كتاب > روايات ومقالات
مراجعة رواية "الخلود" لميلان كونديرا
عندما ندعو هذا العملَ الأدبيّ الخالد بـ "رواية" فإننا نختزلهُ في قالبٍ ضيقٍ جداً، ونساويه مع الرواياتِ الرخيصةِ التي لا تُسمن ولا تغني من جوع.
وعلى الرغم أنّه روايةٌ بالفعل، ولكنه ليس ككلِّ الروايات، لقد استطاع ميلان كونديرا هدمَ أسسِ الرواية التقليدية وإعادةَ بنائها بطريقته الخاصة.
"لكنني آسف أن تكون كلُّ الروايات تقريباً التي كُتبت حتى يومنا هذا خاضعةً بشكل مفرط لقاعدة وحدة الحدث، أقصد أنّ أحداثها ووقائعها جميعاً تقوم على تسلسل سببي واحد.
إن هذه الروايات تشبه زقاقاً ضيّقاً تُطارد فيه الشخصيات ونحن نجلدها.
إنّ التوتر الدرامي هو اللعنة الحقيقية التي حلّت بالرواية لأنّه يحوّل كل شيء، بما في ذلك أبدع الصفحات، وأكثر المشاهد والملاحظات إدهاشاً إلى مجرد مرحلةٍ تقود إلى الحلّ النهائي الذي يرتكز فيه معنى كلّ ما سبقه، هكذا تحترق الرواية بنار توتّرها الخاص مثل حزمة قش".
لقد استطاع ميلان كونديرا أن يكتبَ روايةً خالدةً حقاً، روايةً لا تُحكي ولا تُروى، روايةً تُقرأ وتُقرأ فقط، روايةً للتلذذ والاستمتاع.
عندما تبدأُ بها فأنتَ لست تستعجلُ النهاية، كل ما تُريده أن تتذوقَ هذه الرواية ببطءٍ تام، وأن تدوم نكهتها في فمكَ إلى الأبد.
الرواية مُقسمة إلى سبعة أقسام تتحدث عن: الوجه، الخلود، الكفاح، الإنسان العاطفي، الصدفة، المينا، والاحتفال.
قد تبدو العناوين غريبةً حقاً وغير مترابطة ظاهرياً ولكنها تحمل في طياتها الكثير، بل إنها تعزف معاً لتُطربنا بهذه السيمفونية الخالدة.
يذكر كونديرا في روايته العديد من الأشخاص الخالدين مثل نابليون وبتهوفن والروائي الأميركي الكبير همنغواي، حيث تشترك هذه الشخصيات ببحثها عن الخلود، بالطبع ليس الخلود الروحي، بل الخلود في أذهانِ الأجيال القادمة أو صفحاتِ التاريخ، وكلٌ على طريقته.
هذه الرواية بالفعل لمأدبة، نجد فيها مختلفَ الأطباق من الحبِّ والجنس، الفلسفة والتاريخ، الرسم والشعر، الموسيقى، الموت، الخلود، الجمال، الإنسان، إنها رواية تتحدّث عن كلِّ شيء وأي شيء.
يقفُ الكاتبُ عند كل تفصيل، يفككه ويحلله ويكشف لنا عن خبايا النفس البشرية، فنكادُ نلمس قدرته في تدوين ما نشعرُ به ولا نستطيع التعبير عنه، ما نفهمهُ دون أن نتمكن من صياغته، إنَه قادرٌ على أن يُعرّينا أمامَ أنفسنِا مقحماً يده في تفاصيل حياتنا ليصوّرها لنا كما يجب أن نراها.
علماً أن الكتاب قد تمت ترجمته من الفرنسية، إلا أنكَ لن تشعرَ بذلك، فلقد أجاد "محمد التهامي العماري" ترجمته حتى لتظُن أنه كُتب بالعربية.
عند انتهائك من قراءةِ رواية الخلود لن تستطيعَ سوى الاحتفاظِ ببعض الاقتباسات، اقتباساتٍ لامست قلبك فعلاً، أترككم مع بعضها:
"من حسن حظ الإنسانية أن حروبها الكبرى خاضها الرجال، لو كانت النساء هنّ مَنْ خضنها لكانت أكثر وحشيّة ولقطعت دابر البشر"
""معنى الحياء أن نحظر على أنفسنا ما نشتهي، مع شعورنا بالخجل من رغبتنا فيما نحظره على أنفسنا"
"إنّ الحبَ الخالي من الجماع أشبه بقِدر على النار تستحيلُ فيه العواطف التي بلغت درجة الغليان إلى شغف يُحرّك الغطاء ويجعله يتراقص بجنون"
"الحبُ هو فضيلة الفضائل، فهو يفقدنا الوعي بما هو أرضي، ويملؤنا بما هو سماوي، وهو بذلك يُخلصنا من كلِّ شعورٍ بالذنب".
معلومات الكتاب:
الكتاب: الخلود
تأليف: ميلان كونديرا
ترجمة: محمد التهامي العماري
الطبعة الأولى: 2014
عدد الصفحات: 400
الناشر: المركز الثقافي العربي