المعلوماتية > عام
ما هي لعبة الحياة؟
من هو مُصمّمُ اللّعبة؟
جون هورتون كونواي [1] (John Horton Conway) عالمُ رياضياتٍ انكليزيّ من مواليد 1937 (79 سنة، لايزال على قيد الحياة) قدّم إسهاماتٍ عديدةً في العديدِ من المجالات نذكر منها: نظريّةَ الأعداد، نظريّة الألعاب، نظريّة الزُّمر ... إلخ. يعمل حاليًّا كباحثٍ في الرّياضياتِ بجامعةِ برينستون في نيوجيرسي New Jersey.
إطلالةٌ تاريخيّةٌ؟
كان كونواي مهتمًّا بأعمالِ العالم[2] von neumann وبالتّحديدِ محاولته لبناءِ آلةٍ افتراضيّةٍ تقومُ بنسخِ نفسها، الشّيء الّذي استطاعَ القيامَ به عبرَ نموذجٍ رياضيٍّ في شبكةٍ مربَّعةٍ بقواعدَ وتحديداتٍ مُعقّدةٍ، لعبةُ الحياةِ تتمثَّلُ في محاولةِ كونواي تسهيلَ قواعدِ نموذجِ neumann الرّياضيّ لآلةِ النّسخِ.
تقديم عام:
يقول غاردنر[3] عن اكتشافِ كونواي للُعبةِ الحياةِ:
”لقد جَعَلَت هذه اللُّعبةُ كونواي مشهورًا في وقتٍ قصيرٍ جدًّا، كما فتحت مجالًا جديدًا من الرّياضياتِ ”الأوتوماتون الخلويّ“ (cellular automata)، بسبب تشابُهها الكبير مع نظم الحياة من النّشوء والازدهارِ فالاضمحلالِ والتّغيّراتِ الّتي تطرأ في مجتمعٍ من الكائناتِ الحيّةِ.“
منذ ظهورِها سنةَ 1970 وهي تَحصدُ اهتمامًا متزايدًا بسببِ الطُّرقِ الّتي تتطوّرُ بها أنماطٌ معقّدةٌ انطلاقاً من قواعدَ جِدُّ بسيطةٍ. الشّيء الّذي أثار انتباهَ علماءِ الفيزياءِ والبيولوجيا والاقتصادِ والرّياضيات والفلسفةِ على حدٍ سواء.
الأوتوماتون الخلويّ : هو نظامٌ يتكوّنُ من مجموعةِ خلايا، كلُّ خليّةٍ تتأرجحُ بينَ مجموعةِ حالاتٍ. وتتوزَّعُ الخلايا خلالَ شبكةٍ من مجموعةِ أبعادٍ. كما توجد قواعد تنظِّمُ انتقالَ الخلايا بين الحالات. كلُّ تطبيقٍ للقواعدِ وتغيُّرِ حالاتِ الخلايا يُسمّى جيل. تعاقُبُ هذه الأجيالِ جيلًا بعد جيل هو الّذي يُسمّى الأوتوماتون الخلويّ.
لعبةُ الحياة:
لعبةُ الحياة (مثالٌ عن الأوتوماتون الخلويّ celular automatom) تُلعَبُ في شبكةٍ ثنائيّةِ الأبعادِ من الخلايا على شكلِ مربَّعاتٍ تمتدُّ إلى مالانهاية. كلُّ خليّةٍ يمكن أن تكونَ حيّةً أو ميّتةً، حالةُ كلِّ خليّةٍ تتغيَّرُ مع كلِّ دورٍ في اللُّعبةِ (يُطلقُ عليه اصطلاحًا كلمةُ ”جيلٍ“ أيضًا)، تعتمد حالةُ كلِّ خليّةٍ بدورها على حالةِ كلِّ خليّةٍ من جيرانِها الثّمانية. والجار بالنّسبةِ للخليّةِ هو كلُّ خليّةٍ في حالةِ تماسٍ معها سواءً كانَ هذا التّماسُ أفقيًّا أو عموديًّا أو قطريًّا diagonal.
النّمطُ الأوّلُ أو الحالةُ البدئيّةُ هو الجيلُ الأوّلُ، الجيلُ الثّاني يتطوّرُ أو يُشتُّقُ من الجيلِ الأوّلِ اعتمادًا على مجموعةٍ من القواعدِ، الّتي يتمُّ تطبيقُها من طرفِ كلِّ خليّةٍ في شبكةِ اللُّعبةِ. موتُ وحياةُ الخلايا يتمُّ في الوقتِ ذاتِه فهناكَ خلايا تموتُ و خلايا تولَدُ في نفسِ الوقتِ. تطبيقُ هذهِ القواعِدِ يتمُّ بشكلٍ مُستمرٍّ ليتمَّ خلقُ أجيالٍ جديدةٍ وهذه القواعدُ هي الّتي تُحدِّد حالةَ الخليّةِ في الجيلِ الجديدِ هل ستبقى حيّةً أم ستموتُ. يتمُّ تعريفُ هذه القواعدِ كالتّالي :
- إذا كانتِ الخليّةُ حيّةً فإنَّها تبقى حيّةً إذا كانَ لديها جارانِ أو ثلاثُ جيرانٍ أحياء.
- إذا كانت الخلايا ميّتةً فإنّها تنبثقُ للحياةِ إذا كان لها ثلاثُ جيرانٍ أحياء.
بطبيعةِ الحالِ يوجدُ العديدُ من الأشكالِ المختلفةِ لهذه القواعد بعدد تبديلاتِ الأعدادِ المُمكنةِ فيمكنُ مثلًا أن نقولَ (تبقى الخليّةُ حيّةً إذا كانَ لها جارٌ واحدٌ أو أربعُ جيرانٍ ... إلخ). جرَّب كونواي (مؤسّسُ اللُّعبةِ) العديدَ من هذه التّبديلاتِ قبلَ أن يستقرَّ على القواعدِ المذكورةِ أعلاه وذلك لأنَّ هذه القواعدَ الأخرى إمَّا تُسبِّبُ الموتَ السَّريعَ للجيلِ أو التّكاثرِ السّريعِ بدونِ حاجزٍ حتّى تملأ الشّبكة بكاملها[5]. قد اتّضح أنَّ القواعدَ المذكورةَ أعلاه تقتربُ جدًّا من الشّرخِ أو الحاجزِ بين هاتَين الحالتَين فلا هي تموتُ بشكلٍ سريعٍ ولا هي تتكاثرُ حتّى تملأ الشّبكةَ. على علمنا ما نعلمُ حولَ الأنظمةِ العشوائيّةِ فإنّها تستطيعُ خلقَ نماذجَ وأنماطٍ مركّبةٍ ومُعقّدةٍ عندَ هذا الشّرخِ أو الحدِّ الّذي تلتقي فيه قوّةُ الحياةِ والتّكاثرِ وقوّةُ الموتِ فتوازِنُ كلٌّ منهما الأخرى. قام كونواي بفحصِ عددٍ كبيرٍ من القواعدِ اعتمادًا على ثلاثِ معايير:
- لا يمكن أن يكون نمطٌ بدئيٌّ بحيث يكون له برهانٌ بديهيٌّ على أنَّ الجيلَ سيتضخَّمُ بدونِ نهايةٍ.
- يتوجَّبُ أن لا يكونَ هنالك نمطٌ بدئيٌّ بحيث يظهر أنُّه يتضخَّمُ بدون نهاية.
- يتوجَّبُ أن يكونَ هنالك أنماطٌ بدئيّةٌ بسيطةٌ بحيث تنمو وتتغيّرُ لقدرٍ معقولٍ من الزَّمنِ قبلَ أن تنتهي خلالَ واحدٍ من الطُّرقِ التّاليةِ:
1- تخمد بطريقةٍ كليّةٍ إمّا عن طريقِ التّضخُّمِ حتّى ملءِ المكانِ أو عن طريقِ الموتِ بسببِ تناثرها وتباعِدها عن بعضِها البعض.
2- السُّكونُ في حالةٍ مستقرّةٍ أو الدّخولُ في حالةٍ مُتأرجحةٍ تُكرَّرُ فيها دورةٌ أبديّةٌ من دورين أو أكثر.
مثال :
سنأخذُ هذا النَّمطَ البدئيَّ كمثالٍ تمهيديٍّ وندرسُ الحالاتِ الممكنةِ:
المُربّعاتُ السّوداءُ تُمثِّلُ الخلايا الحيّةَ والمُربَّعاتُ البيضاءُ تمثّلُ الخلايا الميّتةَ.
قمتُ بترقيمِ الخاناتِ لكي نقومَ بدراسةِ تطوّرِ كلِّ خليّةٍ على حدة بناءً على قواعدِ اللُّعبة.
الخليّة رقم 1 ستبقي كما هي (ميّتةً) لأنّ لها جارَين فقط. كي تصبح حيّةً يجب أن يكونَ لها ثلاثُ جيرانٍ
الخليّة رقم 2 ستموت لأنّها تتوفَّر على جارٍ واحدٍ فقط (يلزمُها جارَين أو ثلاثُ جيرانٍ لكي تبقى حيّةً)
الخليّة رقم 3، نفس الشّيءِ كما في الخليّةِ 1 ستبقى كما هي.
كما نلاحظُ هنا فالخليّة 4 مُحاطةٌ بثلاثِ خلايا حيّة، إذن حسب قوانين اللّعبة فالخليّة 4 ستتحوّلُ من خليّةٍ ميّتةٍ إلى خليّةٍ حيَّةٍ.
الخليّة 5 محاطةٌ بخليّتين حيّتَين، إذن ستبقى كما هي و لن تموت.
كما في الخليّةِ المقابلةِ لها (الخليّة 4) فإنّ الخليّة ستتحوّلُ من خليّةٍ ميّتةٍ لخليّةٍ حيّةٍ، بسببِ وجودِ ثلاثِ خلايا حيّة بمحاذاتها أو جيران لها.
الخليّة 7 ستبقى ميّتةً لأنَّ الحالةَ الوحيدةَ لكي تنبثق للحياة هي أن يكون لها ثلاثُ جيرانٍ وهي لديها جارينِ فقط.
على غرار الخليّةِ المقابلةِ لها أفقيًّا ( الخليّة 2)، هذه الخليّة أي الخليّة 8 ستموتُ لأنَّه يلزمُها جَارَين لكي تحافظَ على حياتها وهي لاتملكُ سوى جارٍ واحدٍ.
على شاكلةِ الخلايا 7 وَ 3 وَ 1 . هذه الخليّة ستبقى ميّتةً.
الآن بإمكاننا أن نرسم الشّكلَّ النّهائيَّ للجيلِ الأوّلِ من هذا النّمطِ البدئيِّ:
كما ذكرنا أعلاه فكلٌّ من الخلايا 1 وَ 3 وَ 7 وَ 9 ستبقى كما هي لأنّ لها جارٌ واحدٌ.
الخليّتان 2 وَ 8 ستموتان لأنّه كان لكلٍ منهما جارٌ واحد.
الخليّتلن 4 وَ 6 ستنبثقان للحياة بسبب الجيرانِ الثّلاثة المُحاذية لكلٍّ منهما.
الخليّة 5 ستبقى حيّة كما في الجيل السّابق لأنّها كانت محاذيةً للخليّتين 2 و 8 الحيَّتَين -في الجيلِ السّابق-
بإمكانكم رسم الجيل الثّاني والثّالث من النّمطِ البَدئيِّ كتمارينَ عمليّة لتثبيتِ القواعدِ. وستلاحظونَ نمطًا جميلًا في الأجيالِ المُتتابعةِ من هذا النّمطِ.
شكل الجيل الثّاني : الشّكل الأوّل أو البدئيّ
النّمطُ المتكرِّرُ عبرَ الأجيالِ (صورةٌ متحرّكةٌ)
أشكال مشهورةٌ:
الطّائرةُ الشّراعيّةُ Glider ( رمز اللّعبة) :
السّفينةُ الفضائيّةُ Space ship :
الحياةُ السّاكنة Still life :
كلُّ الأشكالِ الظَّاهرةِ أدناه تُمثِّلُ نموذجَ الحياةِ السّاكنِة، أي أنَّها لاتتغيّرُ مع مرور الأجيالِ حسبَ قوانينِ اللُّعبِة، بإمكانكم تجربةُ أيَّ شكلٍ من هذه الأشكالِ للتَّحقُّقِ من سكونِه (انظر فقرةَ: أريد أن ألعب أيضًا)
النّسخُ الذّاتيُّ:
أوّل نموذجٍ أو كائنٍ ينسخُ نفسه تمَّ بناؤه أو هندستُه في لعبة الحياة يحمل اسم ”[6] Gemini“ ، كلّ عمليّة نسخٍ تستغرقُ 33.6 مليون جيل، يبني خلالها نسخةً من نفسه ويقومُ بتدميرِ النَّسخةِ الأصليّةِ (هنا)
أريد أن ألعبَ أيضًا:
الموقعُ الّذي تمّ اعتماده في كتابة هذا المقال[7] (هنا) يتيحُ إمكانيّةَ اللّعبِ من على الموقعِ، كما توجدُ اللّعبةُ على شكلِ ملفِّ جافا تنفيذيّ بإمكانكم تحميله واللّعب دونَ الحاجةِ للاتّصالِ بالإنترنت.
------------------------------------------------------------
[1]: بإمكانكم الاطّلاع على تفاصيلَ أكثر حولَ حياة كونواي من خلال الرابط : هنا
[2]: (1903-1957) عالم رياضياتٍ ومخترعٌ وعالم فيزياء وعلوم حاسوبٍ، قام بالعديد من الإسهامات في عدّة مجالات.
[3]: (1914-2010) مارتن غاردنر عالم رياضياتٍ أمريكيّ.
[4]: ذكرنا أنّ الشّبكة لانهائيّة ولكن نظريًّا، عندما يتمُّ تصميم اللّعبة على جهاز حاسوب فإنّه يتمّ تحديد حدودٍ للشّبكة.
[5] : تمَّ استنباط هذا الاسم من رمزٍ في نظام الأبراج يحمل رمز التّوأم.
[6] : توجد العديد من المواقع الأخرى تتيح خدماتٍ وإضافاتٍ أفضلَ من الموقع الّذي ذكرت
---------------------------------------------------------