الهندسة والآليات > التكنولوجيا
"STT-MRAM" ذاكرةٌ جديدةٌ بمميّزاتٍ فريدةٍ
حتّى عصرِنا الحاليّ يوجد أربعةُ أنواعٍ من الذّواكر من حيث تقنيّة التّصنيع، بدءًا بوحداتِ التّخزينِ الثّانويّة مثلَ القرص الصُّلب إلى الذّواكر الأساسيّة مثلَ ذاكرةِ الوصولِ العشوائيّ RAM وذاكرةِ القراءةِ فقط ROM والذّاكرة Cache. ولكلِّ تقنيّة نقاطُ قوّةٍ ونقاطُ ضعفٍ، ما سنتحدّث اليومَ عنه هو تقنيّةٌ جديدةٌ بمميّزاتٍ فريدةٍ من نوعِها قد تقلبُ جميعَ الموازين!
يسيرُ العملُ على تطويرِ هذه الذّاكرة ضمنَ برنامجِ سامسونج للابتكار العالميّ بمساهمةِ 15 شخصًا من ضمنِهم المهندسُ الكهربائيُّ شميدت "Holger Schmidt" وهو بروفيسّور في الإلكترونيّات الضّوئيّة في جامعة كاليفورنيا في سانتا كروز. ويقول إنَّ الذّاكرة حديثةَ العهدِ التي تُدعى STT-MRAM ستكون ذاتَ مواصفاتٍ جيّدة جدًّا ولن تحتوي على عيوب [1].
STT-MRAM هي اختصارٌ لما يلي: spin-transfer torque magnetic random access memory وهي نوعٌ متطوّرٌ من ذواكر MRAM magnetic random access memory ولكنّها ذاتُ كثافةٍ أعلى وتكلفةٍ أقلّ واستهلاكُها للطّاقةِ أيضًا أقلّ. والميزةُ الأهمّ هي القدرةُ على تصنيعِ شرائحَ من الذّاكرة STT-MRAM تعملُ بكثافةٍ عاليةٍ وبتكلفةٍ قليلةٍ في الوقتِ نفسِه وهذا ما لا يُمكن أن تنجزَه MRAM
[2]
السّؤال الأوّل الذي قد يتبادرُ على ذهنِ الكثيرين هو ما الذي يُميّز الذّاكرة STT-MRAM عن غيرِها؟
تُخزَّنُ المعلوماتُ في وحداتِ التّخزين المغناطيسيّة الأخرى كالقرص الصُّلب على أقراص دائريّةٍ ممغنطةٍ تدورُ حولَ محورِ دورانٍ، بالإضافةِ إلى وجودِ رؤوسٍ مغناطيسيّة لقراءةِ وكتابةِ المعطياتِ مثبّتةٍ على ذراعٍ أفقيّ يتحرّك ذهابًا وإيّابًا بين مركزِ الأقراصِ وحافّتها الخارجيّة بحركةٍ سريعةٍ تسمحُ بالوصولِ إلى أيِّ نقطةٍ على سطحِ الأقراص، بينما تُخزّن الذّاكرةُ STT-MRAM المعلومات ضمن وحداتٍ مغناطيسيّةٍ صغيرةٍ تُسمَّى جميعُها مغانطَ نانويّة "nanomagnets" موضوعة أفقيًّا بمسافةٍ لا تزيد عن 100 نانومتر*، كما أنَّ الذّاكرةَ STT-MRAM ليستْ في حاجةٍ إلى أجزاءٍ متحرّكةٍ لأنّها تستخدمُ التيّار الكهربائيّ لقراءةِ وكتابةِ المعطيات ضمنَ المغانطِ النانويّة [1].
على الرَّغم من كونِ التّطبيقاتِ الحاليّة القائمة على تطويرِ الذّاكرة STT-MRAM في حاجةٍ إلى كثيرٍ من التّحسينات، إلّا أنَّ الذّاكرةَ الجديدةَ توفّر سرعةً وكثافةً عاليتين، ولديها القدرةُ على حفظِ الطّاقةِ بمعنى أنّها لا تفقدُ المعلومات المخزّنةَ عليها عندَ انقطاعِ التيّار الكهربائيّ.
أدّت التّطوّراتُ المتقدّمةُ في الفيزياء وعلمِ الموادّ، خلالَ السّنوات العشرين الماضية، إلى تطويرِ الذّاكرة STT-MRAM وما يُسمّى تقنيّات الإلكترونات الدّورانيّة التي تعتمدُ على خاصّيّةٍ جديدةٍ للإلكترونات وهي الدّوران، حيث تبدو حركةُ الإلكتروناتِ أشبهَ بحركةٍ دورانيّةٍ تنتجُ عنها آثارٌ مغناطيسيّةٌ صغيرةٌ (تظهرُ على هيئةِ شريطٍ مغناطيسيّ صغيرٍ بأقطابٍ شماليّةٍ وجنوبيّة)، تتفاعلُ بدورِها مع الإلكترونات والذّرّات الموجودة بالمادّة [1].
فأمّا عن كيفيّة عملِ الذّاكرة فهي كالتّالي:
يوجدُ في المغانطِ النّانويّة (أو ما يُسمَّى الصّمّامات الإلكترونيّة الدّورانيّة أو تقاطعات الشّرائط المغناطيسيّة "MTJ" magnetic tunnel junctions) طبقتان مغناطيسيّتان منفصلتان بحاجزٍ صغيرٍ يمرُّ عبرَه التيّارُ الكهربائيّ، عندما تدور الإلكترونات في كلتي الطّبقتين بحركةٍ مماثلةٍ تكونُ مقاومةُ مرورِ التيّار منخفضةً أمّا عندَ دورانِها بحركةٍ متعاكسةٍ تكون المقاومةُ مرتفعةً، وينتجُ عن ذلك حالتان منطقيّتان للتيّار (0) و (1). كان التحدّي الأصعبُ هو في تبديلِ حالةِ الوحدة المغناطيسيّة أو ما يُمكن تسميتُها بالصمّام الإلكترونيّ الدّورانيّ حسبَ حالةِ التيّار، حيث إنَّ التيّارَ المستقطبَ النّاتجَ عن دوران الإلكترونات بحركةٍ مماثلةٍ ينقل حالةَ الدّوران إلى إحدى الطّبقتين عندَ مرورِه بالحاجزِ بينهما، تُدعى هذه الظّاهرةُ spin-transfer torque (STT) [1].
كما يظهرُ في الصّورة:
وعندَ الحديثِ عن الصّعوباتِ الموجودة يقولُ شميدت إنَّ أحدَ التّحدّيات هو استهلاكُ الذّاكرة أقلَّ كمّيّة مُمكنة من الطّاقة حتّى لا تسخنُ أكثرَ ممّا يجب. كذلك قيمةُ التّيّار اللازمِ لتبديلِ حالةِ المغانط النّانويّة بالاعتمادِ على التّثبيطِ ومقدارِ الوقتِ الذي تستلزمُه لكي تستقرَّ عندَ حالةِ دورانٍ جديدة.
ومن الجدير بالذّكر إنَّ قياسَ بارامترات التّثبيط في مصفوفةٍ من المغانط النّانويّة ليسَ أمرًا سهلًا، ولكنَّ العاملين في مختبرِ شميدت تغلّبوا على ذلك باستخدامِهم نبضاتِ الليزرِ القصيرة، وقد نشرَ شميدت ومعاونوه، ومن بينهم Mike Jaris، النّتائجَ التي توصّلوا إليها في رسائلِ الفيزياء التّطبيقيّة [1].
إنَّ الذّاكرةَ حديثةَ العهدِ STT-MRAM هي نوعٌ من الذّواكر مختلفٌ كلّيًّا عن غيرِها، ومن المتوقّع استخدامُها في تطبيقاتٍ أكثرَ في السّنوات القليلة القادمة كما يقول شميدت الذي سبق أن تعاونَ من قَبْل مع سامسونج وكان لتقديراتِه الفضلُ بتحسينِ موادّ الشّركة وعمليّات التّصنيع [1].
من الممكن أن تصبحَ STT-MRAM رائدةً في مجالِ التّخزين، متغلّبةً بأدائِها على ذاكرةِ الوصولِ العشوائيّ الستاتيكيّة SRAM static random access memory وذاكرةِ الوصولِ العشوائيّ الدّيناميكيّة DRAM dynamic random access memory حيثُ يُمكنُ تصنيعُ شرائح منها لا تتجاوز 10 نانومتر، ويمكنها أيضًا أن تنافسَ ذاكرةَ الفلاش (flash memory) وتتوفّر بتكلفةٍ أقلّ منها [2].
إلى جانبِ سامسونج، تقومُ الكثيرُ من الشّركات بتصنيعِ شرائح من الذّاكرة STT-MRAM مثلَ شركات IBM، Everspin، Avalanche Technologies، Spin Transfer Technologies، Crocus
ففي نيسان 2016 أعلنت شركةُ Everspin عن بدايتِها بتصنيعِ شرائح STT-MRAM بسعةِ 256 ميجابايت تفوّقت بسرعتِها على DRAM ذاتِ المداخلِ DDR3 وDDR4 وسيزدادُ إنتاجُها في الفترة القريبة [2].
وفي سنة 2016 أيضًا قامت شركتا Toshiba وSK Hynix بعرضِ نموذجٍ أوّليّ لشرائح STT-MRAM بسعةِ 4 جيجابايت [2].
*النّانومتر هي وحدة لقياس الأطوالِ القصيرة جدًّا ومقداره -910 من المتر، أي جزءٌ من مليارِ جزءٍ من المتر.
المصادر:
هنا [1]
[2] هنا