الطب > مقالات طبية
فرضيّةُ براك قد تقدّمُ حلاً وقائياً لداءِ باركنسون
داءُ باركنسون هو مرضٌ تنكُّسيٌّ يصيبُ الجملةَ العصبيةَ المركزية ويؤثّرُ على الجهازِ الحركيِّ بالدرجةِ الأولى. أعراضُه الرئيسةُ الباكرةُ هي الرُّعاشُ والصلابةُ وبطءُ الحركةِ وصعوبةُ المشيِ.
وجدَ الباحثون في معهدِ كارولينسْكا Karolinska السويديةِ في ستوكهولم أدلّةً جديدةً تدعمُ الفكرةَ التي تقولُ أنَّ داءَ باركنسون يبدأ في الأعصابِ المحيطيةِ في الأمعاءِ، وينتشرُ للجهازِ العصبيِّ المركزيِّ عبرَ العصبِ المبهَمِ بآليّةٍ تشبهُ آليةَ انتقالِ البريونPrion (البريون هو بروتينٌ ينتقلُ على مسارِ الأعصابِ ويسبّبُ أمراضاً عصبيّةً خطيرةً، مثل اعتلالِ الدماغِ الاسفنجيِّ لدى الأبقارِ أو ما يُعرَف بجنون البقرِ، ومرضِ الرّاعوشِ scrapie لدى الماشيةِ من أغنامٍ وسِواها).
سُمّيَت هذه الفكرةُ بـ "فرضيّةِ بْراك Braak’s Hypothesis" التي تنصُّ أيضاً على أنَّ خطورةَ الإصابةِ بداءِ باركنسون أقلُّ لدى المرضى الذين خضعوا لعمليةِ قطعِ العصبِ المُبهمِ (وهي عمليةٌ جراحيةٌ تُستَطبُّ في علاجِ القرحةِ المَعِديّة).
بالطبع ِهذه ليستِ المرةَ الأولى التي يتمُّ فيها الربطُ بينَ السبيلِ الهضميِّ وبعضِ الأمراضِ؛ كأمثلةٍ على هذه الارتباطاتِ يمكنُ أن نذكُرَ العلاقةَ بين الفلورا المعويّةِ (البيئةِ الجرثوميةِ الموجودةِ ضمنَ الأمعاءِ بشكلٍ طبيعيٍّ دون أن تسببَ أذيةً للإنسانِ الصحيحِ) وبين الأمراضِ كالسكّريِّ والبدانةِ وأمراضِ المناعةِ الذاتيةِ كالتصلّبِ اللُّويحيِّ والذئبةِ الحُماميةِ المجموعِيّة ((Systemic lupus erythematosus، أو بينها وبينَ رفضِ الأعضاءِ بعدَ الزرعِ. وبعضُ الدراساتِ ذَكرَتْ فائدتَها في دعمِ العلاجاتِ الكيميائيةِ عند مرضى الأورامِ، وكلُّها موضوعاتٌ سنتكلّم عنها في مقالاتٍ مستقبليةٍ.
العواملُ المَرضيّةُ المتَّهَمةُ في الانتقالِ عبرَ الأعصابِ وإحداثِ المرضِ هي جسمُ لِوِي Lewy Body وهو عبارةٌ عن كتلٍ بروتينيةٍ شاذّةٍ (غير طبيعية) متجمِّعةٍ داخلَ الخلايا العصبيةِ مسبِّبةً الاضطراباتِ الحركيةَ والفكريةَ المتأخّرةَ عندَ مرضى باركنسون، وα-synuclein وهو بروتينٌ مجهولُ الوظيفةِ في الدماغِ السليمِ، ويشكّلُ مكوِّناً مهماً من جسمِ لِوِي. تكونُ هذه العواملُ متوضّعةً في الأمعاءِ عندَ المرضى المصابين بالطَّورِ الباكرِ من داءِ باركنسون.
وللتحقُّقِ من صحةِ هذه الفرضيةِ أُجريَت دراسةٌ تضمّنَت مقارنةَ 9430 مريضاً خضعوا لقطعِ المبهَمِ بين عامي 1970 و 2010، مع 377،200 شاهدٍ مَرجعيٍّ (شخصٍ خالٍ من المرضِ والعملِ الجراحيِّ المذكورَين) بعدَ تصنيفِهم حسبَ الجنسِ وتاريخِ الميلادِ، وروقِبَ هؤلاءِ المرضى من تاريخِ العملِ الجراحيِّ حتى تاريخِ تشخيصِ الإصابةِ بداءِ باركنسون أو حتى نهايةِ العامِ 2010، وأظهرَتِ النتائجُ أنَّ المرضى الذين خضعوا لقطعِ جذعِ المُبهمِ كانَ خطرُ الإصابةِ بداء باركنسون لديهم أقلَّ خلالَ 5 سنوات، في حين لم تنخفضْ هذه الخطورةُ عندَ المرضى الذين خضعوا لقَطعِ المبهمِ الانتقائيِّ؛ لأنَّ هذا الإجراءَ يقطعُ التّعصيبَ عن المعدةِ فقط تاركاً المجالَ مفتوحاً لانتقالِ α-synuclein من باقي أجزاءِ السبيلِ الهضميِّ وإطلاقِ الحدَثيةِ المَرضيةِ.
وفي دراسةٍ أُخرى كنديةِ المصدرِ، لُوحِظَ أنَّ نسبةً معتبَرةً منَ المرضى الذين يصابونَ بداءِ باركنسون في مرحلةٍ معينةٍ من حياتِهم قد عانَوا سابقاً من إمساكٍ مزمنٍ لعدَّةِ سنواتٍ أو حتى عقودٍ قبلَ ظهورِ الأعراضِ الباركِنسونيّةِ النموذجيةِ. هذا إضافةً لملاحظةِ وجودِ α-synuclein في النهاياتِ العصبيةِ ضمنَ السبيلِ الهضميِّ لدى المرضى لمدةٍ تصلُ إلى عشرين عاماً قبلَ ظهورِ الإصابةِ.
كلُّ ما تقدَّمَ يساهم في دعمِ صحةِ فرضيةِ بْراك من وجهةِ نظرٍ علميةٍ بحتةٍ، ولكنَّها مازالت بحاجةٍ للمزيدِ من الإثباتاتِ والأدلّةِ كَي تُطبَّقَ عملياً وسريرياً، ولكنْ هذا بالطبعِ لا يعني أنْ تُستخدمَ عمليةُ قطعِ جذعِ المبهمِ كعلاجٍ أو وقايةٍ من داءِ باركنسون، حتى لو أُثبِتت صحةُ الفرضيةِ، فالأمرُ ما زال بحاجةٍ للمزيدِ من الدراسةِ؛ حيث يُعتقدُ أنَّه بالإمكانِ تحقيقُ الهدفِ المطلوبِ باللجوءِ إلى حِميةٍ غذائيةٍ أو نوعٍ ما من الأدويةِ الفمويةِ أو غيرِ الفمويةِ التي تمنعُ انتقالَ العواملِ الممْرِضةِ المتّهمةِ، وإن كانَ هذا ليس بالأمرِ السهلِ.
المصادر:
الأمراض المرتبطة بالأمعاء: