الطب > قصة قصيرة
كهف الحجارة الملساء (الداء الزلاقي)
داعبت نسائم الهواء المتسلِّلة من النافذة شعرَ ورد الذي كان يغطُّ في نومٍ عميقٍ، ففتح عينيه ببطءٍ ونظر إلى الساعة بقربه التي أشارت عقاربها إلى السابعة والنصف صباحاً، فقفز من سريره مُسرعاً يصيح:
- لاااا .. لقد تأخَّرت عن زيارة صديقي في قرية (الكهوف الضاحكة)!
ركض وردُ في كل زاويةٍ.. نظّف أسنانه بسرعةٍ، ولبِس ثيابه، وحمل حقيبته العجيبة الّتي تحوي كل ما يحتاج إليه في رحلته، واتّجه إلى محطة الحافلات الّتي سوف تقلّه إلى قرية (الكهوف الضاحكة)، وحين جلس في مقعده يلتقط أنفاسه نظر إلى جواربه فأدرك أنّه يرتدي جراباً أسود وآخر بنيّاً، ابتسمَ وقال: هذا جزاء من يتأخّر في نومه، لن أفعل ذلك ثانيةً!
وصل ورد إلى القرية الجميلة الّتي تحيط بها الغابات من كل جانبٍ، وحينما نزل من الحافلة كان صديقه مجد في انتظاره مرحّباً به:
- أهلاً وسهلاً بك في قريتنا الجميلة.. أنا سعيدٌ جدّاً برؤيتك!
أجابه ورد: وأنا سعيدٌ أيضاً يا صديقي.. ومتلهّفٌ لرؤية الكهوف الضاحكة في قريتكم.
تناول الصديقان طعام الإفطار مع عائلة مجد، ثم التفتَ وردُ إلى والد مجدٍ وسأله: لماذا يسمّون هذه الكهوف بالكهوف الضاحكة؟
ردّ الأبُ مبتسماً: إنّ أبواب هذه الكهوف على شكلِ فمٍ ضاحك .. وهي جميلةٌ جدّاً وواسعة .. ولكن أشدّها خطراً هو (كهف الحجارة الملساء) لأنَّه مظلِمٌ قليلاً والينابيع تمرُّ فيه وتجعل المشي فوق حجارته خطيراً، إذ يمكن أن ينزلق الذي يمشي فوقها في أيّة لحظة! لذلك أنصحكم بعدم الدخول إليه.
مضى الصديقان نحو تلال الكهوف الساحرة، وأخذ ورد ينظر إلى الأشجار العالية ويحدّث صديقه عن مغامراته .. وعندما وصلا رفع ورد يديه مبتهجاً وأخذ يصيح:
- ما أجملَ هذه الكهوف! ما أجمل أبوابها! إنّها فعلاً تبدو مثل الإنسان الذي يضحك!
نظر فجأةً إلى مجد فرآه يجلس على صخرةٍ صغيرةٍ، ويضع يديه على بطنه، ويتأوّه ألماً، فسأله بقلقٍ: ما بِكَ يا صديقي؟ أتريدُ أن نعودَ إلى البيت؟
أجاب مجد: لا .. لا .. لا تقلق يا صديقي! إنّه خطأي أنا! لقد تناولتُ بعض الخبز صباحاً!
دُهِشَ وردُ من كلام صديقه وقال: وهل تناولُ الخبز يؤلمُ البطن؟
ردّ مجد: لا يؤلم تناول الخبز البطن عادةً ولكنّني مريضٌ، ويقول الطبيب أنّني أعاني من مرضٍ اسمه (الدّاء الزلاقي)، ويجب عليَّ ألّا أتناول طعاماً يحتوي على مادّة (الغلوتين)!
اقترب وردُ من صديقه؛ وقد ظهر الحزن على وجهه وقال له: وما هو (الدّاء الزلاقي)؟!
أجابه مجد: إنّه مرضٌ تَظهَرُ أعرَاضُهُ كلّما تناولتُ طعاماً يحتوي على (الغلوتين)!
ابتسم وردُ وأراد أن يمازح صديقه كي ينسيه ألمه: وما هو (الغلوتين) يا صديقي؟! أهو نوعٌ غريبٌ من التين يكون داخل الخبز؟!
ضحك مجد على الرغم من ألمه وأجابه: ما الذي تقوله؟ إنه خبزٌ مصنوعٌ من القمح .. كيف يمكن للتين أن يكون داخل الخبز؟! إنّ (الغلوتين) يا صديقي هو عبارةٌ عن بروتينٍ يأتي من القمحِ والشّعيرِ والشيلم، وحتّى إذا احتوى الطعامُ على كميّةٍ قليلةٍ جدّاً من (الغلوتين) لا يمكنُ لي أن آكلَه لأنَّ ذلك سيجعلني مريضاً، وهو يدخل في صناعة الكعك وأنا أحبّ الكعك جدّاً ولكنّني لا أستطيع تناوله، وإنّني أعاني بسبب (الداء الزلاقي) هذا لأنّه عليّ أن أتأكّد أنَّ طعامي لا يحتوي على هذه الجزيئاتِ الصغيرةَ من (الغلوتين)!
شعرَ ورد بالحزن مجدّداً على صديقه وقال: وأنا أحبُّ الكعك جدّاً، ولا أريد أن يصيبني هذا المرض وأمتنع عن تناول الكعك .. وهل يصيب (الداء الزلاقي) كثيراً من الناس؟
ردّ مجد: نعم؛ لقد قال الطبيب لأبي إنَّ هذا المرض شائعٌ وبين كلّ مئة شخصٍ في العالم هناك شخصٌ واحدٌ مصابٌ بهذا المرض، وهو يصيب الأطفال والكبار على حدٍّ سواء!
أنا أشعر ببعض التحسُّن .. فلنمضِ إلى الكهوف ونشتكشفها! سآخذك إلى (كهف الحجارة الملساء) ولكنّنا لن ندخل إليه!
حمل ورد حقيبته على ظهره مجدّداً وأمسك صديقه بيده وهو يفكّرُ بهذا المرض الغريب الذي لم يسمع عنه قبلاً، وعلى الرّغم من أنّه كان متشوّقاً ليرى ذلك الكهف النادر لكنَّ مزيداً من الأسئلة كانت تدور في ذهنه عن هذا المرض، ولكنّه حين وصل إلى باب الكهف رأى الحجارة داخله تصطفُّ بعضها إلى جانب بعضٍ كالأصابع الناعمة وتجري عليها مياه الينابيع .. وصوتها كالموسيقا الهادئة التّي تجعل أضواء الشمس تتراقص فوقها .. فشعر ورد بسعادةٍ كبيرةٍ لرؤية هذا المنظر الساحر وأراد بقوة أن يمشي فوق تلك الحجارة الناعمة .. ثم التفتَ إلى صديقه وقال: ما رأيكَ أن ندخل قليلاً؟!
أجاب مجد: لقد دخلتُ مرّةً مع والدي بضعةَ أمتارٍ .. وقد نظرتُ إلى عمق الكهف .. ولكنّ الدخول أصبح أكثر خطراً عليَّ لأنّ المرضَ الذي أعاني منه جعل عظامي رقيقةً وقابلةً للكسر أكثر!!
نظر ورد بحزنٍ أكبر إلى صديقه قائلاً: دعنا نجلس هنا على باب هذا الكهف، ونستمتعَ بصوت الينابيع فوق الحجارة، لا تحزن يا صديقي .. أنا على ثقةٍ أنَّك سوف تتعافى من هذا المرض وتصبح أقوى .. وسوف تأكلُ كلَّ شيءٍ تحبّه عندما تُشفى منه .. عليك أن تصبرَ قليلاً فقط ..!!
ابتسم مجد وأجاب: نعم سوف أُشفى منه، وستعود أمعائي الدقيقة كما كانت!!
ردَّ وردُ: وما علاقة أمعائك الدقيقة؟ ولماذا عظامكَ تصبحُ أرقَّ؟ أخبرني .. هل تعرفُ؟
قال مجد: يؤثّرُ الداءُ الزلاقيّ على الأمعاءَ الدقيقةَ التي تقع بعد المعدة والقناة الإثنا عشريّة وهي أنبوبٌ طويلٌ جدّاً يساعدنا على هضمِ الطعامِ، والأمعاءُ الدقيقةُ ليست ناعمةً كالورقة من الداخل، وإنّما تحوي على عددٍ كبيرٍ جدّاً منَ الاستطالاتِ الشبيهةِ بالأصابعِ تُدعى (الزّغاباتِ) التي تساعدُ على امتصاصِ الأغذيةِ وجعل الطعام الذي نأكله مفيداً لأجسامنا !!
