التعليم واللغات > اللغويات
ما دور الذاكرة البصرية في التنبؤ بالكلمات الأولى للأطفال؟
أظهرت دراسةٌ أجراها علماء النفس في جامعة إنديانا أنَّ الكلماتِ الأولى للطفل تعتمدُ غالباً على تجربتهم البصرية، واضعةً بذلك أسسَ نظرية ٍجديدةٍ لتعلم اللغة لدى الأطفال. وتقترح النتائج وجودَ إمكانياتٍ جديدةٍ لمعالجة الأطفال المصابين بالعوزِ اللغويِّ والتوحّدِ.
واعتماداً على نظريات التعلّم وجدت الباحثة ليندا سميث وزملائها من جامعة إنديانا أنَّ عددَ المرات التي يدخلُ فيها شيءٌ ما مجالَ الرؤية عند الطفل يزيدُ فرصَ ارتباطِ كلماتٍ معينةٍ بأشياءٍ معينة. وتصرّح سميث الباحثةُ الرئيسةُ للدراسةِ والدكتورة في قسم علم النفس والدماغ في جامعة بلومنغتن للعلوم والفنون: "نحن نعتقدُ أنّه بإمكاننا التنبؤَ بكلماتِ الطفلِ الأولى اعتماداً على تجربتهِ البصريةِ مع الأشياء وغلبةِ هذه الأشياء على عالمه البصري". وتضيفُ قائلةً، "قد تكون الذاكرةُ البصريةُ المفتاحَ الأولَ لارتباطِ الكلماتِ مع الأشياءِ البصريةِ المألوفةِ كالطاولةِ أو القميص أو الزجاجة أو الملعقة مثلاً. والتجربة البصرية هنا تجربةٌ تجميعيةٌ؛ فمن الممكن تعلُّم الكلمات الأولى بشكل بطيء وتدريجي للأشياء المنتشرة بكثرة في المجال البصري. ولربما هذا ما يفعله الأطفال لاقتحامِ عالم اللغة قبل عامهم الأول.
ويُمكن الاستفادة من نتائج هذه الدراسة في معرفةِ التدخل الذي يحتاجه الأطفالُ ممن يعانون من التأخر في النطق واضطرابات اللغة. وتقول سميث، "قد تنبعُ الصعوبةُ في تعلّمِ الكلمات من مشاكل في المعالجة البصرية. كمثالٍ على ذلك، يملكُ الأطفالُ المتأخرون في النطق مهارات معالجةٍ بصريةٍ متأخرة عمرياً للأشياءِ، وكذلك يعاني الأطفالُ المصابون بالتوحّد ِ من مشاكلٍ في معالجةِ الأشياء".
وعلى الرغم من كثرة الباحثين في موضوع كلماتِ الأطفال الأولى لفهم التعلّم، إلا أنه وحسب قول سميث لم تتمَ دراسةُ هذا الموضوع من الناحية البصرية. "في حين قد تُفيد دراسةُ اكتساب اللغة من ناحية ‘الكلمة‘ الباحثين في مراحل تعلم اللغة المتقدمة من عمر 18 شهراً إلى 3 سنوات، إلا أنها لا تستطيع تفسير كيف يقتحمُ الأطفال عالم اللغة".
ووفقاً للنظرية الجديدة التي أسمتها سميث وزملائها "نظرية الانتشار"، فهناك أشياءٌ قليلةٌ واسعة الانتشار تبرز للطفل من بين فوضى الأشياء الأقل انتشاراً جاعلةً من نفسها الكلمات الأولى له. وقد نفّذت سميث دراستها من خلال النظر لفيديوهات تُظهر المجال البصري لثمانية أطفال (خمسة إناث وثلاث ذكور) تتراوحُ أعمارهم بين 8 و10 شهور وهي المدة التي تسبق انخراطَ الأطفال في التفاعل اللغوي مع آبائهم ومن يرعاهم.
(تُتبين الصورة الطبيعة الانتقائية للرؤية المركزية. ويشير القسم المظلل إلى مجال رؤية الكاميرا المثبتة على رأس الطفل المستخدمة في الدراسة)
واستُخدم لتسجيل مقاطع الفيديو كاميرات ثُبتت على رؤوس الأطفال لمدة 4.4 ساعات. وتُركت حرية اختيار وقت تفعيل الكاميرات لذوي الأطفال. راقب الباحثون مشاهدَ وقت الطعام التي يراها الأطفال وهو وقت يأكل فيه أي شخص في أي زمان أو مكان، كالسيارة أو أثناء اللعب أو على كرسي مرتفع مثلاً.
(بعض الصور الملتقطة من الكاميرا الرأسية للطفل وتظهر تنوع سياقات وقت الطعام)
أظهرت التسجيلاتُ 917,207 إطاراً يحوي مشاهدَ وقت الطعام، وتمَّ أخذ صورة كنموذجٍ كل 5 ثوان. وتمّ تسجيل 5 أشياء في كل إطار وبذلك حصل الباحثون على مجموع 745 شيء. ولفهرسة مفردات الطفل، قسّم الباحثون الأشياء المسجلة إلى "الأسماء الأولى" وفيها نجد الأسماء التي يتعلمها نصف الأطفال في عمر 16 شهراً كالطاولة والكرسي والقميص والكأس والطعام والصحن والملعقة ؛ و"الأسماء المبكرة" وهي الأسماء التي يعرفها نصفُ الأطفال في عمر 10 شهراً؛ و"الأسماء المتأخرة" وهي الأسماء التي يكتسبها الأطفال في مراحل لاحقةٍ من التعلمِ.
وأظهرت نتائجُ الدراسة ارتباطاً قوياً بين الأشياء الأكثر ظهوراً أمام الطفل مع قائمة " الأسماء الأولى"، حيث ظهرت أول 15 كلمة في الصور التي جمعتها الدراسة. وتقول ايليزابيث كليركن المؤلفة الأولى للبحث " إنّ المقارنة بين الأسماء الأولى والأسماء المبكرة لافتة للنظر، فكلا القائمتين تحوي أسماء أشياء يتعلمها الطفل في مراحل مبكرة من الطفولة وتشير إلى أشياء منتشرة في منزل الطفل". وتضيف، "تحوي البيئةُ البصريةُ للطفل في وقت الطعام عدداُ صغيراً جداُ من الأشياءِ المتواجدةِ باستمرار وتندرجُ أسماءُ هذه الأشياء كثيرة التكرار ضمن قائمة الكلمات التي يتعلّمها الأطفال أولاً وذلك يُشير إلى أنّ التجربةَ البصريةَ هي من تقومُ بالدورِ الأصعب في المرحلة المبكرة لتعلّم الكلمات".
وتقول سميث أنه من المهم جداً بحثُ دورَ كل من الكلماتِ والرؤيةِ في تعلّم اللغة لمعرفة فيما إن كان سببُ اضطراباتِ النُطقِ لدى الأطفال ناتجاً عن عدم قدرتهم على التقاط التكرار البصري في بيئتهم أو عن العيش في بيئة ذات تكرارٍ بصريٍّ أقل. إنّ أخذ العامل البصري بعين الاعتبار يقدّم بُعداً جديداً في دراسة تعلّم الكلمات. إذا كان الاهتمام كله منصباًّ على الناحية اللغوية لتعلم الكلمات، فإننا ننسى نصف المشكلة وهي الإشارات البصرية المساعدة على تعلّم اللغة".
المصدر: