الفيزياء والفلك > فيزياء
حقولٌ مغناطيسيّة كونيّة عملاقة
لا تسبحُ المَجرّاتُ عبرَ الفضاءِ بحرّيةٍ تامّةٍ، بل تجبرُها الجاذبيّةُ على الانتظامِ في مجموعاتٍ تُسمّى العناقيدَ المَجرّيّةَGalaxy clusters ، قد تمتدُّ عبرَ عشراتِ ملايينِ السنينِ الضوئيّةِ. وتتألف العناقيدُ من هالاتٍ كبيرةٍ جدًا من المادةِ المُظلمةِ التي تحتوي على عددٍ كبيرٍ جدًا من المَجرّاتِ، إضافةً إلى الغازِ الساخنِ والمجالاتِ المغناطيسيةِ والجُّسَيماتِ المشحونةِ.
يعتقد الفلكيّون أنّ الاصطداماتِ بين العناقيدِ المَجريةِ تولّدُ أكبرَ المجالاتِ المغناطيسيةِ في الكونِ، وفقًا لدراسةٍ جديدةٍ نشرتها مجلةُ علمِ الفلكِ والفيزياءِ الفلكيةِ Astronomy & Astrophysics. وتذهبُ هذه الدراسةُ إلى ما هو أكثرَ من ذلك، موضحةً أنّ هذه الحقولَ أكبرُ من العناقيدِ المّجَريّةِ نفسِها.عندما تتصادمُ العناقيدُ المَجريّةُ فإنّ مكوناتِها نادرًا ما تصطدمُ ببعضِها البعضِ، لأنها ببساطةٍ وبالرغم مما تحتويه من ملياراتِ النجومِ وتريليوناتِ الكواكبِ، تمتلكُ الكثيرَ من المساحاتِ الفارغة. على سبيل المثالِ، عندما تتصادم مجرّةُ دربِ التبّانةِ مع مَجرةِ أندروميدا خلال 3.75 مليارَ سنةٍ، يتوقّع الباحثون أن تنتظمَ المجرّتان في مجرةٍ عملاقةٍ واحدة.
ولكنْ عند حدوثِ هذا النوعِ من التصادُماتِ، تُطردُ كمياتٌ هائلةٌ من الغازِ والغبارِ والجُسيماتِ المشحونةِ التي تطفو بين المجرّاتِ والنجومِ، مشكّلةً سُحبًا مقوّسةَ الشكلِ من الموادِّ، تُسمى "البقايا الأثريّةَ". وقد سميّت بهذا الاسمِ لأنها تستمرُّ لمدةٍ طويلةٍ بعد انتهاءِ الاصطدامِ، ولأنّ العلماءَ يستدِلّون اعتمادًا على انبعاثاتِها من الأشعةِ الراديُوِيةِ والسينيّةِ على الأماكنِ التي يتدفّق فيها الغازُ بشكلٍ ضخمٍ، الأمرُ الذي يؤدّي إلى تشكّلِ بُنىً كونيّةٍ جديدةٍ باستمرار.
منذ أن رصدَ العلماءُ هذه الآثارَ للمرّةِ الاولى عام 1970 تمكنوا من العثورِ على آثارٍ مشابهةٍ في 70 عنقودًا مجرّياً آخرَ حتى الآن، ويُرجَّح وجودُ المزيدِ منها وفقًا لبيانٍ صحفيٍّ صادرٍ عن معهد ‘ماكس بلانك‘ لعلمِ الفلكِ الراديُويِّ.
في دراسةٍ جديدةٍ ركّز فريقٌ دُوَليٌّ من علماءِ الفلكِ اهتمامَهُ على بعضِ هذه الآثارِ لمعرفةِ ما إذا كانت تولِّدُ أيَّ مجالاتٍ مغناطيسيّةٍ غيرَ مرئيّةٍ، وبالتأكيدِ وجدوا أنّ هذا صحيحٌ
السُّجق المغناطيسيُّ الضخم:
ولإجراءِ الدراسةِ، استخدمَ الباحثون تليسكوبًا راديُوِيًا في ألمانيا لتصويرِ أربعةٍ من البقايا الأثريةِ الكونيّةِ المعروفة
التقطَ الفلكيّون صورًا بالأمواج الراديويّة، بما أنّ البقايا الأثريّةَ تميلُ إلى التوهّجِ أكثرَ في ذلك الجزءِ من الطَّيْف. ويمكن أن تُظهرَ صورُ الموجاتِ الراديوِيّةِ أيضًا الحقولَ المغناطيسيّةَ واسعةَ النِّطاقِ، لأنّ حركةَ الجُسيماتِ خلالَ المجالاتِ المغناطيسيّةِ يُمكن أن تؤثّرَ في انبعاثاتِها الراديوِيّة.
درسَ العلماءُ العناقيدَ المَجَرّيةَ: CIZA J2242+53، 1RXS 06+42، ZwCl 0008+52، Abell 1612، لكنّ علماءَ الفلكِ غالباً ما يسمُّون البقايا الأثريّةَ وفقًا للشكلِ المُميَّزِ الذي تبدو عليه. وعلى سبيل المثالِ يُسمّى الأثرُ سيزا J2242 + 53 -الذي نتحدثُ عنه في مقالِنا هذا-باسمِ "السُّجُق"
وتُظهِرُ صورةٌ راديويةٌ قديمةٌ البقايا الواقعةَ على بُعدِ أكثرَ من مليارَي سنةٍ ضوئيّةٍ من الأرض باللونِ الأخضرِ، فيما يَظهرُ حطامُ العناقيدِ المَجرّيةِ أحمرَ اللونِ بالأشعةِ السينيّة (أشعة X). أمّا الخلفيّةُ فهي كما تَظهرُ بالضوء المرئيِّ.
أما الصورُ الراديويّةُ الجديدةُ التي التقطَها العلماءُ للسُّجُقِ والبقايا الأخرى، فتُعدُّ الصورةَ الأكثرَ تفصيلًا من أيِّ وقتٍ مضى؛ إذ كشفَتْ أنّ البقايا الثلاثةَ منظّمةٌ للغايةِ، وأنّ حركةَ الجُسيماتِ فيها تولِّدُ مجالاتٍ مغناطيسيّةً هائِلةً، مثلَ ملفِّ الأسلاكِ في المحرّك.
وهنا واحدةٌ من الصورِ الجديدةِ لبقايا السُّجق، تُظهرُ شدّةَ الانبعاثاتِ الراديويّةِ (الأحمرُ هو الأقوى والأزرقُ هو الأضعف).
أعلن ماجا كيردورف Maja Kierdorf، عالِمُ الفلكِ في معهدِ ماكس بلانك لعلمِ الفلكِ الراديُوِيِّ ورئيسُ الدراسةِ الجديدةِ: "اكتشفنا أكبرَ الحقولِ المغناطيسيّةِ في الكونِ حتى الآن، والتي تمتدُّ من 5 إلى 6 ملايين سنةٍ ضوئيةٍ".
ويضيفُ في البيانِ الذي أصدرهُ معهدُ ماكس بلانك أنّ "هذه المجالاتِ المغناطيسيةَ قد تكون أكبرَ من العناقيدِ المَجرّيةِ".
ومن المرجَّحِ أن تكونَ الحقولُ أوسعَ بعشراتِ المرّاتِ من مَجرّةِ دربِ التبّانةِ، وتمتلكُ نصفَ القوةِ التي تولّدُها المجرةُ في أثناءِ حركتِها عبرَ الفضاءِ.. إنها لسحابةٌ غازيّةٌ مثيرةٌ للإعجابِ حقًا!
ويعتقد الباحثونَ أنّ سببَ هذه الحقولِ هو دورانُ الغازِ الذي خلّفَه التصادمُ بين العناقيدِ المَجريّةِ. ويشير شكلُ وقوةُ البقايا الأثريّةِ إلى أنّ العناقيدَ المجرّيةَ يمكنُ لها أن تصطدمَ معًا بسرعاتٍ تصلُ إلى أكثرَ من 2000 كيلومترٍ في الثانيةِ (4.47 مليونَ ميلٍ في الساعة).
والآنَ بعد أن أظهرَ علماءُ الفَلكِ أنّ الأمواجَ الراديُويةَ قادرةٌ على الكشفِ عن المجالاتِ المغناطيسيّةِ العملاقةِ في الفضاءِ، فإنهم يخطّطون لاصطيادِ المزيدِ منها.
المصدر: هنا