الطبيعة والعلوم البيئية > علم البيئة
التنوع الجيني في مواجهة تغيرات البيئة
كشفت دراسةٌ أجريت في جامعة كونكورديا – مونتريال في كندا من قبل مجموعةٍ من علماء الأحياء وعلماء حفظ الأنواع عن آمالٍ جديدة -ولكن حذرة- في مجال حفظ الأنواع المهدّدة بالانقراض، إذ توصّلو إلى نتيجةٍ تفيد بأن تعداد أو حجم الجماعة هو أمر غير مهم قياساً بأهمية امتاكها تنوعاً وراثياً يضمن لها القدرة على التأقلم ومواجهة المتغيرات البيئية، وهو ما يناقض الدراسات القديمة والأفكار الشائعة في هذا المجال والتي تؤكد على أن الأنواع المهددة بالانقراض تميل إلى عدم القدرة على مواجهة التحديات المفروضة عليها نتيجة للتغيّر المناخي وخسارة موئلها الطبيعي إضافةً للصيد العشوائي، ما لم يكن تعدادها أكثر من خمسة آلاف فردٍ بالغ.
في السياق ذاته، أشارت دراسات سابقة إلى أن بعض جماعات الحيوانات التي تملك تعداداً أقل من 5000 فردٍ بالغٍ أظهرت معدلات انقراضٍ عاليةً غير مقبولة، وأن الجهود المبذولة في سبيل حفظ هذه الأنواع غير مجدية على المدى البعيد.
أحد النظريات القديمة والتي تدعى قاعدة 50\500، تنص على ضرورة وجود خمسين فرداً بالغاً ضمن جماعة ما لتجنب الضرر الحاصل نتيجة التزاوج الداخلي فيما بينها، وخمسمائة فرد آخر لتجنب الانقراض وحفظ الجماعة في مواجهة المتغيرات البيئية والتأقلم معها.
بذلك، فإنّ هذه القاعدة لا تحتّم إمكانيّة انقراض الجماعات ذات التعداد الأقل من 5000 إنّما تسلط الضوء على التحدي الكائن أمامها لتتكيف مع عالم يتغير بسرعة كبيرة، في الوقت الذي يحاول العلماء منع حدوث ظاهرة الانقراض الجماعي أمام التضخم البشري وما ينتج عن ذلك من تأثيرات كارثية على الكوكب، مما يعني أنه يجب أن نبذل المزيد من الجهود للمحافظة على الأنواع قليلة التعداد في الطبيعة.
من جهةٍ أخرى، نصّت الدراسة الجديدة على أن حجم جماعةٍ ما لا يشير بالضرورة إلى عدم قدرتها على التأقلم مع المتغيرات البيئية، بل أن تنوعها الوراثي هو الذي يمنحها القدرة على مواجهة التغيرات البيئية والاستجابة لعملية الانتقاء الطبيعي.
حاليّاً يوجد حوالي 16938 نوعاً مهدداً بالانقراض حول العالم، من وحيد القرن وحتى الحوت الأزرق، نعم! الرقم صحيح و يدعو إلى اليأس إلا أنّ الأمل موجودٌ بإمكانية امتلاكها فرصةً للنجاة من خطر الانقراض والتأقلم مع المتغيرات البيئية طالما أن تنوعها الوراثي يضمن ذلك، فمن وجهة نظر وراثية جديدة فإن تعداد الأنواع الصغيرة قد لا يكون سيئاً كما نعتقد سابقاً، ولكن في نفس الوقت لا يجب إهمال المخاطر التي تواجهها هذه الأنواع والتي يجب أخذها بعين الاعتبار من قبل علماء حفظ الأنواع.
هذا وقد قام الباحثون المشاركون في هذه الدراسة بتمشيط الدراسات الموجودة في هذا المجال ما بين عامي 1980 – 2014، وأنتجوا قاعدة بيانات ضخمةً وشاملة تعيّن الأنواع الطبيعية المنتقاة وكمية التنوع الوراثي وراء الصفات اللازمة للتكيف مع المتغيرات الحاصلة في البيئة من 146 مجموعة حية تنتمي إلى 83 نوعاً مختلفاً من النباتات البسيطة وحتى الثدييات الكبيرة، ووجدوا أدلّةً تثبت العلاقة بين التنوع الوراثي للنوع الحي ومدى استجابته للانتقاء الطبيعي، ولكن قلة البحوث التي تتناول هذه النقطة بالذات شكلت تحدياً أمام هذه الدراسة.
إن نتائج هذه الدراسة مهمة جداً لتطبيقاتها في مجال حفظ الأنواع الطبيعية المهددة بالانقراض والتي يجب أن تَأخذ بعين الاعتبار المسارات التطورية لبعض تعدادات الكائنات الحية صغيرة الحجم والتي تتأثر بعملية الانتقاء الطبيعي، ومجموعات أخرى صغيرة كانت أم كبيرة تنتمي لنفس النوع قد تمتلك تنوعاً وراثياً يساعدها على أن تتكيف في مختلف الظروف.
المصادر: