الطب > مقالات طبية
زرعُ الخلايا الجذعيةِ المولِّدةِ للدم.. علاجٌ أنقذَ الكثيرين!
زَرعُ الخلايا الجذعيةِ المولِّدةِ للدم:
يهدف هذا الإجراءُ إلى إدخالِ الخلايا الجذعيةِ الذاتيةِ (أي المأخوذةِ من جسمِ المريضِ نفسِه) أو الغَيريّةِ (من جسدِ متبرعٍ آخرَ )، والمأخوذةِ من نِقْيِ العظمِ أو الدمِ المحيطيِّ أو دمِ الحبلِ السُّرّيِّ، لإعادةِ تأهيلِ الوظيفةِ النَّقويّةِ المكوِّنةِ للدمِ لدى المرضى الذين يعانون من اضطراباتٍ مناعيّةٍ أو أذِيّاتٍ مختلفةٍ في نِقْيِ العظم.
يستهدف هذا الإجراءُ الأمراضَ التي تستنزف نقيَ العظمِ كابْيضاضاتِ الدّمِ والاضطراباتِ المناعيةِ الذاتيةِ الخِلقيةِ، كما أنّ له دوراً كبيراً في توفيرِ إمكانيةِ تحمُّلِ جرعاتٍ أعلى من المعالجةِ الكيميائيةِ لدى مرضى الأورامِ، والتي لا يمكن للنِّقْيِ الطبيعيِّ أن يتحملَها، ويهدف هذا الإجراءُ إلى تجديدِ النِّقْيِ الذي سيتعرضُ للجرعاتِ العاليةِ من العلاجِ الكيميائيِّ باستخدام الخلايا الجذعيةِ التي جرى جمعُها مسبقاً، ويمكن استخدامُ هذا العلاجِ لتصحيحِ اضطراباتِ تشكُّلِ الهيموغلوبين أو اضطراباتِ التخزينِ، إضافةً إلى تواسُطِ تصحيحِ النسُجِ المتضررةِ كما في انحلالاتِ البشرةِ الفُقاعيّة.
ظهرتِ الفكرةُ في حوالي العامِ 1939، حيث بدأت أولُ تجربةٍ عندما تلقّى أحدُ المرضى 18 مل من نِقيِ العظمِ المأخوذِ من أخيه حقناً وريديّاً، في محاولةٍ لعلاجِ فقرِ الدّمِ اللاتنَسُّجِيِّ (Aplastic Anemia). ومن ثَمّ حدثت تطوراتٌ مهمّةٌ في هذا المجالِ، وذلك عام 1950 عندما تمّ الوصولُ إلى نتائجَ مهمةٍ في مجموعةٍ من التجارِبِ لدى الفئرانِ، إلى جانبِ دراسةِ نتائجِ زرعِ الخلايا لدى الكلاب المعرَّضين للتشعيعِ من قِبلِ توماس .Thomas
يخضع اختيارُ الأمراضِ التي يمكن علاجُها بهذه الطريقةِ لمجموعةٍ من العواملِ؛ منها الشذوذاتُ الخَلَويّةُ والاستجابةُ للعلاجِ والإجراءاتُ التي تسبقُه وعمرُ المريضِ وحالةُ المرضِ (تختلف بين حالاتِ النُّكْسِ والهُجوعِ). والأهمُّ من بين هذه العواملِ هو مصدرُ الطُّعومِ التي ستُزرع.
تُصنَّفُ الأمراضُ التي يمكنُ معالجتُها بهذه الطريقةِ بحسبِ نوعِ الطُّعمِ؛ ذاتيٍّ أو غَيريٍّ:
فتشملُ الأمراضُ التي يمكن معالجتُها بالطعومِ الذاتيةِ: الورمَ النِّقْوِيَّ المتعدّدَ (Multiple Myeloma) واللمفوما اللاهودْجْكينيةَ وداءَ هودجْكِنْ والابيضاضَ النِّقويَّ الحادَّ وأورامَ الأرومةِ العصبيّةِ والذئبةَ الحُمَامِيةَ الجهازيةَ والداءَ النَّشْواني.
أمَّا الطعومُ الغيريّةُ فتُستخدمُ لعلاجِ: الابيضاضِ النقويِّ المزمنِ والحادِّ وابيضاضِ الدمِ اللِّمْفِيِّ وفقرِ الدمِ اللاتنسُّجيِّ وفقرِ الدمِ بحسب فانكوني، وغيرِها من الأمراضِ والتي سنتطرّق إليها في مقالاتٍ قادمة.
مصْدرُ الطُّعوم:
إنّ اختيارَ مصدرِ الطّعومِ يخضع لمجموعةٍ من العواملِ، ولا سيَّما المَصدرُ المتوفرُ وضرورةُ إجراءِ الزرعِ بسرعةٍ واحتمالُ تطورِ (GVHD) أو ما يُعرف بتفاعلِ الطُّعمِ تجاهَ المُضيفِ، وهو تفاعلٌ مناعيٌّ شديدُ التعقيدِ يؤثّرُ سلباً على الجهازِ المناعيِّ للمُضيفِ أي المريضِ، إضافةً إلى احتمالِ الاحتياجِ لأخذِ طعومٍ متعددةٍ من المتبرعِ ذاتِه. ويخضع اختيارُ مصدرِ النِّقْيِ تِبعاً للآتي:
يقع الاختيارُ في البدايةِ على أحدِ الإخوةِ الموافقين لنظامِ HLA الخاصِّ بالمريضِ (وهو نظامُ تعَرُّفِ الخلايا المناعيةِ على الخلايا الغريبةِ عن الجسمِ بقصدِ مهاجمتِها وتدميرِها)، وفي حالِ عدم توافرِه يتم اللّجوءُ إلى متبرعٍ آخرَ بنظامِ HLA مطابقٍ، وفي حالِ عدمِ توافرِه هو الآخرُ يتمُّ اللجوءُ إمّا إلى متبرّعٍ غيرِ مطابقٍ أو خلايا جذعيةٍ مأخوذةٍ من الحبل السُّرّيِّ أو متبرعٍ متماثلِ النمطِ الفَرْدانيِّ (haploidentical donor).
جمعُ الخلايا الجذعيةِ المولِّدةِ للدم:
أصبح هذا الإجراءُ روتينياً إذ غالباً ما تؤخَذُ الخلايا من العُرفِ الحَرقَفيِّ الخلفيِّ تحت التخديرِ الموضعيِّ أو العامِّ للمتبرعِ، ويمكن جمعُ كميةٍ إضافيَّةٍ من مصادرَ أخرى كالعُرفِ الحَرقفيِّ الأمامي. كما تؤخذُ الطعومُ من الدمِ المحيطيِّ؛ حيث توجد الخلايا الجذعيةُ المولدةُ للدمِ بكمياتٍ قليلةٍ يمكن جمعُها واستخدامُها في الزرع.
تكون اختلاطاتُ (مضاعفات) هذا الإجراءِ على المتبرِّعِ نادرةً، وغالباً ما تنتُجُ عن التخديرِ أو حدوثِ عدوى أو حدوثِ نزف.
تحضيرُ الطعوم:
يتطلب تحضيرُ الطعومِ مخابرَ بتقنيّاتٍ متطورةٍ وعناصرَ متدرّبةً، ممّا يزيد من تكاليفِ هذا الإجراء.
إنّ اختلافَ المُسْتَضدّاتِ السطحيةِ للكرَيّاتِ من مجموعةِ ABO لا يشكل عائقاً أمام إجراءِ الزرعِ، إلا أنّ احتمالَ حدوثِ الاختلاطاتِ قد يتزايد عند وجودِ اختلافاتٍ مُستضِدِّيةٍ كبرى بين المانحِ والمتلقّي؛ إذ قد يعاني المتلقي انحلالاً دمويّاً حادّاً يمكن تفاديه بفصلِ الكرياتِ الحُمرِ عن العيّنةِ المزروعةِ، ليبقى خطرُ حدوثِ انحلالِ دمٍ متأخرٍ نتيجةَ التفاعلِ المناعيِّ للمتلقي تجاهَ الكريّاتِ الحُمرِ الفتيّةِ للمعطي.
في حالِ وجودِ اختلافاتٍ مستضِديّةٍ صغرى (الزُّمر الدموية الفرعية) بين المانحِ والمتلقّي، يتورّط الجهازُ المناعيُّ للمانحِ بالتسببِ في حدوثِ تراصٍّ عن طريقِ الراصّاتِ الدمويّةِ الموجودةِ في بلازما العيّنةِ المزروعة. ويمكن تفادي هذا الاختلاطِ بفصلِ البلازما عن العينةِ، إضافةً إلى أنّ الخلايا اللمفِيّةِ الموجودةِ في العينةِ قد تشكل أضداداً تجاهَ كرياتِ دمِ المتلقيِ بعد فترةٍ وجيزةٍ، متسببةً بانحلالٍ دمويٍّ، وأيضاً ما يُعرف بمتلازمةِ لِمفاويّاتِ المانحِ (donor lymphocyte syndrome) وهي حالةٌ عابرةٌ سريرياً وتتطلب المراقبةَ والمعالجةَ الداعمة.
تحضيرُ المرضى للزرع:
يُعدُّ تحضيرُ المريضِ جزءاً أساسيّاً في هذا العلاجِ، وتهدف هذه المرحلةُ إلى إحداثِ تثبيطٍ لمناعةِ المتلقّي بدرجةٍ تكفي لتلافي حدوثِ رفضٍ للطعومِ، وكذلك إقصاءِ المرضِ الذي أُجريَ الزرعُ لعلاجِه. وتُحقَّقُ هذه الأهدافُ بشكلٍ أساسيٍّ بإعطاءِ جرعاتٍ عاليةٍ من العلاجِ الكيميائيِّ (قد يُستخدم العلاجُ الشعاعيُّ أحياناً).
إنّ إدخالَ الطعومِ المأخوذةِ من نِقْيِ العظمِ أو من الدمِ المحيطيِّ يعدُّ مرحلةً بسيطةَ الإجراءِ مقارنةً مع باقي المراحلِ، وتُزرعُ الطعومُ المأخوذةُ من نِقيِ العظمِ طازجةً؛ حيث تدخل عبرَ وريدٍ مركزيٍّ خلال عدَّةِ ساعاتٍ، أما الطعومُ الذاتيةُ فتُحفظُ مجمَّدةً وتُعطى بسرعةٍ خلالَ عدةِ دقائق.
تطمحُ الدراساتُ القادمةُ إلى تحسينِ معدّلِ البُقْيا بتغييرِ معاييرِ اختيارِ المرضى، وتحسينِ البرامجِ التحضيريةِ لإجراءِ الزرعِ وغيرِها من الإجراءاتِ التي ربما تفتح آفاقاً جديدةً في معالجةِ العديدِ من الأمراضِ وتخفيفِ الاختلاطاتِ الناتجةِ عن معالجةِ أمراضٍ أخرى.
المصدر: هنا