هزّ ورد رأسه وقال: أعرف وظيفة الأمعاء الدقيقة وشكلها يا صديقي، ولكن ما علاقتها بمرضك؟
قال مجد وهو يشير بيده إلى (كهف الحجارة الملساء): انظر إلى هذه الحجارة الملساء داخل الكهف .. أترى كيف يمر الماء فوقها دون أن تتشرّبه ويمضي إلى الحقول؟! .. إذا كنت مصاباً بالداءِ الزلاقيّ فإنَّ (الغلوتين) الموجودَ في الأطعمةِ سوف يسبّبُ التهاباً في أمعَائِكَ يؤدّي إلى تسطّحَ و أذيّةَ الزغابات وتصبح ملساءَ كهذه الحجارة .. ويمر الطعام عبْرَ الأمْعاءِ دون أن تمتص المواد المفيدةَ منه .. وهذا ما سيجعل جسمك مريضاً،.. ولذلك يا صديقي ترى بعض النّاس المصابين بهذا المرض إذا تناولوا أغذيةً تحوي على (الغلوتين) يشعرون بألمٍ في بطنهم، وبعضهم قد يتوقف عن النموّ، وبعضهم تصبح عظامهم رقيقةً وقابلة للكسر في أية لحظة!
والغريب يا صديقي أنّي في بداية هذا المرض لم أكن أشعر بشيءٍ .. لأنّ بعض المصابين به لا يشعرون بأيّ ألمٍ .. ولكنَّ أجسامهم تصبح أضعف وأضعف كلما تناولوا (الغلوتين) وهذا ما حدث معي في البداية!
تعجّب ورد من ذلك، وابتسم في وجه صديقه وقال: لكنّك سوف تُشفى إذا توقفت عن تناول طعامٍ يحتوي على (الغلوتين) هذا .. أليس كذلك؟!
أجاب مجد: نعم .. لقد كنتُ أتعافى عندما استمعتُ إلى الطبيب .. ولكنّني اليوم أحببتُ ان أتناول بعض الخبز .. وقد أخطأتُ في ذلك!! فأنا أعرف أنّه إذا تجنبتُ الأغذيةَ التي تحوي على (الغلوتين) فإنَّ الزغاباتِ سوف تُشفى، وسيكفُّ بطني عن إيلامي، وسيعودُ جسمي للنموِّ من جديدٍ، وستعود عظامي أقوى، وقد أشعر أنّني بحالٍ أفضلَ من قبل.
ابتسم وردُ مجدّداً، وشعر بالسعادةِ لأنّ صديقه سوف يتعافى من هذا المرض، وقال له: إنّني أفهم كلَّ شيءٍ الآن حول مرضك .. فإذا كان الشخصُ مصاباً بالداء الزلاقي يجبُ أن يتجنبَ جميعَ الأطعمةِ التي تحوي على (الغلوتين) فقط!!
ردّ مجد: نعم، وهذا ما سمّاه الطبيب (الحميةَ الخاليةَ من الغلوتين).
أمسك ورد صديقه من يده، قائلاً بفرح: انهض يا صديقي ولا تحزن .. ودعنا نستكشف هذه الكهوف الضاحكة، أنا متأكّدٌ أنَّ هناكَ العديدُ من الأغذيةِ الشهيّة الخاليةِ من الغلوتين التي يمكنُ لك أن تتناولَها.. نعم إنّني لم أعد أحبُّ هذا (الغلوتين) لأنّه سببُ ألمك!!
أطرق مجد رأسه حزيناً وقال: إنّه من الصعب أحياناً أن تعرف الأغذية الآمنة الّتي لا تحوي على (الغلوتين)!!
سحب ورد يدَ صديقه بكل محبّةٍ مجدّداً قائلاً: لا تحزن يا صديقي .. انظر إلى هذه الكهوف الجميلة .. إنّها ضاحكة وجميلةٌ جدّاً .. فقط استمع إلى كلام الطبيب .. وسيغدو فمك مع الوقت ضاحكاً مثلها .. وستأكل كلَّ ما تشتهي .. هيّا بنا ننظر داخل هذه الكهوف لنعرف ما تخبّئه الطبيعة لنا من أسرار عظيمة!!
عاد ورد من قرية (الكهوف الضاحكة) قبل غروب الشمس .. وعندما استقلّ الحافلة نظر مجدّداً إلى جرابَيه المختلفَين في لونهما، وأخذ يفكّر بجمال تلك الكهوف .. وبمرض صديقه العزيز وبكهف الحجارة الملساء الذي يشبه الأمعاء الدقيقة المصابة بالداء الزلاقي؛ قائلاً في نفسه: يجبُ أن أجدَ علاجاً أفضل لهذا المرض في المستقبل كي يستطيع صديقي أن يأكلَ ما يحبَّ دون أن يزعجه ذلك البروتين الّي يُسمّى (الغلوتين)!!
مصادر المادَّةِ العلمية:
1 - هنا
2 - هنا