كتاب > روايات ومقالات
مراجعة رواية "الهرطوقي"
روايةُ (الهرطوقي) الصّادرة عن دار التنوير من تأليف الكاتب الإسباني "ميجيل ديليبس" والذي نال عليها جائزة (بريميو) الدّوليّة والتي تُعتبر أرفعَ الجّوائز الإدبيّة الإسبانيّة.
تدورُ أحداثُ الرّواية في مدينة (بلد الوليد) الإسبانيّة إبان اندلاع الزلزال الفكري بسبب إعلان "مارتن لوثر" أطروحته الإصلاحيّة في عام 1517. هذا المنعطف التّاريخي كان مادّة دسمة ل "ميجيل ديلبس" لكي ينقلَ لنا أجواء وحقائق تاريخيّة أكسبت هذا الرّواية بُعدًا جماليًا ملفتًا للنظر.
تبدأ الرّواية برحلةٍ بحريةٍ نرى على متنها مجموعةً من الإسبان العائدين لإسبانيا وهم يتحادثون حول الاختلافات العقائديّة الكنَسيّة والتي بدأت في ذلك الوقت تشتدّ وطأتُها بين الكنيسةِ الكاثوليكيّة بزعامةِ روما والكنيسة البروتستانتية بزعامةِ لوثر قائد الإصلاح الديني المسيحي في العصورِ الوسطى ومركزه ألمانيا، التي أضحت مركز الجذب الدّيني الأقوى في أوروبا الوسطى.
تنتقلُ بعدها الرّواية في سردِ حياة وتفاصيل عائلة "سالثيدو"، الأب دون "برناردو" الإقطاعي في مدينة (بلد الوليد) وزواجه من دونيا "كاتالينا"، حيث مضى على زواجهما عشرة سنوات من غيرِ انجاب، إلى أن يأتي بعدها مولد "ثيبيريانو" في الأجواء والأيام التي رافقت انشقاق "مارتن لوثر" عن الكنيسة البابويّة.
ثم تسرد الرّوايةُ تفاصيلَ حياة دون "ثيبيريانو" بشيٍ من التّفصيل مبيّنةً كيفيّة انتقاله من الإيمان الأرثوذوكسي المسيطر إلى الإيمان بالعقيدة الإصلاحيّة اللوثريّة، ومن ثمّ مساعدته للأخويّة اللوثرية إلى حينِ إلقاء القبض عليه والعذاب المهول الذي لقيه في السّجن حيث يصل التّصاعد الدرامي في الرّواية إلى قمته.
تمرّ حياة "ثيبيريانو" بتقلّباتٍ عاطفيّةٍ ودينيةٍ واجتماعّية ومالية عديدة، نسجها مؤلفُ الرّواية بمهارةٍ أدبيةٍ رفيعة حيث استطاع حَبْك جميع هذه التّفاصيل مع توصيفاتٍ جميلةٍ ودقيقةٍ لحياةِ الإسبان اليومية والإجتماعية في القرن السّادس عشر، وفي ظلّ تغيٍر سياسيّ وعقائديّ شديد، فأوروبا تمرّ بلحظاتٍ تاريخيّةٍ ستغيّر من مجرى التّاريخ، وإسبانيا ستكونَ عمودًا أساسيًا في هذا التغيير، ومحاكم التّفتيش الإسبانيّة هي حجر الأساس لهذا العمود الأساسي.
نهايةُ الرواية مؤلمةً جدًا على الصّعيد النّفسي، قام من خلالها "ميجيل ديليبس" بوصفِ وحشيّة تلك المحاكم بالإضافة إلى غوغائيّة الجماهير وبربيتها. كما استطاع أيضًا أن يلفتَ نظرنا إلى الكيفيّة التي تحولت خلالها أوروبا من مكانٍ كان يُحرَق فيه المخالفين للعقيدة الكاثوليكية على المحارق، إلى مكانٍ ستُنار من خلاله حريّة الاعتقاد الدّيني في التّاريخ، فجملة دون "إغناثيو" عم "ثيبيريانو":
"ذاتَ يومٍ، سوف تِعتبر هذه الأشياء اعتداءً على الحريّة التي جلبها لنا المسيح".
تُشير إلى التنوير الذي سيلي هذه الحقبة المظلمة.
بقي أن نشيرَ إلى الترجمة الّتي أتت جيدة وملفتة للنظر، وذلك لقوة التعابير والألفاظ والمصطلحات الواردة فيها مع إضافةِ شروحاتٍ وهوامشَ استحقّت عناءَ البحثِ لتفسيرِ معظم الأسماء الواردة في الرواية.
معلومات الرواية:
العنوان: الهرطوقي
المؤلف: ميجيل ديليبس
المترجم: عبد السلام باشا
الناشر: دار التنوير
عدد الصفحات: 428