العمارة والتشييد > المدارس المعمارية

الوحشية في العمارة Brutalism

استمع على ساوندكلاود 🎧

هل سمعتم يوماً بالعمارة المتوحشة؟!.

هل هي بالفعلِ مخيفةٌ إلى هذا الحد؟ ولماذا أُطلِقَ عليها هذا الاسم؟

تعالوا معنا في المقال التالي لنتعرف على العمارة الوحشية.

في أعقابِ الحربِ العالميةِ الثانيةِ، بدأَ المعماريُّونَ بتجاربٍ عديدةٍ لاختيارِ تصاميم غير مكلفةٍ لبناءِ تجمُّعاتٍ سكنيَّةٍ وأبنيةٍ حكوميةٍ ومراكزَ تسوقٍ، إلا أنَّهُ فيما بعد تبنَّى العديدُ من المعماريينَ هذا النوعِ من التصاميم لصدقهِ في التعبيرِ عن فكرةِ المبنى. وبذلك كانت العمارة الوحشيَّة إِحدى أهم المدارسِ في العمارةِ الحديثةِ.

البدايات:

ظهر مُصطلحُ (Brutalism) لأوَّلِ مرَّةٍ في عام 1953م واشتُّقَ من الكلمةِ الفرنسيةِ للإِسمنتِ الخام Béton Brut، وغالباً ما يُعزى استخدامُهُ للنَّاقدِ المعماريِّ:

Reynar Banham قاصداً به ـ حسب قوله ـ: ((حركةٌ تهدِّفُ إلى جعلِ فكرةِ ومفهومِ البناءِ بكاملهِ بسيطةً ومفهومةً دون ألغازٍ أو رومانتيكية، ولا غموضَ حول وظيفتها وتداولها)).

واستُخدِمَ المصطلحُ لوصفِ أعمالِ مجموعةٍ من المعماريين البريطانيين، حيثُ كانت قبل ذلك تُدعى (الوحشية الجديدة) التي لم تكن طِرازاً معمارياً وإنما كانت فلسفةً في التصميم تتمحورُ حولَ إِظهارِ جمالِ المبنى مِن خلالِ كشفِ هيكلهِ الإنشائيِّ، وأنظمته الميكانيكية.

ولكن سُرعان ما أصبح هذا المصطلح يُطلق على المباني البيتونيةِ الضخمةِ ذاتِ المقياس الصرحيِّ، فكانت الوحشيةُ تمرداً للمعماريين على الواجهات الزجاجية glass curtain المُستخدمةِ في ذلكَ الوقت، كما اعتُبِرت طريقةً سريعةً وسهلةً لتشييدِ مبانٍ ذاتِ ديمومةٍ عاليةٍ.

ازدهرت حركة الوحشية بين عامي 1960 ـ 1970م وكانَ المعمارُ الفرنسيُّ (لوكوربزييه) من روادها في القارةِ الأَوروبيةِ، كما كانَ من أهمِّ روادها في بريطانيا الزوجانِ المعماريانِ (Peter and Alison Smithson) اللَّذانِ كرسَّا نفسيهِمَا للحفاظِ على إرثِ لودفيش ميس فان ديروه (Ludwig Mies Van Der Rohe)، والرواد الأوائل لتيارِ الحداثةِ، ولإنقاذ هذا التيار في بريطانيا ممّا أَسموه (النزوات)، وفُقدانِ القيمِ والمعاني على حدِّ تعبيرهما.

صورة1:

National Assembly Hall Complex، Sher-e Bangla Nagar، Dhaka

ظهر هذا الطِّرازُ بدايةً في شمالِ غربِ المُحيط الهادئ، ويعودُ تاريخُ أفضلِ الأمثلةِ عنه إِلى أواخر الستِّينيات حيثُ كان من النادرِ استخدامُهُ في العمارةِ السكنيَّةِ، وفي المقابل استُخدِم بشكلٍ رئيسيٍّ في المباني المؤسَّساتيَّة؛ كالمكتباتِ، والمدارسِ، والصفوفِ، والمتاحفِ، بالإضافةِ إلى المباني التجاريَّةِ صغيرةِ الحجمِ مثل: البُنوك.

صورة2:

kisho kurokawa nakagin capsule tower

أظهرتْ العمارةُ الوحشيةُ الأفضلَ والأسوأ فيما يُمكن أن تقدِّمَهُ العمارةُ الحديثةُ.

ففي المناطقِ ذاتِ المناخِ الصحراويِّ الدَّافِئ، غالباً ما تمَّ اعتبارُ العديدِ من مباني العمارةِ الوحشيَّةِ أعمالاً فنيَّةً.

ومع ذلكَ، تحت سماءِ شمالِ غربِ المحيطِ الهادئِ الرماديَّةِ الرَّطِّبةِ، وُصِفَت الأبنيةُ الوحشيَّةُ غالباً بأنَّها غيرُ ودودةٍ، وباردةٌ ومظلمةٌ، وذلك لأنَّهُ بعد التقدُّمِ بالزَّمنِ، تمتصُّ خشونةُ الإسمنتِ الخارجيِّ الرطوبةَ، فيتحوَّلُ إلى اللَّونِ الأسود.

صورة3:

Boston City Hall

تتَّسمُّ المباني الوحشيَّة بشكلٍ عام بكُتلتها وحجمها الضخمَين، تتخلّلها أجسامٌ مختلفةُ الأشكالِ والأحجامِ متوزِّعةٌ بطرقٍ مختلفةٍ، مكوَّنةً مظهراً غيرَ متوازنٍ وخارجٍ عن المألوفِ. والنوافذُ فيها ثابتةٌ ومتوضِّعةٌ عميقاً في الجدران، وغالباً ما تكون صغيرةً بالمقارنةِ مع حجمِ البناء.

صورة4:

Monument Ilinden (Makedonium)، Krushevo، Macedonia

كما استُخدِمَت السطوح ذاتُ الانطباعِ المستوحى من كرتون البيضِ بكَثرةٍ.

صورة5:

Department of Housing and Urban Development، Washington DC، 1976. Image © Wikimedia user Kjetil Ree licensed under CC BY-SA 2.5

الصدقُ في معالجة المواد:

أمَّا بالنسبةِ للموادِ المُستخدمةِ في الإِكساء الخارجيِّ فهي غالباً ـ كما يقترح الاسم ـ الإسمنت المكشوف، الذي يُترَك خشناً لإظهارِ القوالبِ الخشبيةِ التي يُصبُّ فيها، بالإضافةِ إلى إمكانيةِ العثورِ على بعضِ الأمثلةِ من الجصِّ والآجر.

صورة6:

Royal National Theatre / Denys Lasdun

Exterior terraces. Image © flickr user chumpolo

كما شاعَ استخدامُ البلاطات المفرّغة المعصّبة (Waffle Slabs) في أنظمةِ الأسقفِ والأرضيّاتِ.

وبسببِ المظهرِ القويِّ والصلبِ والعنيدِ للأبنيةِ الوحشيةِ، والصدقِ في مُعالجة المواد، اعتُبِرَت هذه الأبنية ببساطة: قبيحة. كما أنَّها لم تُثبت أنَّها حصينةٌ ضد المشاكلِ الاجتماعيةِ الفظيعةِ التي انتَشَرت في السبعينيات.

ومع وجودِ العديدِ من الأبنيةِ ذاتِ الطِّرازِ الوحشيِّ، يبرُزُ الشعورُ بأن الحاجةَ للتعبيرِ عن المثاليَّةِ المعماريَّةِ تأتي قبلَ أخذِ مُتطلَّبَاتِ الناس الذين يستعملونها بعينِ الاعتبار.

وفي الوقت الذي كانت فيهِ رُدودُ الأفعالِ العنيفةِ تجاهَ العمارةِ الوحشيَّةِ في أوجِها في السبعينيات، فقد تحمَّلت هذه الأبنية غالباً وطأة الانتقاد.

فما رأيك؟

هل أعجبكَ هذا الطِّراز من العمارة؟ أم أنَّكَ في صفِّ النُقَّاد؟

المصدر:

هنا

هنا