنّ الأطفالَ الذين يعانون من انقطاعِ النَّفَسِ الانسداديِّ النوميِّ(obstructive sleep apnea) يحدثُ لديهم انخفاضٌ في حجمِ المادةِ الرماديةِ في مناطقِ الدماغِ التي تتحكمُ بالإدراكِ والمِزاجِ بدرجةٍ واضحة. وتشير هذه النتائجُ الى أنّ انقطاعَ النفَسِ الانسداديَّ النوميَّ قد يحفّزُ فقدانَ الخلايا العصبيةِ أو قد يُؤخر نموَّها عند أولئك المرضى، كما لاحظ فريقٌ من الباحثين بقيادةِ الدكتورة ليلى خيرانديش غوزال (Leila Kheirandish-Gozal) في جامعةِ شيكاغو في إلينوي.
تقول الدكتورة: "لقد أظهرنا مراراً وتكراراً أنه في أيِّ مستوىً من شدةِ انقطاعِ النفَسِ في أثناءِ النومِ، يُظهرُ بعضُ الأطفالِ دليلاً على العجزِ العصبيِّ المعرفيّ، والبعضُ الآخرُ لا يفعلُ ذلك"، وتضيف: "ونأملُ أن يكونَ العجزُ المعرفيُّ أو انخفاضُ حجمِ المادةِ الرماديةِ الناجمُ عن توقفِ التنفسِ النوميِّ عند الأطفالِ قابلاً للعكس- خاصةً عند إجراءِ العلاجِ، والذي يكون عادةً عبرَ عمليةِ استئصالِ اللوزتين و الغُدّانِيّاتِ (adenotonsillectomy) في وقتٍ مبكرٍ، حيث أنّ هذا جانبٌ مهمٌّ سنختبرُه في الدراساتِ المستقبلية".
فروقاتٌ لافتةٌ للنظر:
خضعَ في هذه الدراسةِ 16 طفلاً من المصابين بانقطاعِ النفَسِ الانسداديِّ النوميِّ -المتوسطِ إلى الحادِّ- لفحصٍ معرفيٍّ عصبيٍّ و فحصِ التصويرِ بالرنينِ المغناطيسيِّ (MRI) في جامعةِ شيكاغو، ثم قورنَتِ النتائجُ مع 9 أطفالٍ أصحاءَ كانوا يتطابقون معهم في العمرِ والجنسِ والعِرقِ والوزن. كذلك قورِنتْ صورُ الرنينِ المغناطيسيِّ من الأطفالِ الستّةَ عشَر المصابين، مع 191 مسحاً بالرنينِ المغناطيسيِّ من أطفالٍ كانوا جزءاً من قاعدةِ بياناتِ التصويرِ بالرنينِ المغناطيسيِّ للأطفال التي جمعَتْها معاهدُ الصحةِ الوطنية الأمريكية (NIH).
تقول الدكتورة: "إنّ صورَ المادةِ الرماديةِ لافتةٌ للنظَر.. ليس لدينا حتى الآن دليلٌ دقيقٌ لربطِ فقدانِ المادةِ الرماديةِ مع عجزٍ معرفيٍّ محددٍ، ولكنْ هناكَ دليلٌ واضحٌ على الأضرارِ والخسارةِ العصبيةِ للأطفالِ المصابين مقارنةً مع العامّة".
و قد لوحظَتِ انخفاضاتٌ كبيرةٌ في حجمِ المادةِ الرماديةِ في مسحِ الرنينِ المغناطيسيِّ في القشرةِ الأماميةِ والجبهيةِ، وكذلك القشورِ الجداريةِ والفصِّ الصَّدْغيِّ و جِذعِ الدماغِ لدى الأطفالِ الذين يعانون من انقطاعِ النفَسِ الانسداديِّ النوميّ.
وأضافتْ كاتبةُ المقالِ أنّ "المواقعَ قبلَ الجبهيةِ والجبهيةَ أظهرتْ انخفاضاً في الحجمِ في جميع المناطقِ، لكنّ التلفيفَ الثنائيَّ المركزيَّ لم يتأثرْ"
لم يكن هناك أيُّ دليلٍ على أنّ المرضَ كان ذا تأثيرٍ على القشرةِ القُذاليّةِ، ولكنّ جميعَ المناطقِ الجداريةِ أظهرَتِ انخفاضاتٍ في حجمِ المادةِ الرمادية.
لم يتمكنِ الباحثون من التعرّفِ على أيِّ ارتباطٍ بين نتائجِ التصويرِ بالرنين المغناطيسيِّ لدى الأطفالِ الذين يعانون من المرضِ وبين الأداءِ المعرفيِّ، على النحو الذي تُقاسُ به جداولُ القدرةِ التفاضليةِ. ومع ذلك فإنّ ارتفاعَ حجمِ المادةِ الرماديةِ مرتبطٌ بنسبِ ذكاءٍ أعلى، كما يَظهرُ من اختباراتِ الذكاءِ، ولكنْ فقط في الأطفالِ الأكبرِ سناً. ويعتقد الباحثون أنّ أيَّ تأثيرٍ يؤدي إلى انخفاضٍ في حجمِ المادةِ الرماديةِ قد يكون له أثرٌ على معدلِ ذكاءِ الأطفالِ، غير أنه في هذه الدراسة بالذات يمكن ألا يكونَ قابلاً للكشفِ بسبب صغرِ سنِّ الأطفالِ المشاركين.
أظهرتِ النماذجُ الحيوانيةُ لهذا المرضِ أنّ الخلايا العصبيةَ تتضررُ وتموتُ بسبب طريقةِ تأثيرِ المرضِ على الدماغ. وأوضحتِ الدكتورةُ أنّ هذا التأثيرَ يؤدي إلى فقدانِ المادةِ الرمادية. وبدلاً من ذلك يمكن تباطؤُ نموِّ الدماغِ وتطورِه لدى الأطفالِ الذين يعانون من المرضِ، مما يؤدي إلى انخفاضٍ في حجمِ المادةِ الرماديةِ في فترةِ التطوّرِ، عندما تزيدُ المادةُ الرماديةُ عادةً.
في بيانٍ للباحثِ المشاركِ الطبيب ديفيد غوزال (David Gozal)، أشارَ إلى أنّ صورَ الرنينِ المغناطيسيِّ لا يمكن أنْ تُحدِّدَ ما إذا كانتْ خلايا الدماغِ قد تقلّصَتْ أو فُقدتْ تماماً عند الأطفالِ الذين يعانون من انقطاعِ النَّفَسِ الانسداديِّ النوميّ. وأضافَ "التصويرُ بالرنين المغناطيسيِّ يعطينا نظرةً عامةً عن الاختلافِ المرتبطِ بانقطاعِ النفَسِ في حجمِ أجزاءَ مختلفةٍ من الدماغِ، لكنها لا تخبرُنا، على مستوى الخليةِ العصبيةِ، بما حدثَ للخلايا العصبيةِ المتضرّرةِ، أو متى بالضبطِ وقعَ الضرر. ومع ذلك، أظهرتِ الدراساتُ السابقةُ التي أجرَتْها المجموعةُ نفسُها أنّ شدةَ المرضِ ترتبطُ مع حجمِ العجزِ المعرفيِّ عندما يجري الكشفُ عنها".
خطوة الى الأمام:
وتعليقاً على نتائجِ هذا البحثِ ل ‘ميدسكيب ميديكال نيوز‘ (Medscape Medical News)، قال رانان أرينز(Raanan Arens)، رئيسُ قسمِ أمراضِ الجهازِ التنفسيِّ والنومِ في مستشفى الأطفالِ في مونتيفيور بولاية نيويورك: "إنّ الدراسةَ كانت مُهمّةً في أنها أظهرتْ أنّ العجزَ في الدماغِ لدى الأطفالِ المصابين باضطراباتِ النومِ الناتجةِ عن الأمراضِ التنفسيةِ يمكن أن يرتبطَ مع العجزِ العصبيِّ المعرفيّ".
ويوضّح قائلاً "نحن نعلم أنّ المناطقَ الدماغيةَ التي اكتُشفَ نقصٌ في حجمِها هي نفسُها المناطقُ التي تتحكم بالذاكرةِ والوظيفةِ التنفيذيةِ، وكلُّها مهمةٌ جداً لتطويرِ الدماغ".
إنّ الفشلَ في الكشفِ عن التأثيرِ في الوظيفةِ المعرفيةِ في هذه الدراسةِ بالذات قد يعكس ببساطةٍ حجمَ العينةِ الصغيرةِ وحقيقةَ أنّ بياناتِ الوظيفةِ المعرفيةِ لم تكن متوفرةً لدى مجموعةِ المقارنةِ الأكبرِ، والتي أُخذَت من معاهدِ الصحةِ الوطنية.
و يقول أرينز: "أعتقد أنّ هذه الدراسةَ هي خطوةٌ إلى الأمامِ في هذا المجالِ؛ أولاً وقبل كلِّ شيءٍ لأنّ الباحثين كانوا قادرين على تصويرِ الأطفالِ بالرنينِ المغناطيسيِّ وتحليلِ هيكليةِ الدماغِ باستخدامِ أدواتٍ موحّدةٍ و معياريةٍ، ولأنّ الدراسةَ استخدَمتْ قاعدةَ بياناتٍ إضافيةً للحصول على عددٍ أكبرَ من الشواهد (controls)، والتي ساعدت في تعزيزِ الدراسةِ أيضاً".
المصادر:
1- هنا
2- هنا