العمارة والتشييد > مشاكل إنشائية
زلزال خطير يهدّد إسطنبول و مبانيها المهمّة.
دراسات تُرّجح حدوث زلزال كبير في إسطنبول لتضع مبانيها التاريخية و منشآتها العالية تحت الخطر.
خلال دراسة نُشِرت سنة ٢٠١٤، وجد باحثون من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا MIT في أميركا و مرصد كانديلّي للزلازل و أبحاثها KOERI في تركيا؛ أدلّةً ترجّح حدوث زلزالٍ بقوّة ٧ أو تزيد على مقياس ريختير في غربي خط صَدع الأناضول الشمالي، والذي يشبه بحجمه صَدع سان أندرياس، حيث أنّه يمتد بمسافة ١٢٠٠ كيلومتر شمال تركيا، و ينتهي غرباً في بحر إيجة.
قام الباحثون بتحليل بيانات الـ GPS - نظام تحديد المواقع العالمي – التي تم تجميعها على مدى الـ ٢٠ سنة السابقة من عدّة نقاط على طول الصدع، واستنتجوا أدلّة تبيّن أنّ الزلزال القادم سوف يحدث على بعد ٨ كيلومتر من مدينة إسطنبول في قعر بحر مرمرة. هذا القسم من الصدع المسمّى بقسم جزر الأميرات — لكونه يقع بالقرب من هذه الجزر — لم يشهد أيّ زلزالٍ أو نشاطٍ زلزاليٍ خلال الـ ٢٥٠ سنة الأخيرة، حيث أنّه من المفترض أن ينزلق بنسبة ١٠ إلى ١٥ ميلليمتر كلّ سنة. إلا أنّ عدم تحرك هذا القسم على مدار السنين يدلّ على احتباس توتّرٍ كبيرٍ بين الصفيحتين. هذا التوتّر يسمح بانزلاق صفيحة الأناضول نسبةً لِمُجاورَتِها؛ مسافةً تصل إلى ٣ أمتار و نصف خلال عدّة ثواني فقط.
وبالتالي فإنّ هذا التوتّر يمكن أن يتحرّر من خلال مجموعة من الزلازل ذات شدّة و خطورة أقل، إلا أنّ نمط الدومينو للزلازل الكبيرة — التي حدثت ابتداءً من شرقي الصدع سنة ١٩٣٨ و استمرّت على طول خط الصدع غرباً وكان آخرها زلزال مدينة إزميت "Izmit" سنة ١٩٩٩شرقي مدينة إسطنبول — يعطي مؤشراً أكبر لاحتمالية حدوث زلزال كبير خلال العقود القادمة.
يقول Michael Floyd، عالم و باحث في MIT في قسم علوم الأرض، الغلاف الجوي و الكواكب "إسطنبول مدينةٌ كبيرةٌ جداً، و معظم مبانيها قديمةٌ جداً و لم تبنى وفقاً للمعايير الحديثة مقارنةً بجنوب كاليفورنيا على سبيل المثال". و يتابع "من منظور عالمٍ بالزلازل، فإنّ هذه المنطقة تعتبر من المناطق السّاخنة المعرّضةِ لحدوث الزلازل القوية."
و يضيف Marco Bohnhoff، بروفيسور في مركز الأبحاث الألماني لعلوم الأرض، في مدينة بوتسدام، ألمانيا، "إن بُؤْرَة الزلزال ستكون قريبةً جداً من السطح، مما يجعل وقت الإنذار المتاح قصيراً جداً."
هذا الخطر دفع الحكومة التركية وبالتعاون مع عدة منظمّات، جامعات و مراكز أبحاث، أهمّها مرصد كانديلّي للزلازل و أبحاثها KOERI، بوضع خطط و حلول لتقليل الخسائر المتوقعة جرّاء هذا الزلزال الكبير. حيث أنّ أبرز الحلول للمحافظة على المنشآت المهمّة هو تقنية "مراقبة الصحة الإنشائية للمنشآت."
وبحلول عام 2014 بلغ عدد محطات المراقبة في اسطنبول حوالي 120 محطة مراقبة تم وضعها من قبل مرصد كانديلّي للزلازل و أبحاثها KOERI، في المباني الأثريّة، منشآت البنية التحتية الحيوية، المباني العالية و معامل توليد الطاقة، حيث أنّ شبكة مراقبة المباني الأثريّة في إسطنبول، تشكّل أكبر مجموعةٍ من المباني الأثريّة المراقبة في مدينة واحدة.
يقوم مبدأ عمل هذه الأنظمة على وضع أجهزة استشعار في نقاط معيّنة في المنشأ، مهمّتها إرسال البيانات إلى مركز معلومات يحوي برنامج يقوم بتحليل و تفسير البيانات المرسلة من هذه الأجهزة، حيث تقوم الأنظمة بتزويد معلومات أكثر تفصيلاً عن سلوك المنشآت تحت الأحمال الديناميكية، مراقبة استجابة المنشآت أثناء الزلزال و تطور الضرر فيها و الحصول على سيناريو لحالتها بعد الزلزال و تنسيق عمل فرق الإنقاذ، إضافةً إلى توفير تكاليف الصيانة و تحسين إدارتها. هذه التقنية تفتح الأبواب لتطبيقات عدّة من شأنها أن تزيد الأمان للأشخاص داخل المنشآت و تقلّل الخسائر.
شكل يوضح شاشة برنامج التحليل المستخدم
أول استعمال لأنظمة "مراقبة الصحة الإنشائية" في إسطنبول تمّ في المباني الأثريّة. حيث تم وضع ٣٥ قناة داخل متحف آيا صوفيا، ٤٧ قناة في جامع الفاتح، ٢٧ قناة في جامع السليمانية، ٣٠ قناة في جامع السلطان أحمد و ٣٥ قناة في جامع السلطانة مهرماه. كل نظام يتألّف من جهاز استشعار للتسارع على المحاور الثلاثة (X،Y،Z)، موضوع كلٌ منها في منطقة حرجة من المبنى، حيث يقوم كل جهاز استشعار بتسجيل حي للاهتزازات و نقله مباشرةً إلى مركز المعلومات في DEE-KOER. إضافةً إلى ذلك تم تزويد ثلاثة من هذه المنشآت (متحف آية صوفيا، جامع الفاتح و جامع السلطانة مهرماه) بأربع أجهزة استشعار للميول.
كما أنّ المركز يقوم بمراقبة مئذنتين نظراً لارتفاع نسبة النحافة فيهما. الأولى هي واحدة من المآذن الأربع لآيا صوفيا، و الثانية هي واحدة من المآذن الأربع المبنيّة من الإسمنت المسلح لجامع مالتيبيه، والتي تعتبر أطول مئذنة حديثة في إسطنبول.
أمّا بالنسبة للمنشآت الحيوية للبنية التحتيّة، فهي جسري البوسفور و نفق للسكك الحديدية في قاع بحر البوسفور.
الجسر الأول، جسر السلطان محمد الفاتح، مراقب من خلال ٤٤ قناة متوضّعة على أرضية الجسر، الأبراج و مراكز أكبال التعليق. بينما الجسر الثاني، جسر أتاتورك، تم وضع ٢٥٨ قناة فيه بعد أعمال صيانة شاملة في عام ٢٠٠٧، حيث تمّ وضع أجهزة استشعار للتسارع، أجهزة GPS، أجهزة لقياس للميول، أجهزة استشعار ليزرية للإزاحة، أجهزة لقياس الحمولات، أجهزة قياس ذو ازدواجية حرارية و مقاييس للضغط.
أمّا بالنسبة لنفق السكك الحديدية "مَرْماراي" فإنّه يتألّف من أنبوبين متجاورين مصنوعين من الإسمنت المسلّح و مقسّمين إلى عدة أقسام، حيث أنّ كل قسم مزوّد بأجهزة استشعار للتسارع و الانزياح و مراقبين مباشرةً.
و قد تمّ أيضاً تزويد كل من أبراج Sapphire ،Kanyon و Isbank بأنظمة "مراقبة الصحّة الإنشائية" إضافةً إلى محطة Enron لتوليد الكهرباء، حيث يعتبر نظام المراقبة في برج Sapphire أشمل نظام مراقبة إنشائي في تركيا.
يقول Floyd: "إن الهزات الزلزالية هي هزات غير منتظمة وغير قابلة للتنبّؤ، تمتاز بالعشوائية، فمن الممكن أن تمضي حياتك كاملة دون أن تعاصر إحداها إلا أن زلزال واحد فقط يمكن أن يحصد أرواح الآلاف. لذلك في موقع مشهور كمدينة إسطنبول، يجب أن نؤكد على أمر واحد وهو : كن على استعداد دائم."
المصادر: