الطب > مقالات طبية
الآثارُ النفسية لعملية زراعةِ الخلايا الموّلدةِ للدم
لقد تحدثنا في مقالٍ سابق هنا عن التغيّرات النفسية التي قد تصيبُ مرضى زراعةِ الأعضاء، أما اليوم فسوف نتحدثُ عن الآثار النفسية لزراعة الخلايا الجذعية المكوّنةِ للدم هنا.
إنَّ التأثيرَ النفسي اللاحق لزراعة الخلايا المكوّنة للدم قد يكونُ هائلاً، إذ تُعتبر زراعة الخلايا المكوّنة للدم، اختصاراً (HSCT)، تجربةً مكثّفةً ومميّزة للمرضى وأُسرِهم، فقد تسبّبُ ضوائقَ نفسيّةً لفتراتٍ طويلة مقارنةً بغيرها من التجارب، حتّى تجارب مرضى الأورام والسرطانات. ونظراً للطبيعةِ الفريدة لتجربة زراعة الأعضاء ينبغي أن يكونَ التقييمُ النفسي الاجتماعي للمرضى و التداخلات العلاجية لأيّةِ مشاكل لديهم، من أولويات الفريقِ الطبيّ بعد عملية الزرع.
تعتبرُ عملياتُ زراعةِ الأعضاء معقّدةٍ بحدِّ ذاتها، علماً انَّ نسبة الوفيات جرّاء هذه العمليات قد انخفضت منذ بدايتها في عام 1970م ولكنها مع ذلك ما زالت تشكل ضغوطاً كبيرة.
فالشفاءُ بعد عملية الزرع يتطلبُ وقتاً طويلاً وقد يكون ناكساً على المستويين الجسديِّ والنفسي، إضافةً إلى الضغط الاجتماعي الشديد على كلٍّ من مقدّمِ الرعايةِ للمريض وأصدقائه وأفراد أسرته، قد تتضمنُ عمليةُ الزرعِ زيارات متكررة للمشفى بسبب المضاعفات الحادة وعملية الشفاء طويلة الأمد، كما تعتبر الآثار النفسية والاجتماعية في كثيرٍ من الأحيان أكثر تحديّاً لفريق الرعاية الصحية من المشاكل الطبية.
تؤثر عملية الزرع على كافةِ جوانب الحياة، إذْ لاحظت دراسةٌ أنّ معدّل انتشار الأمراض النفسية بين مرضى زراعة الأعضاء هو 44 %، وبيّنت إصابتهم بمشاكل اجتماعية ونفسية وطبيّة أكثر تعقيداً مقارنةً بباقي المرضى.
تعدُّ الإصابة السابقة بمرض نفسي، مثل القلقِ أو الاكتئابِ، من عوامل الخطورة التي قد تؤدي لاضطراباتٍ نفسية شديدة بعد عملية الزرع، التي ترتبط بدورها مع ارتفاعٍ في كلٍّ من مدة الشفاء ومعدّلِ الوفيّات، كما يزدادُ احتمالُ الإصابةِ بالاضطرابات النفسية بعد عملية الزرع عند الإناث وصغار السن وذوي الحالة الوظيفيةِ السيئة "غير القادرين على القيام بكافة وظائفهم دون مساعدة"، وفي حال وجود الألم، وعندَ مخالفةِ تعليمات الطبيب قبلَ وخلال العملية.
فيما ينتشر الاكتئاب بين مرضى الأورام بنسبة 10-25%، تكونُ نسبة انتشاره عند مرضى الزرع 25-50% بحسبِ إحدى الدراسات، علماً أن هذه النسبة المرتفعة من الاكتئاب التي تحدث خلال عمليةِ الزرع تلعب دوراً واضحاً في الاضطرابات النفسية ما بعد عملية الزرع وتزيد معدلاتِ الانتحار وبالتالي انخفاضُ مستوياتِ النجاة بعد عمليات الزرع.
يرتبط الاكتئاب لدى مرضى الزرع بطول مدةِ التعافي وحصولُ داءَ الطعم حيال المضيف المزمن CGVHD؛ وعلى الرغم من غياب دلائلِ وجود التغيّرات الجسدية بعد عملية الزرع، يصفُ بعض المرضى شعوراً انفصالياً عن باقي البشر وصعوبةً في العودة للحياة الطبيعية، إذ تقتصر نسبةُ عودةِ المرضى إلى المدرسة أو العملِ على 20% في السنة الأولى و31% في السنة الثانية بعدَ عملية الزرع.
ووجدتْ دراساتٌ أنّ 30% من مرضى السرطان يعانون من ضوائق نفسية تستدعي العلاج النفسي والاجتماعي، بينما تمّ توثيق أنّ 50% من مرضى الزرعِ يعانون من ضوائق نفسية؛ كما قد تظهر على مرضى الزرع أعراضٌ مثل الوسواسِ والشعور بالوحدة ومخاوفٌ وجوديةٌ إضافةً للمخاوفِ الصحيةِ كفقدانِ الذاكرة، إضافةً لإحساسهم بالتعب والإحباط، وحدوث تغيرات معرفية وجنسية بعد الزرع، مثل جفافِ المهبل لدى النساء وضعفِ الانتصاب عند الرجال.
كما يمكنُ إصابةَ ما يقارب 5% من مرضى الزرع باضطرابِ ما بعد الصدمة، لِما تُشكّلهُ عملية الزرع من شدّة وإرهاق للجّسم.
ولتفادي هذه المخاطر وتقليلِ احتمال حدوثها، تقترح معظم الدراساتِ انضمام المرضى لمجموعاتِ الدعم، حيث يتبادلون التجاربَ مع غيرهم من مرضى الزرع، إذ قد يشعرُ البعض أن عائلاتهم غير قادرةٍ على فهم ما يشعرون به. إلّا أنّ هذا لا يعني تهميشُ دور العائلة والأصدقاء والأحبّاء، إذ وُجِدَ أنّ مشاركةَ المريض في علاقاتٍ صحّية مع أقربائه يساعد في تخفيفِ هذه الأعراض، فقد أظهرت الدراساتُ أن قابليّة الشفاءِ لدى المرضى كانت أعلى لدى أولئكَ القاطنينَ مع أهلهم أو شركائهم مقارنةً بمن يسكنونَ وحدهم.
كما يمكنُ استعمالَ أدويةِ الاكتئاب أو تقنياتِ الاسترخاءِ لمعالجة هذه الأعراض النفسية وتحسين نتائج العملية.
ولا يمكنُ التغاضي عن دور الفريقِ الطبّي وخاصّةً كادرُ التمريض في مساعدةِ المريض وأهله على الاستعداد والتعاملِ مع عملية الزرعِ وما يتبعها من مشاكلٍ جسدية ونفسية واجتماعية.
المصدر: