الفنون البصرية > سلسلة تاريخ الفن
سلسلة تاريخ الفن: 4- الفن اليوناني الكلاسيكي
بدأت الحضارات التي تمتدّ حول بحر إيجة مع الشعب المينويّ في نهاية الألفية الثالثة قبل الميلاد، فمن هم المينونيون؟ الحضارة المينوية: لم يتمحور فنّ الحضارة المينوية حول مواضيع الموت والحروب كما هو الحال مع فن مصر القديمة وحضارة ما بين النهرين، إذ عاشَ الشعب في جزيرة كريت منعزلين إلى حدٍّ ما وفي حالةٍ من الرخاء، فجاءَ فنهم محاكياً للجمال والحياة والألوان والبهجة. في الصورة الآتية لوحةٌ جصية لدلافين في قصر نوسوس في جزيرة كريت.
أحبّوا الطبيعة والبحر فلم يبنوا الجدران حول مدنهم وعثر على بيوتاتهم ومقابرهم في جميع أنحاء كريت، وكان لهم أربعة قصورٍ رئيسية في كلٍّ من نوسوس وفايستوس وماليا وزاكروس، ويبدو أن هذه القصور الأربعة الكبيرة والمعقّدة كانت تشكّلُ مراكزاً إداريّة وتجاريّة ودينيّة للشعب وربما سياسيّة أيضاً. جُهِّزت هذه القصور تجهيزاً جيداً بهياكلَ ضخمة ومحاكم مدنية كبرى وأعمدة وسلالم وآبار وأنظمة صرفٍ صحّيّ، بالإضافة إلى المخازن والمسارح للعامّة. ويُعتقد أن أسطورة المينوتور (مخلوقٌ نصفهُ آدميٌّ ونصفه ثور) والمتاهة التي حُبسَ بها، أتت من رياضة القفز على الثيران التي مارسها المينويون بكثرة. هناك أدلة أيضاً على عبادتهم للثيران إذ عثر على قرون ثيرانٍ مقدسة في أنحاء جزيرة كريت.
فن الحضارة المينوية:
اكتُشفت مجموعة كبيرة من الأواني الفخارية والخزفية وتطوّر نمطُ التزيين عندهم من النقوش الهندسية التي رسموها على الأواني الخزفية إلى رسوم ٍ تصوّرُ جمالَ الطبيعة من زهورٍ ومخلوقات بحرية ونباتات.
لا يزالُ سبب زوال الحضارة المينوية مجهولاً حتى يومنا هذا ولكن هناك عدة افتراضات أولها أن ظهور الحضارة الميسينية في الألفية الثانية قبل الميلاد أدت إلى زوال فكر وحضارة الشعب المينوي، ومنهم من يفترضُ أن الكوارثَ الطبيعية من زلازل وبراكين قد أدّت إلى اندثار حضارتهم.
الفن اليوناني: النحت
1- الفترة القديمة: عكست المنحوتات القديمة في اليونان تأثيرَ مصرَ وعدة حضاراتٍ أخرى على الفنّ اليونانيّ، وقد تزامنَ ظهورُ هذه المنحوتات مع فتح طرق التجارة مع مصر. تصوِّرُ منحوتات هذه الفترة شاباً يافعاً (وتعني كوروس في اليونانية)، متصلّباً في وقوفه وذراعاه يمتدان إلى جانبيه وقدمه اليسرى تتقدم إلى الأمام بقليل. استمدّ النحاتون اليونانيون هذا النمط الجامد والصّلب في النحت من المصريين.
تطوّرت هذه التماثيلُ شيئاً فشيئاً وبدأت الحياةُ تدبُّ فيها، وأضاف النحّاتون إليها مزيداً من التفاصيل كالعضلات والشعر وحركة اليدين والقدمين وتعابيرُ الوجه كذلك، وبالرغم من تشابه أساليب النحت لدى اليونانيين مع المصريين إلا أن النحاتين في اليونان صوروا الرجال عراةً على عكس المصريين الذين لم يصوروا فراعنتهم عراةً قط. أما تماثيلُ النساء فلم تصوّر عارية أبداً وتطورت كما تطورت تماثيلُ الرجال وقُدّمت ملابسهن بطريقةٍ واقعية ومعقدة وأقرب للحقيقة.
2- الفترة الكلاسيكية: في العام 500 ق.م كسر النحاتون اليونانيون هذه القواعد الجامدة في الفنّ ونحتوا منحوتاتٍ أقرب للحقيقة بتفاصيلها وحجمها، ومجدوا جسد الإنسان، ولا سيّما الذكورَ العراة. كان الرخام المادة الأنسب للاستخدام، إذ جعلوا المنحوتة تبدو وكأنها على قيدِ الحياةِ فأصبحت تعابيرُ الوجهِ واضحةً للغاية، كذلك الملابس وهيئة الجسم. ببساطة لم تعُدِ التماثيلُ في الفترة الكلاسيكية تماثيلاً فحسب بل أصبحت أشكالاً تنبضُ بالحياةِ والجمال.
أدواتهم المستخدمة في النحت: استخدم النحاتون البرونز وعدة أنواعٍ من الرخام، فكان رخام جزيرة ناكسوس لامعاً وكثير الحبيبات، أما رخام البنتليك مثلاً فيتحول عبر الزمن إلى اللون العسليّ الفاتح بسبب احتوائه على الحديد. لم تُنحَت التماثيلُ من قطعةٍ رخاميّة واحدةٍ فقط بل نحتت أجزاء الجسد كالأذرع من قطع رخامية منفصلة ثم ثبتت على الجسم الرئيسيّ بأوتادٍ خشبيّة، استخدموا الأزاميلَ لنحت الرخام وكذلك استخدموا المثقابَ اليدويّ لنحت التفاصيل الصغرى، وبعد الانتهاء من النحت ثبتوا التمثال على قاعدة كبيرة وأضافوا عدة تفاصيل باستخدام الألوان كالشعر والحاجبين والشفتين، وغالباً ما رُصِّعت العينين باستخدام العظام أو الكريستال أو الزجاج، وأضيفت كذلك إضافات من البرونز إلى التماثيل مثل الرماح والسيوف والأكاليل، كما أن لبعض التماثيل قرصٌ برونزيّ صغير في أعلى الرأس وذلك لمنع الطيور التي تقف على التماثيل من تشويه الرأس.
نحت اليونانيون تماثيلهم من البرونز أيضاً ولكن معظم هذه التماثيل لم تعد موجودة الآن وذلك لاحتياج الشعب إلى مادة البرونز وإعادة استخدامها في فترات لاحقة، أما تماثيل الرخام فقد نجت من التخريب أو إعادة الاستخدام. وقد وصل إلينا من المنحوتات البرونزية ما لايزيد عن اثني عشر تمثالاً.
بعد أن تمّ تجويف الكثير من المنحوتات من صُلبها البرونزيّ فأصبحت هيكلاً برونزياً مجوفاً من الداخل قام النحاتون بصنع المنحوتات من الشمع ثم تغليفها بالطين وتثبيته بقضبانٍ حديدية صغيرة، وعند ذوبان الشمع إلى السطح الخارجيّ، صبّ النحاتون البرونز المنصهر على هذا السطح. بعد الانتهاء أزالوا الطين وأضافوا النقوش إلى الهيكل البرونزي وصقلوه وأضافوا بعض الإضافات النحاسية والفضية للشفاه والحلمتين والأسنان، ورُصِّعت العينين كما في التماثيل الرخامية. كان فيدياس أشهر النحاتين في أثينا وكذلك زيوس الذي أقامَ في معبد زيوس في أولمبيـا، أما النحات بوليكليتوس فقد كتب إلى جانب ممارسته النحت مقالاً عن تقنيات هذا الفن.
العمارة اليونانية: صمّم المهندسون المعماريون اليونانيون ثلاثة أنماطٍ من الأعمدة: دوريك وآيونيك وكورينثيان
على سبيل المثال، بُنيَ معبد بارثينون Parthenon على نمط الأعمدة دوريك: