الطب > مقالات طبية
نوبة الهلع وتناذر الهلع Panic disorder
الهلَعُ هو الخوفُ الشديدُ جداً من شيءٍ ما، ومن هنا جاءت تسميةُ نوبةِ الهلَع، فهي ذُروةُ الخوفِ. لكنّ الخوفَ هنا قد يكون مَرضياً ودون مسبِّبٍ، أو قد يكونُ حالةً عارضةً ناتجةً عن مسبِّبٍ خارجيٍّ، ويمكنُ أن يتعرضَ لها أيُّ شخصٍ طبيعيٍّ نتيجةَ الخوفِ الشديدِ من شيءٍ ما. وفي كثيرٍ من المجتمعاتِ ونتيجة الجهل قد تفسر نوبة الهلع (panic attack) باستخدام الخرافات مما قد يمنع حصول المريض على التدبير الطبي الذي يحتاجه.
قد تتكررُ هذه النوباتُ حتى أنها قد تحدثُ عدّةَ مراتٍ في اليوم، أو عدّةَ مراتٍ في السنةِ، وحتى في أثناءِ النومِ دون مسببٍ خارجيٍّ، فتُدعى عندَها بتناذُرِ أو اضطرابِ الهلَعِ (panic disorder) الذي يُصنَّف ضمن اضطراباتِ القلقِ. يمكن أيضاً أن تظهرَ هذه النوباتُ في بعضِ الاضطراباتِ النفسيةِ الأخرى كاضطراباتِ القلقِ المختلفةِ (الرهاباتِ، الوسواسِ القهريِّ..) ولكن دون أن تحقّقَ شروطَ تشخيصِ التناذرِ الهلَعِي.
جوهرُ نوبةِ الهلعِ هو الخوفُ الشديدُ، وقد يدخلُ المريضُ في حلقةٍ مفرَغةٍ من الخوفِ، حيث يعجز عن تفسيرِ الأعراضِ التي تظهر عليه، فقد يعتبرُها نوبةً قلبيةً ويخافُ من الموتِ، أو قد يعتقدُ أنه يسيرُ نحوَ الجنونِ فيخافُ من فقدانِ السيطرةِ على نفسِه.
تتظاهرُ نوبةُ الهلعِ بمجموعةٍ من الأعراضِ، كالخفقَانِ وتسرُّعِ القلبِ الشديدِ وصعوبةِ التنفسِ والألمِ الصدريِّ والضعفِ والوَهنِ الشديدِ، وتنميلِ وخدَرِ اليدين، والتعرُّقِ الغزيرِ والقشعريرةِ والهبّاتِ الباردةِ والساخنةِ، وتظهرُ هذه النُّوَبُ في اضطرابِ الهلَعِ بشكلٍ مفاجئٍ ودونَ سابقِ إنذارٍ، وتزولُ خلالَ أقلِّ من ١٠ دقائقَ، ولكنْ قد تستمرُّ بعضُ الأعراضِ لأكثرَ من ذلك، ويبقى المريضُ في حالةِ قلقٍ شبهِ دائمٍ وخوفٍ من تكرارِ النوبةِ في أيِّ لحظةٍ، مما قد يؤثّرُ على حياتِه ونشاطاتِه اليوميةِ والاجتماعيةِ وتدفعُه لتجنبِ الخروجِ من المنزلِ ومقابلةِ الناسِ، وهذا يقودُه لما يُسمّى برُهابِ السَّاحِ (أو الخوفِ من الأماكنِ المفتوحةِ) والرُّهابِ الاجتماعيِّ والاكتئابِ وإدمانِ الكحولِ أو المخدراتِ أو حتى الانتحارِ في بعضِ الحالاتِ، وخاصةً لدى ترافُقِ تناذرِ الهلعِ مع اضطراباتٍ أخرى كاضطراباتِ الشخصيةِ واضطراباتِ الأكلِ والإدماناتِ والاكتئاب.
يُعتبرُ هذا التناذرُ شائعاً نسبياً، ويظهرُ مبكراً لدى اليافعين، وتُعتبرُ النساءُ أكثرَ عرضةً للإصابةِ به، كما أنّ التعرضَ لنوبةِ هلعٍ يرفعُ احتمالَ حدوثِ نوبةٍ أخرى وتطوُّرِ تناذرِ الهلع.
أسبابُ هذا التناذرِ الحقيقيةُ ما زالت غيرَ واضحةٍ، ولكنْ وُضعَتِ العديدُ من الفَرْضياتِ لتفسيرِه؛ بعضُها يُرجعُه إلى أسبابٍ بَيولوجيةٍ في الدماغِ وخلَلٍ في النواقلِ العصبيةِ ومستقبِلاتِها، وبعضُها يربطه بالوراثةِ نتيجةَ تكرارِه لدى بعضِ الأُسَرِ مما يدلُّ على وجودِ دورٍ للمورِّثاتِ، كما أنّ ضغوطَ الحياةِ والتغيُّراتِ المحوريةَ فيها قد تكونُ عاملاً محرّضاً لها كوفاةِ أحدِ الأقاربِ أو الانتقالِ إلى مدينةٍ جديدةٍ أو الزواجِ أو ولادةِ طفلٍ أو تغييرِ العمل.
كما قد يقترنُ وجودُ التناذرِ الهلَعيِّ ببعضِ الأمراضِ الجسديةِ: كالداءِ الرئويِّ المُسِدّ المزمِنِ (COPD)، ومتلازمةِ الأمعاءِ الهَيوجَةِ (IBS) والصداعِ النصفيِّ والاضطراباتِ القلبيةِ الوعائيةِ، ويجب الإشارةُ هنا إلى أنّ الإصابةَ بالتناذرِ الهلَعيِّ ترفعُ احتمالَ الإصابةِ بالداءِ القلبيِّ الإقفاريِّ، ومن الممكنِ أن يتعرضَ المريضُ لاحتشاءٍ قلبيٍّ في أثناءِ النوبةِ قد يؤدي إلى الموتِ المفاجئِ في حالاتٍ نادرة.
لا يُعتبرُ هذا التناذرُ خطيراً ولا مهدِّداً للحياةِ إلا فيما ندَر، وهو قابلٌ للشفاءِ التامِّ، حيث يهدِفُ العلاجُ إلى الوقايةِ من حدوثِ النوبةِ وتدبيرِها عند وقوعِها، ومعالجةِ مرافِقاتِ التناذرِ كالتوترِ والقلقِ، فتُستخدمُ لهذه الغايةِ الأدويةُ النفسيةُ؛ من مضاداتِ اكتئابٍ ومضاداتِ قلقٍ ومُرْخياتٍ عضليةٍ، كما تُستخدم أدويةٌ قلبيةٌ تُدعى مُحصِراتِ المستقبِلاتِ البيتا (beta-blockers) لِما لها من دورٍ ملحوظٍ في الوقايةِ من حدوثِ النوبة.
في بعضِ الأحيانِ يكونُ من الضروريِّ اللجوءُ إلى المعالجةِ النفسيةِ والسلوكيةِ المعرفيّةِ لتعديلِ أفكارِ المريضِ والدعمِ النفسيِّ لتعزيزِ الثقةِ بالنفسِ وكَسرِ حلقةِ الخوفِ والقلقِ، كما يجبُ تثقيفُه حولَ مرضِه وطمأنتِه وتوعيتِه بشأنِ مخاطرِ اللجوءِ إلى الكحولِ والمخدرات.
المصادر:
1 - هنا
2 - هنا
3 - هنا