الغذاء والتغذية > التغذية والأمراض
عليك أن تبتعدي عن تناول السوس أثناء الحمل.. والسبب؟
يُعرف اضطرابُ قصورِ الانتباهِ وفرطِ الحركة ADHD كواحدٍ من أكثرِ اضطراباتِ الطفولة شيوعاً، وقد يستمرّ خلالَ المراهقةِ والرشد، وتشمل الأعراضُ صعوبةَ التركيز، وتشتُّتَ الانتباه، وصعوبةَ السيطرةِ على السلوك، بالإضافة إلى الحركةِ المفرطة، ويمكنكم معرفةُ المزيد من التفاصيل حولَهُ بقراءة مقالنا السابق هنا.
وكنّا قد تطرّقنا سابقاً إلى علاقةِ النظام الغذائي للأمِ بحدوث هذا الاضطرابِ عند الأطفال هنا كما تطرّقنا إلى علاقةِ تغذيةِ الطفل وأعراضِ هذا الاضطراب هنا أما مقالُ اليوم فمَعنِيّ بنوعٍ من الأغذيةِ متّهمٍ بالارتباطِ باضطرابِ قصورِ الانتباهِ وفرط الحركة ADHD إذا ما تناولته الأم أثناءَ الحمل؛ وهو السوس (أو العرقسوس) Liquorice.
يعود مصدرُ هذه المعلوماتِ إلى فنلندا، حيث يشتهِرُ الفنلنديون بتناولِ وجبةٍ خفيفةٍ تدعى Salmiakki مصنوعةٍ بشكلٍ أساسيٍ من السوسِ المملح، ويعتقدُ العلماء أن مركّب الغليسيريزين Glycyrrhizin الموجودِ بكثرةٍ في السوس يُسبّبُ الضررَ للجنين لاحقاً، فأجريَت دراسةٌ نُشرت في مجلة American Journal of Epidemiology وشملَت 378 طفلاً من مواليد العام 1998. طُلِبَ من كلّ واحدةٍ من الأمهاتِ تسجيلُ مقدارِ ما تناولَتْهُ من السوس في كلّ أسبوع من الحملِ، وعلى هذا الأساس حُسِبَت كميةُ الغليسيريزين المُستهلكةُ أسبوعياً، واعتُبِرَت كل كميةٍ تتجاوزُ الـ 500 ملغ أسبوعياً نسبةً عاليةً، وكلّ كميةٍ تقلّ عن 249 ملغ أسبوعياً نسبةً ضئيلة. وكانت النتيجةُ أنّ 327 طفلاً تعرّضوا لكمياتٍ منخفضةٍ من الغليسيريزين في المرحلة الجنينية، بينما تعرّض 51 طفلاً فقط لكمياتٍ مرتفعةٍ منه.
استمرّت متابعةُ مجموعةٍ من الأطفالِ بعمر الـ 8 سنواتٍ ممّن تناولَتْ أمهاتُهُم كمياتٍ كبيرةً من السوس خلال الحمل، فلوحظَ أنّهم حصلوا على نقاطٍ أقلّ من بقيةِ أقرانِهِم في اختباراتِ الذكاء والذاكرة، كما كانوا أكثرَ عرضةً للمشاكلِ السلوكية. وبعد بضعِ سنواتٍ، تابعَ العلماءُ بحثهم على نفسِ المجموعةِ وهم بعمرِ الـ 12.5 تقريباً وذلك من أجل معرفةِ علاقةِ تناولِ السوسِ خلالَ الحمل بعمرِ البلوغ من جهة، وبعواملِ السلوكِ والإدراكِ من جهةٍ أخرى، فضلاً عن المشاكل النفسية، والوظائف العصبية للغدد الصمّ (وذلك من خلال دراسة تأثير هرمون الكورتيزول على وظيفة الجهاز العصبي وغيرِها من وظائف الجسم كالاستقلاب على سبيل المثال.
وقد أُخذت بعضُ المتغيراتِ الأخرى بعينِ الاعتبار، مثل عمر الطفل، والمستوى التعليميّ للوالدين، وعمرِ الأم ومؤشّرِ كتلةِ الجسم لها، واستهلاكِها للكحول والتبغِ والمنبهات، والضغطِ النفسيّ خلالَ فترةِ الحمل.
خرَجَت هذه الدراسةُ بمجموعةٍ من النتائجِ العامة، مع بعضِ الاختلافاتِ بين الجنسين من ناحية البلوغ، فقد وُجد أنّ:
- الإناث اللواتي استهلكَت أمهاتُهُن نسباً مرتفعةً من السوس أثناء الحمل كنّ أطول بـ 3 سم، وكان وزنهنّ أعلى بـ8 كغ، ومؤشّرُ كتلةِ الجسمِ لديهن أعلى بـ 2.2 من أقرانِهم، بالإضافةِ إلى ظهورِ علامات البلوغ لدى 37.9% منهنّ وبصورةٍ أبكرَ من نظرائهنّ.
- أمّا الذكور فلم تُلحَظ أيةُ علاقةٍ بين استهلاكِهم للسوس خلال الحملِ والبلوغِ المبكر.
- كما وُجد أن الذكورَ والإناثَ من الأطفالِ الذين استهلكَتْ أمهاتُهم كمياتٍ كبيرةً من السوس أثناءَ الحمل قد تأخّروا عن بقيةِ أقرانِهِم بـ 7 نقاطٍ في اختباراتِ الذكاء، كما كانوا أكثرَ عُرضةً للإصابةِ باضطرابِ قصور الانتباه وفرط الحركة ADHD بمعدّلِ ثلاثةِ أضعاف. في حين لمْ تُلحظْ أي اختلافاتٍ في مستوياتِ الكورتيزول.
الجدير بالذكر ألّا وجودَ حتى الآن لتوصياتٍ خاصةٍ بالحوامل لاستبعادِ عرقِ السوس نهائياً، وإنما تُنصحُ النساءُ بالابتعادِ عن الأدويةِ العشبية، بما فيها جذورُ العرقسوس، وذلكَ بسببِ احتوائِهِ على كمياتٍ كبيرةٍ من مركب الغليسيريزين. وعلى أيةِ حال، فإنّ تناولَ الشخص العاديّ لأكثرَ من 57 غ من السوسِ يومياً ولمدّةٍ تتجاوزُ الأسبوعين يُسبّبُ مشاكلَ صحيةً كارتفاعِ ضغط الدم، واضطراب نظم القلب، وذلك ينطبقُ بحذرٍ أكبر على السيداتِ الحواملِ.
وعلى الرّغمِ من أهميةِ ما توصّلَ إليه هذا البحث، فإنّ هنالك بعضَ العواملِ التي غفِلَ عنها والتي يمكنُ أن تُحدِثَ فروقاً في النتائجِ مثل احتواءِ العديد من الأغذية مثل العلكةِ (اللّبان)، والحلويات، والبسكويت، والمثلجات، وشاي الأعشاب، والأدويةِ والخلطات العشبية، وبعضِ المشروباتِ الكحولية وغيرِ الكحولية على مركب الغليسيريزين، ممّا يعني أنّ الكميةَ المتناولةَ منه لم يتِمَ حسابُها بدقّة.
كما تناولَت الدراسةُ مجموعةً من الأطفالِ الأصحاء في فنلندا حيثُ يستهلكُ الناسُ كمياتٍ كبيرةً من السوس، وهذا يعني أن النتائجَ قد لا تكونُ قابلةً للتعميم بشكلٍ كامل بعد، كما يعتبرُ عددُ الأطفال الذين استهلَكت أمهاتُهمّ كمياتٍ مرتفعةً من عرق السوس أثناءَ الحمل قليلاً نسبياً.
ولكن تبقى هذه النتيجةُ بمثابةِ دعوةٍ للتفكير بما يمكن أن يمتلكهُ هذا المنتج من آثارَ ضارّةٍ على الجنين، ولذلك يستحسن أن تبتعدَ عنه النساء حتى يظهرَ جوابٌ أكثرُ وضوحاً حولَ هذا الأمر.
المصدر:
الدراسة المرجعية: