الهندسة والآليات > التكنولوجيا
التصوير التجسيمي (الهولوغرام)
تواصل البشر عبر الرسائل البريدية لفترة طويلة قبل أن تنتشر الاتصالاتُ الهاتفية لتصبح وسيلة التواصل، انتشرت بعدها مكالمات الفيديو وتمكنا من التواصل عبر الصوت والصورة، ولكن ماذا لو كان التطور القادمُ هو التواصل مع الآخرين وكأنهم حاضرون بيننا بأشكالهم وإبعادهم الطبيعية.
إنه (الهولوغرام) من يستطيعُ تحقيق هذه الأمنية، بالإضافة إلى تطبيقاته الكثيرة الأخرى.
نتكلمٌ اليوم عن (الهولوغرام) تاريخيه وطريقة عمله ومستقبله بالإضافة إلى تطبيقاته.
(الهولوجرام) أو التصوير التجسيمي هي تقنية موجودة منذ فترة ليست بقصيرةٍ ، و كثيرة هي الأفلام التي صورتها بطريقة أو بأخرى، وأشهر الأمثلة على ذلك سلسلة أفلام حرب النجوم (Star Wars) والرجل الحديدي (Iron Man).
في البداية لا بدّ من التعريف بالهولوجرام وطريقة تشكيله:
الهولوجرافي (Holography) هي تقنية تصويرٍ تجسيمي تعتمد على التقاط جزيئاتِ الضوء المتناثرة عن جسم ما، ومن ثم عرضه على هيئة صورة ثلاثيةُ الأبعاد مطابقة لشكل الجسم الحقيقي (وأبعاده أيضًا في بعض الأحيان) وتُعرف باسم الهولوجرام (Hologram).
تشكيل الهولوغرام
لتشكيلِ(الهولوجرام) ينبغي وجود الجسم أو الشخص المُراد تصويره، أشعة الليزر ووسط التسجيل مع مجموعة من المواد اللازمة لتوضيح الصورة، كما يتمُ ذلك ضمن بيئة واضحة تمكّن أشعة الضوء من التقاطع. كما تبين الصورة التالية:
أمّا كيفيةُ تشكيل (الهولوجرام) فهي على الشكل التالي:
تخيل أنك ترمي حجر في بركة ماء، ستلاحظ تشكل عدة موجات متلاحقة على شكل دائري. تخيل الآن أن ترمي حجرين في نفس البركة وبمكانينِ قريبين، ستلاحظ تشكل نفس الموجات دائرة الشكل، وستبدأ هذه الموجات بالتداخل والتراكب، وسنحصلُ على موجة أعلى عندما تلتقي قمتي موجتين مع بعضهما البعض.
ما دخل الكلام السابق بالهولوغرام؟ لتشكيلِ (الهولوغرام) اعتمد العلماء على طريقة تعتمد أساسًا على تراكب الموجات بعضها فوق بعض، ولكن بطريقة معقدة بعض الشيء، فبدلًا من الحجرين سنستخدم منبع شعاع ليزر، يتم تقسيم أشعة الليزر إلى شعاعين متماثلتين (لخلق موجتين تتقاطعان لاحقًا).
يُعاد توجيه الشعاعين باستخدام المرايا، واحد منهما يُوّجه إلى الجسم (المراد خلق صورة ثلاثية الأبعاد له) ويسمى شعاع الجسم ويرافق ذلك انعكاسُ بعض الجزيئات الضوئية عن ذلك الجسم إلى وسط التسجيل، في حين يتم توجيه الشعاع الآخر والذي يُعرف باسم الشعاعِ المرجعي إلى وسط التسجيل مباشرةً، ولا يتعارض أبداً مع أي صورة قادمة من الشعاع الأول، كما يشكّل إحداثيات معها لتشكيل صورة تقريبية للجسم في الموقع المخصص للعرض.
يتقاطع الشعاعان و يتداخلان مع بعضهما البعض فيتشكّل بذلك نموذج التداخل في وسط التسجيل المخصّص للعرض، نموذج التداخل هو نموذج (الهولوجرام) الذي نراه وهو عبارة عن صورة افتراضية ثلاثية الأبعاد مطابقة تماماً للجسم الحقيقي [1].
يحتوي وسط التسجيل على توزيع معقد من المناطق الشفافة والداكنة التي تناظر أهداب التداخل المضيئة والمظلمة، وعندما يُضاء بشعاعٍ مشابه تماماً للشعاع المرجعي فإن الشعاع سوف ينفذ من خلال المناطق الشفافة و يُمتَصّ في المناطق الداكنة بدرجات متفاوتة مكوّناً بذلك موجة نافذة مركبة، هي الموجة المركبة للجسم الأصل.
إذاً يتم الحصول على صورة (الهولوجرام) بتسجيل أنماط التداخل ثم الحصول على (الهولوجرام)، وبعد ذلك يتم إضاءة (الهولوجرام) بطريقة معينة بحيث يكون جزء من الشعاع النافذ من الهولوجرام مطابقاً لموجةِ الجسم الأصل، فنرى صورة في الهواء مماثلة للجسم الأصليّ [3].
تاريخ الهولوجرافي :
بدأ العمل على هذه التقنية بشكلٍ فعلي في عام 1962 وذلك عندما تم العمل على استخدام أشعة الليزر في تصوير الأجسام ثلاثية الأبعاد من قِبل مجموعة من الباحثين أمثال "يوري دينيسياك" من الاتحاد السوفييتي و"إيميت ليث و جوريس أوبتينيكس "من جامعة ميتشيغان.
تمّ استعمال مواد مختلفة في وسط التسجيل، بدايةً اُستخدِمت هاليدات الفضة ولكن لم تظهر الأجسام بصورة مثالية في ذلك الوقت. حالياً يتم العمل على استخدام طرق أخرى تضمن محاكاة الوسط للمحتوى المتعرض للانكسار وبالتالي تطوير تقنية (الهولوجرام) مع مرور الوقت [1].
مستقبل الهولوجرام : [2]
يعتبر (الهولوغرام) قطاع بحثي مهمٌ للغاية و يشهد تطورات كبيرة بشكل يومي، سواءً على صعيد الدقة أو على صعيد التجهيزات، وكمثال على هذا التطور نقدم لكم ما قام به مجموعة من الفيزيائين في مختبرات الجامعة الوطنية الأسترالية، حيث قاموا بتطوير جهاز صغير مصنوع من مادة (نانونيّة) يقوم بإنتاج صور هولوجرافية ذات دقة عالية لم يسبق أن شهِدناها من قبل.
تختلف تقنية (الهولوجرام) الجديدة عن سابقاتها حيث تعالج الضوء بدقة عالية، وبما أن الجهاز المستخدم صغيرٌ جداً تظهر صور (الهولوجرام) في أدوات شخصية صغيرة مثل الهواتف الذكية. الصورة التالية تبيّن أحد هؤلاء الفيزيائيين أثناء عمله.
يقول (Lei Wang)* :” تعلمت عن مفهوم التصوير الهولوجرافي منذ الطفولة من خلال سلسلة أفلام حرب النجوم التي استخدمت أساسيات التصوير الهولوجرافي، وإنّه من الجميل العمل على اختراع يستخدم أساسيات الهولوجرافي المصورة في تلك الأفلام.
يقول الباحث(Sergey Kruk)**:” الصور التقليدية المستوية التي نراها على شاشات التلفاز والحاسوب تُظهر جزء من معلومات الضوء (بشكلٍ أساسي كثافة الضوء) و في بعدين اثنين ، أما في صور (الهولوجرام) أو الصور المجسّمة فالأمر يختلف ويزداد تعقيداً بسبب الصعوبة في معالجة الضوء بشكلٍ دقيق وتوجيهه إلى ثلاثة أبعاد لتشكيل الصورة المجسّمة، كما يتم تسجيل كثافة الضوء واتجاهه أيضاً وهكذا تظهر الصور بثلاثة أبعاد”.
ما يميّز المادة النانوية في الجهاز المُستخدم هو أنها تمكّن الباحثين من التحكم بتسليط الضوء في أبعاد ثلاثة في الأشعة تحت الحمراء، وهي تتألف من ملايين الركائز الصغيرة من السيليكون، كل واحدةٍ منها أصغر بـ 500 مرة من شعرة من رأس الانسان.
تلك الطبقة السطحية من ركائز السيليكون شبيهة بوحدات البيكسل في شاشات العرض التقليدية، بمعالجتها ينتج النظام ككل صور هولوجرام ثلاثية الأبعاد وأحادية اللون.
يضيف كروك: "كما تتميز المادة بكونها شفافة بمعنى أنها تفقدُ أدنى قيمة من الطاقة من الضوء، إضافةً إلى أنها تقوم بمعالجة معقدة للضوء”.
توضّح الصورة التالية مثالاً على ما يمكن أن تنتجه التقنية، وهي صورة لكنغر ثلاثي الأبعاد.
يستطيع الجهاز إنتاج صور (هولوجرام) بأحجام تتراوح من 0.75 إلى 5 ميليمترات في العرض، لكن هذا بالطبع لن يغنيكَ عن الشاشات المسطحة المعلقة على الجدران.
يقول كروك كذلك: “ إن المكوّنات البصرية كالعدسات و الموشورات المستخدمة في الأنظمة التقليدية لإنتاج (الهولوجرام) ومنذ قرونٍ عدة تُعتبر ضخمة وثقيلة الوزن، أما في التقنية الجديدة يتم استخدام مكوّنات تقوم بالوظائف نفسها ولكنها مستوية وخفيفة الوزن”.
وبعيدًا عن ما فعله الفيزيائيون في استراليا نستطيع القول باختصار أنّ مستقبل (الهولوغرام) هو انتشاره بشكل كبير وإمكانية عرضه عن طريق الهواتف الذكية كذلك.
تطبيقات الهولوغرام
كما ذكرنا في مقدمتنا فإن (الهولوغرام) يمكن أن يكون مستقبلًًًا هو طريقة التواصل الأولى، فلك أن تتخيل محادثة أحبائك وكأنهم معك في نفس الغرفة مع أن مئات الكيلومترات تفصلكم. من أهم تطبيقات (الهولوغرام) الأخرى هي عرض الأحداث العالمية وإمكانية مشاهدتها عن بعد وكأنك موجود فعلًا هناك، فعلى سبيل المثال يتكلم اليابانيون عن إمكانية نقل المباريات في كأس العالم عن طريق (الهولوغرام)، بحيث تشاهد مباراة كاملة ثلاثية الأبعاد وأنت في دولة أخرى. ناهيك عن إمكانية مشاهدة الحفلات الموسيقية الكبيرة والتجمعات الثقافية بنفس الطريقة.
يمكن استخدام( الهولوغرام) كذلك في التعليم والتدريب، فيمكن مثلًا لمحاضر ما أن يلقي محاضرته في عدة جامعات في عدة دول بنفس الوقت مما يختصر الوقت والجهد.
ختامًا يمكن القول أن (الهولوغرام) لمحة عن مستقبل البشرية، ونافذة على هذا المستقبل، ويعتبر (الهولوغرام) قطاع بحثي نشط للغاية قابل للتطور يوميًا. لم يعد السؤال هل ستغدو التطبيقات التي تكلمنا عنها واقعًا أم لا؟، بل السؤال هو متى سيحدث ذلك؟
لا نعتقد بأن هذا سيأخذ وقتًا طويلًا جدًا.
الهامش:
*: الباحث المسؤول عن البحث وهو طالب دكتوراه في الجامعة الوطنية الاسترالية – كلية الفيزياء والهندسة.
**: أحد الباحثين المسؤولين عن البحث.
المصادر:
1 - هنا
2 - هنا
3 - هنا