البيولوجيا والتطوّر > علم المورثات والوراثة
ٌإكسير الحياة | خطوة جديدة على طريق كشف أسرار الشيخوخة
عَرَفَ العلماءُ لعقودٍ كثيرةٍ أنَّه كلَّما كبرنا في السِّنِّ كلَّما ضَعفت قدرتُنا على إصلاحِ تلفِ الحمضِ النَّوويِّ DNA، ممَّا يؤدِّي إلى السَّرطاناتِ وتدهوراتِ الشَّيخوخةِ عموماً. ولكنَّ الأسبابَ وراءَ ضعفِ هذهِ القدرةِ كانت غيرَ مفهومةٍ بشكلٍ كاملٍ.
وهو ما حاولت تفسيرَه دراسةٌ نُشِرَت مُؤخّرًا في الـ 24 من آذار من العام الحالي 2017 في مجلَّةِ (Science Magazine) قامَ بها علماءٌ في كليّةِ الطِّبِّ بجامعةِ هارفرد. فبدأ الباحثون بدراسةِ مجموعةٍ من البروتيناتِ والجزئيّاتِ الّتي يُشتَبَهُ في أنَّها تلعبُ دورًا في عمليّةِ شيخوخةِ الخليّةِ، والّتي كانت صفاتُ بعضهم معروفةٌ مُسبقاً، والبعضُ الآخرُ كانت صفاتُهم غامضةً.
الأوّل وهو الـ NAD (1)، الّذي ينخفضُ بشكلٍ مُطّردٍ مع التَّقدُّمِ في العُمرِ ويقومُ بتعزيزِ نشاطِ بروتين الـ SIRT1.
القسم الثَّاني وهو الـ SIRT1 والـ PARP1، اللّذان يؤخِّرانِ الشَّيخوخةَ ويمدَّانِ فترةَ الحياةِ في الخميرةِ، والذُّباب، والفئران. ويُعرَفُ عنهما التَّحكمُ بإصلاحِ الـ DNA، واستهلاكُ الـ NAD لتأديةِ عملِهما.
أمّا الثَّالث وهو الـ DBC1، الّذي يُثبِّطُ الـSIRT1 مُعزِّزَ النّشاطِ، وهو من أكثرِ البروتيناتِ وفرةً في مختلفِ أشكالِ الحياةِ من البكتيريا إلى النّباتاتِ والحيواناتِ.
ولفهمٍ أفضلَ للعلاقةِ الكيميائيّةِ بينَ البروتيناتِ الثَّلاثةِ، قامَ العلماءُ بقياسِ العلاماتِ الجزيئيّةِ لتفاعلاتِ البروتين
ع البروتين (protein-to-protein interactions) الّتي تحدثُ أثناء إصلاحِ تلفِ الـ DNA داخلَ خلايا الكِلَى البشريّةِ. فوجدوا أنَّ الـ DBC1 والـ PARP1 يرتبطان بقوةٍ إلى بعضِهما البعض. ولكن عندما ترتفعُ مستوياتُ الـ NAD، كلَّما قلَّ عدد الرَّوابطِ الجزيئيةِ الّتي يمكنُ أن تتكوَّنَ بينهما. وعندما ثبَّطَ الباحثونَ الـ NAD، ارتفعَ عددُ الرّوابطِ مرَّةً أُخرى.
وبعبارةٍ أُخرى، عندما يتواجدُ الـ NAD بكميةٍ وفيرةِ، فإنَّه يمنعُ الـ DBC1 من الارتباطِ بالـ PARP1 ومن ثُمَّ يمنعُه من التَّدخُّلِ في قدرةِ البروتينِ على إصلاحِ تلفِ الـ DNA.
ويقترحُ الباحثونَ بأنَّ مستوى الـ NAD يتراجعُ مع العمرِ، فيظلُّ عددٌ قليلٌ من جزيئاتِه متواجداً لوقفِ التَّفاعُلِ الضَّارِّ بينَ الـDBC1 والـ PARP1، ماينتج عنه كسورٌ في الـ DNA تظلُّ دونَ إصلاحٍ، وتتراكمُ مع الوقتِ مُسبِّبةً تلفَ وموتَ الخلايا، والطّفراتِ المختلفةَ، وفقدانَ وظيفةِ الأعضاء.
ولفهمِ كيفَ يقومُ الـ NAD بمنعِ الـ DBC1 من الارتباطِ بالـ PARP1، مكثَ الفريقُ على دراسةِ منطقةٍ من الـ DBC1 تُعرَفُ بالـ NHD، أظهرت التَّجاربُ أنَّه موقعُ ارتباطٍ بالـ NAD، فيقومُ الـ NAD بملءِ هذهِ المنطقةِ لمنعِ الـ DBC1 من الارتباطِ بالـ PARP1.
وبحسبِ كلامِ المؤلِّفِ الأوّلِ ديفيد سنكلير (David Sinclair)، الأستاذُ بقسمِ الوراثةِ في كليّةِ الطُّبِّ بجامعةِ هارفرد والمديرُ المساعدُ لمركزِ بول اف جلين لبيولوجيا الشَّيخوخةِ والأستاذُ كليّةِ الطِّبِّ بجامعةِ نيو ساوث ويلز في سيدني، فإنَّ موقعَ الـ NHD (2) شائعٌ جدًّا بينَ الأنواعِ، وقد يلعبُ امتلاءه بالـ NAD دورًا مماثلًا لمنعِ تفاعلاتِ البروتينِ الضَّارَّةِ في العديدِ من الأنواعِ للسَّيطرةِ على عمليّةِ إصلاحِ الـ DNA وغيرها من عمليَّاتِ بقاءِ الخليّةِ على قيدِ الحياةِ.
ولتحديدِ كيفيّةِ تفاعلِ البروتيناتِ خارجَ أطباقِ المُختبرِ وفي الكائناتِ الحيّةِ، عالجَ الباحثونَ فئرانًا صغيرةً وكبيرةً بسلائف الـ NAD، والّتي تُشكِّلُ نصفَ جزيءٍ من الـ NAD. فجزيءُ الـ NAD كبيرٌ جدًّا ممّا يمنعه من عبورِ غشاءِ الخليّةِ، على عكسِ الـ NMN (3) الَّذي يمكنُه الانزلاقُ عبرَه بسهولةٍ، وداخلَ الخليّةِ، يرتبطُ مع جزيء NMN آخرَ لتكوينِ الـ NAD.
وكما هو متوقَّعٌ، فالفئرانُ المُسنَّةُ تمتلكُ مستوياتٍ مُنخفضةً من الـ NAD في الكبد، ومستوياتٍ منخفضةٍ من الـ PARP1، وعددًا كبيرًأ من الـ PARP1 المرتبطةِ بجزيئاتِ DBC1.
وبعد تلقي الفئران المُسِنَّه للـ NMN مع مياهِ الشُّربِ لمدةِ أسبوعٍ، أظهرت اختلافاتٍ ملحوظةً في كلٍّ من مستوياتِ الـ NAD ونشاطِ الـ PARP1. فارتفعت بصورةٍ كبيرةٍ مستوياتُ الـ NAD في كبدِ الفئرانِ إلى مستوياتٍ مماثلةٍ لتلكَ في الفئرانِ الأصغرِ سنًّا. وأظهرَت خلايا الفئرانُ نشاطَ PARP1 متزايدًا وقلةَ جزيئاتِ الـ PARP1 المرتبطةِ مع الـ DBC1. كما أظهرت انخفاضًا في الواسماتِ الجزيئيّةِ الّتي تشيرُ إلى تلفِ الـ DNA.
الصورة : نموذج لانتظام مركبّات الـ PARP1 والـ DBC1 بواسطة الـ NAD+ أثناء الشّيخوخة
وكخطوةٍ أخيرةٍ، قامَ العلماءُ بتعريضِ الفئرانِ إلى إشعاعٍ يُسبِّبُ تلفَ الـ DNA. فأظهرت خلاياهُم الّتي تمَّت معالجتها سابقًا بالـ NMN مستوياتٍ منخفضةً من تلفِ الـ DNA. ومثلُ هذه الفئرانُ أيضًا لم تُظهر الانحرافاتُ القياسيّةُ الّتي يُسبِّبها الإشعاعُ في تعداد الدَّم، كتغييرِ عددِ خلايا الدَّمِ البيضاءِ، والتَّغيُّراتِ في مستوياتِ اللّيمفاويّاتِ والهيموجلوبين. وقد لوحظ نفسُ التّأثيرِ الوقائيِّ حتّى في الفئرانِ الّتي تمَّت مُعالجتُها بالـ NMN بعدَ التَّعرُّضِ للإشعاعِ.
وتُسلِّطُ هذه النتائجُ الضَّوءَ على الآليّةِ وراءَ الموتِ الخلويِّ النَّاجمِ عن تلفِ الـ DNA. وتشيرُ إلى أنَّ استعادةَ مستوياتِ الـ NAD بواسطةِ علاجِ الـ NMN من الممكنِ أن تُمثلَ إكسيرَ الشَّبابِ الّذي يحتاجُ مزيداً من الدِّراسةِ لتفادي وعلاجِ الأثارِ الجانبيّةِ للإشعاعِ البيئيِّ وعلاجاتِ السَّرطان.
ووفقاً لما ذكره الباحثون فمنَ المتوقَّعِ بدءُ تجارب الـ NMN على البشرِ في غضونِ ستَّةِ أشهرٍ من تاريخِ نَشرِ هذا البحث.
ويقولُ سنكلير "نتائجنا تكشفُ النّقابَ عن آليّةٍ رئيسيّةٍ في الضُّمورِ الخلويِّ والشَّيخوخة، ولكن عندما ننظرُ لأبعدَ من ذلكَ فإنَّها تُشيرُ إلى وسيلةٍ علاجيّةٍ لوقفِ وعكسِ أضرارِ الـ DNA المُرتبطةِ بالعمرِ وتلكَ النَّاجمةِ عن الإشعاع."
ولمعرفةِ مزيدٍ من المعلوماتِ عن الشَّيخوخةِ والفرضيّاتِ الّتي تفسِّرَها يمكنكم الرُّجوعُ إلى هذه المواضيع:
المصدر:
الورقة البحثية: