الهندسة والآليات > الطاقة
خطوةٌ نحوَ الدّيزل المتجدّد
انطلاقًا من حقيقةِ أنَّ وقودَ الدّيزلِ ناضبٌ، فلا بدَّ من إيجادِ مصادرَ متعدّدةٍ أخرى، واستغلالِ أيّة طاقةٍ كامنةٍ في الطّبيعةِ وتحويلِها إلى شكلٍ يُمكنُ الاستفادةُ منه في الصّناعةٍ بشكلٍ عامّ وفي عرباتِ النّقلِ بشكلٍ خاصّ كبديلٍ للدّيزل.
تعرّفْ معنا هذه المادّةَ الجديدةَ التي طالما كان مصيرُها في القُمامةِ، والأهمّ من ذلكَ هو كيفيّة تحويلِها إلى وقود.
تمكّنَ مهندسون في معهد ماساتشوستس للتّكنولوجيا MIT من برمجةِ سلالةٍ من الخميرةِ جينيًّا لتقومَ بتحويلِ السّكّريّات إلى دهونٍ بفعّاليّةٍ كبيرٍة، وهو تطوّرٌ قد يُمَكِّنُ من إنتاجِ وقودٍ متجدّدٍ بفعّاليّةٍ كبيرةٍ شبيهةٍ بفعّاليّةِ وقودِ الدّيزل.
لذلك قامَ باحثون في معهد MIT بقيادةِ عالمِ الكيمياء والتّكنولوجيا الحيويّة Gregory Stephanopoulos بتعديلِ الطّرقِ الأيضيّةِ للخميرةِ والتي تُنتِجُ طبيعيًّا كمّيّاتٍ كبيرةً من الدّهونِ على اختلافِ أنواعِها لتجعلَها أشدَّ فعّاليّة بنسبة 30٪. حيثُ أعادوا ربطَ التّمثيلِ الغذائيِّ لهذه الميكروبات من أجلِ الحصولِ على مردودٍ عالٍ جدًّا من إنتاجِ الزّيوت.
هذا التّحديثُ قد يجعلُ إنتاجَ الوقودِ المتجدّدِ عالي الطّاقةِ ممكنًا اقتصاديًّا، ويعملُ فريقُ MIT حاليًّا على تحسيناتٍ جديدةٍ قد تساعدُ على الاقترابِ أكثرَ من هذا الهدف. يقولُ Stephanopoulos: ما فعلناه حتّى الآنَ هو أنّنا وصلنا إلى 75٪ من القدراتِ الكامنةِ في هذه الخميرةِ، وهنالك 25٪ باقيةٌ سوف نصلُ إليها بالعملِ اللاحق.
الوقودُ ذو الطّاقةِ العالية:
يُستعملُ الوقودُ المتجدّدُ مثل الإيثانول المصنوعِ من الذُّرَة كإضافاتٍ على البنزينِ لتشغيلِ السيّاراتِ، لكنّنا نحتاجُ إلى وقودٍ أقوى مثلَ الدّيزلِ من أجلِ تشغيلِ المركباتِ الكبيرةِ كالطّائراتِ والشّاحناتِ والبواخر. يقولُ Stephanopoulos: الدّيزل هو الوقودُ المفضّلُ بسببِ احتوائِه على كثافةِ طاقةٍ عاليةٍ وبسببِ فعّاليّته الكبيرةِ بتشغيلِ المحرّكاتِ التي تعملُ بواسطتِه، ومشكلتُه أنّه مصنوعٌ كلّيًّا من الوقودِ الأحفوريّ.
تمكّنت الجهودُ المبذولةُ في تطويرِ المحرّكاتِ التي تعملُ على الدّيزلِ الحيويِّ المصنوعِ من الزّيوتِ المستعمَلةِ في المطابخِ من إحرازِ بعض النّجاحِ في هذا المجالِ، لكنَّ زيوتَ الطّبخِ نادرةٌ وثمينةٌ نسبيًّا لتُستعمَل كمصدرٍ للوقود. يُمكّنُنا وجودُ النّشويّاتِ في قصبِ السّكّرِ والذُّرَة والتي تعتبر أوفرَ وأرخصَ ثمنًا من استخدامِها بدلَ زيوتِ المطابخ، لكنْ يجبُ أوّلًا تحويلُ هذه الكربوهيدراتِ إلى دهونٍ قبلَ تحويلِها إلى وقودٍ ذي كثافةٍ عاليةٍ مثلَ الدّيزل.
لتحقيقِ ذلك، بدأ Stephanopoulos وفريقُه العملَ على خميرةٍ معروفةٍ باسمِ Yarrowia lipolytica والتي تُنتِجُ طبيعيًّا كمّيّاتٍ كبيرةً من الدّهونِ، حيثُ ركّزوا كلّيًّا على الإلكتروناتِ المتولّدةِ من تفكّكِ الجلوكوز. ومن أجلِ ذلكَ قاموا بتحويلِ Yarrowia باستخدامِ مساراتٍ صناعيّةٍ تُستخدَمُ لتحويلِ الفائضِ من الـ NADH - وهو النّاتجُ عن عمليّةِ تفكّكِ الجلوكوز- إلى NADPH والذي يُستعمَلُ لتركيبِ الدّهونِ، وانتهى بهم المطافُ إلى اختبارِ أكثرَ من عشرةِ مساراتٍ صناعيّةٍ معدّلة.
يقولُ Stephanopoulos: تبيّنَ أنَّ الجمعَ بين اثنينِ من المساراتِ سيعطي نتائجَ أفضلَ، ولكن ما تزالُ الآليّةُ التي تجعلُ هذه الطّريقةَ أفضلَ غيرَ مفهومةٍ بشكلٍ كاملٍ حتّى الآن. باستعمالِ هذه المساراتِ المُطوّرةِ تحتاجُ الخميرةُ إلى ثلثي الكمّيّةِ المطلوبةِ من الجلوكوز لإنتاجِ الكمّيّةِ نفسِها من الزّيتِ الذي تُنتجُه الخميرةُ غيرُ المعدّلة.
فعّاليّة أشدّ:
على الرَّغمِ من أنَّ عمليّةَ تحويلِ الجلوكوز إلى دهونٍ بهذه الطّريقةِ المطوَّرةِ يُمكنُ أن تكونَ مجديةً اقتصاديًّا حسبَ الأسعارِ الجاريةِ لنشاءِ الذُّرَة، إلّا أنَّ الباحثين يأملونَ أن يجعلوا العمليّةَ أفضلَ كفاءة. يقولُ Stephanopoulos: ما زالَ هنالكَ متّسعٌ لتحسيناتٍ أكثرَ، وإذا اجتهدنا أكثرَ في هذا الاتّجاهِ سنصلَ إلى عمليّةٍ أشدّ فعّاليّة وأقلَّ استهلاكًا للجلوكوز لإنتاجِ جالونٍ من الزّيت.
ويقومُ الباحثون حاليًّا باستكشافِ مصادرَ أخرى قليلةِ التّكلفةِ من موادَّ نباتيّةٍ كالعشبِ والنّفاياتِ الزّراعيّةِ والتي يمكنُ تحويلُ السّيليلوز الذي يكوّنُ هذه الموادَّ إلى جلوكوز.
وحتّى ذلك الوقت، تبقى الطّاقةُ شغلَ الباحثين الشّاغل على اختلافِ اختصاصاتهم، وتبقى الجزءَ المحيّرَ في هذا العالمِ الذي تجده منقسمًا حولَ الطّاقةِ. فبينما يسعى باحثون إلى طرقٍ جديدةٍ لتوليدِ الطّاقةِ بأخفضَ تكلفةٍ وأضعفَ تلوّثٍ للبيئة، يسعى آخرون إلى كيفيّة استهلاكِ هذه الطّاقةِ المنتجةِ بطرقٍ أشدَّ فعّاليّة واستدامة.
المصدر: هنا