الفيزياء والفلك > علم الفلك
مجددًا كان أينشتاين مُحقاً! رصدُ موجةِ جاذبيةٍ جديدة
نجحَ مَرصد LIGO في رَصدِ موجة جاذبيّةٍ ثّالِثة على هيئةِ اضطرابٍ في نسيج الزّمكان. وكما كانَ الحالُ عند رصدِ الموجتين السّابقتين، فإن الموجة الثّالثة حدثت بسببِ اندماج ثُقبين أسودين لتشكيل ثُقب أسود كبير.
تكافئُ كتلةُ الثُقب الأسود الجّديد النّاتج كُتلة 49 شمسًا مِثلَ شمسِنا، في حين كانت كُتلة أول ثُقب الأسود رصده العُلماء 62 كُتلة شمسيّة والثّاني 21 كُتلة شمسيّة.
حصل الاكتشافُ الجّديدُ خلالَ جولة الرّصد التي تقوم بها LIGO حالياًّ. حيثُ بدأت هذه الجّولة في 30 تشرين الثّاني 2016 وستستمر خلال هذا الصّيف. نجح مرصد LIGO في أول اكتشافٍ لموجةٍ جاذبيّةٍ خلال جولة الرّصد الأولى في أيلول 2015، وذلك بعدَ إجراءِ مجموعةٍ من التّحديثاتِ في مَعداتِه. أما الاكتشاف الثّاني فكان في كانون الأوّل 2015. بينما حدثَ الإكتشاف الثّالثّ (المُسمّى GW170104) في 4 كانون الثّاني عام 2017.
في الحالات الثّلاثة التقط LIGO تموّجاتٍ في نسيج الزمكان ناتِجةً عن اندماجِ زوجٍ من الثُقوب السوداء. يُمكنُ لاندماجٍ كهذا أن يُصدِرَ طاقةً ضوئيّة أكبرَ مِن مَجموعِ الطّاقةِ الضوئيّة الّتي تُصدرها كل النّجوم والمجرّات في الكون!
تبعُد الثُقوب السّوداء المُندمجة من جولة الرّصد الثالِثة نحو ثلاثِ مليارات سنة ضوئيّة، في حين كانت تبعد 1.3 و1.4 مليار سنة ضوئيّة في الموجتين السّابقتين. ويبدو أنّها الأبعد حتى الآن.
يُظهر لنا الاكتشاف الثّالث بعض الأدلّة حولَ اتّجاه دوران الثُقبين الأسودين. فعندما يحوم الثُقبان الأسودان حولَ بعضِهما، فإنّ كلًّ منهما يدورُ حول محورهِ في الوقت نفسه، مِثلَ زوجٍ من راقصي الجليد، كلٌّ منهما يدور حولَ نفسِه، لكِن في نفس الوقت يرقصان مع بعضهما البعض.
أحياناً يدورُ الثقب الأسود حول نفسهِ في ذات الاتّجاه الكليّ الّذي يسلكهُ زوجُ الثُقوب، ويُطلق الفلكيون على هذه الحالة "الدّوران المُتوافق". وفي حالات أخرى يدورُ الثقب الأسود حول نفسهِ بالاتّجاه المُعاكس لِحركةِ الزوج الكليّة. وأحيانا يميلُ الثُقب الأسود بعيداً عن مستوي دوران الزوج. من حيثُ المبدأ تستطيعُ الثُقوبُ السّوداء الدّوران بأيّ اتّجاه.
تُظهر البيانات الجّديدة التي قدمها LIGO أنّ أحد الثُقوب السّوداء على الأقل لم يكن متوافقاً مع الحركة الدورانيّة الكليّة للزوج، وللمرّة الأولى يملك العُلماء أدلّةً حولَ احتماليةِ ألا تدورَ الثُقوب السّوداء بشكلٍ متوافق، وهذا سيُعطينا بعض التّلميحات حولَ طريقة تشكُّل الثُقوب السّوداء في العناقيد النّجميّة الكثيفة. لكننا نحتاج الى المزيدِ من الأرصاد لنتمكّن من تأكيد أيّ معلوماتٍ حول طريقة دوران الثُقوب السّوداء في الأزواج المُندمجة.
يوجد لدينا نموذجانِ أساسيان لتفسيرِ تشكّل الأزواج الثّنائيّة من الثُقوب السّوداء. يقترحُ النّموذج الأول أن الثُقوب السّوداء تولَدُ عِندما تنفجرُ كل نجمةٍ من النظام النجمي الثُّنائي، بالتالي بما أن النّجمتين كانتا تدوران بشكلٍ مُتوافق فسيكون الثُقبان الأسودان الوليدان يدوران بشكلٍ متوافق أيضاً.
في النّموذج الثّاني يَلتقي الثُقبان الأسوَدان مع بعضها في العناقيد النجميّة المُزدحمة، ويَندمِجان عِندما يغوصان في مركز العنقود النّجمي. في هذا السّيناريو يمكن للثُقبين الأسودين أن يَدورا في أيّ اتجاهٍ مُمكن بالنسبة لمدارِ دورانِهما حول بعضهما. وفي حالة الموجة GW170104 كانت الثُقوب السّوداء غير متوافقة بالدّوران، لذلك ترجّح البيانات حصول النّموذج الثّاني.
مع جمع المزيد من المعلومات عن الثّقوب السّوداء، أصبح العُلماء قادرينَ على تقييم النّماذِجِ المَوجودة لَديهم، حيثُ بدأوا بترجيح بعض النّماذج على بعضها الآخر، وحتى النماذج المُرجّحة اليوم ربما تُستبعد في المُستقبل مع جمع المزيد من البيانات.
تضعُ هذه الدّراسة نظريات أينشتاين تحت الاختبار مرّةً أخرى. على سبيل المثال، قام الباحثون بالبحث عن تأثير يُسمى (تأثير التّشتت)، يحصل هذا التأثير عندما تُسافر أمواج الضّوء ضمن الأوساط الفيزيائيّة بسرعاتٍ مُختلفة حسب طول الموجة، وهو التّأثير الذي يجعلُ الموشور يُنتِج ألوان قوس قُزح. النّظريّة النّسبيّة العامة لأينشتاين تستبعِد حصولَ تأثيرٍ مشابه على الأمواج الجّاذبيّة خلال سفرها من مصدرها إلى الأرض، وبالفعل لم تتم مُلاحظة هذا التّأثير أبداً.
على ما يبدو كان أينشتاين مُحقاً، حتّى مع هذا الحدث الجّديد الذي حصل على مسافةٍ أبعد بمرّتين تقريباُ من الحديثين السّابقين، فإنّنا لم نُلاحظ تأثير التّشتت على الأمواج الجّاذبيّة تماماً كما تتنبأ النّظريّة النّسبيّة العامة، ومع هذه المسافة الكبيرة تزداد ثقة العلماء من هذه النّتيجة.
لقد بلغت الأدوات في مرصد LIGO درجةً مدهشةً من الحساسيّة، ومع اكتشاف موجة جاذبية ثالثة، أثبتَ المرصد LIGO نفسَه كمرصدٍ قويٍّ قادرٍ على كشف الجّوانب المُظلمة من الكون. صحيحٌ أن LIGO قد صُمّم خصّيصاً لرصد اندماجات الثّقوب السّوداء، لكن العلماء يأملون أن يرصدوا أحداثاً أخرى مثل تصادم النّجوم النّيوترونيّة أيضاً.
المصدر: