كتاب > روايات ومقالات
مراجعة رواية "دعاء الكروان": ما شأنك يا كروان؟ هل أنت صوت ضميرٍ أم دعوةٌ للانتقام؟
المقال
وما قد يكونُ شأن طائرنا العزيز هذا؟
يصوُّرُ لنا كاتبنا طه حسين _ذاك الكفيفُ المبصرُ_ في رائعته هذه قصةً تقليديةً بطريقةٍ لا تقليدية. قصةً عن الحب والانتقام، عن العاداتِ والتقاليد، عن المجتمعِ والطبقات الاجتماعية والتمييز الطبقي فيما بينها.
ينتقدُ طه حسين في سرده ما لا يعجبهُ بطريقةٍ تَروقُ للقارئ وتصلهُ بأسلوبٍ أدبيٍّ بحت ولغةٍ قويةٍ غنيةٍ مألوفة بالنسبة لقرائه.
نبدأُ قصتنا هذه ضائعين في أحداثٍ مبهمة المعالم ولكن سرعان ما تنقشعُ الغشاوةُ عن أعيننا لتبدأَ بطلةُ الروايةِ _آمنة_ بسردِ الأحداث.
آمنة فتاةٌ بدويةٌ من أطرافِ الصعيد تعيشُ مع والديها وأختِها هنادي بين أفرادِ قبيلتهم في قريةٍ صغيرة، كانت هذه الحياةُ بالنسبة لآمنة مقبولةً محببةً لا تعرفُ غيرها من أشكالِ الحياة الأخرى ولكن سرعان ما تغيّرتِ الأمورُ بوفاةِ والدهنَّ وقرارِ والدتهنَّ بعدها مغادرة القرية والابتعاد عن القبيلة والعمل في الريفِ المتحضرِ كخادماتٍ في منازلَ أثرياءِ الريفِ وموظفي الدولةِ المحترمين الراقيين الذين يعيشون حياةً لا تدري عنها آمنة وأختها وأمها شيئاً.
كان ذاك القرارُ الذي اتخذته أم آمنة نقطةَ تحوّلٍ كبيرة في حياتهن. نستطيع القول أنَّ الحياةَ التي تسردُها علينا آمنة تبدأُ بعدَ هذا القرار.
تعملُ آمنة في منزلِ المأمورِ بينما تعمل أختها هنادي عند مهندسِ الريّ الشاب.
تتكوّنُ بين آمنة وبنت المأمور _خديجة_ صداقةٌ متينةٌ حيثُ تشاركُ آمنة في حياة الرقي والرفاه التي تعيشها خديجة فتقومُ معها وتتعلمُ معها وتتهذبُ مثلها لتعودَ وتجتمعَ بأختها وأمها في نهايةِ كلِّ أسبوعٍ في كوخٍ صغيرِ ينامون فيه جميعاً ليلةً واحدةً في الأسبوع لتعودَ كلٌّ منهن إلى حياتها المعتادة. تراقبُ آمنة كلَّ ما يجري حولها و تقارنُ بين حياتِها القديمة والحياة التي تعيشها الآن، حيثُ يقوم طه حسين من خلال آمنة ووصفها وتصويرها برسمِ لوحةٍ عن المجتمعِ الريفيِّ المصريِّ في ذاك الوقت بلغتهِ و عباراتهِ ليقارنَ بينَ طبقاتٍ مختلفة في المجتمع الريفي نفسه حيث لا تقتصرُ المقارنة على الريفِ والقبائل أو الريف والمدينة بل على الطبقاتِ المختلفةِ في المجتمع الريفي نفسه كما وتبرزُ العنصريةُ في الأحداث عندما تحاولُ آمنة مرةً أن تتكلمَ بنفسِ لهجةِ خديجة فتقومُ سيدةُ المنزل بنهرها وردعها عن فعلها وتسخرُ كلتا أمها وأختها منها. ولكن هذا كله لم يمنعها عن حب خديجة والحياة معها، تجري الأيام وكلٌّ منهن تعيشُ في المنزل الذي تخدم فيه إلى أن يأتي ذاك اليوم المشؤوم بالنسبة لآمنة حيثُ تقرر الأم مغادرةَ الريف بلا سببٍ مقنعٍ حتى أنها تمنع آمنة من وداع خديجة.
تخضعُ آمنة لرغبةِ والدتها على مضض وتغادر معهما وتروي علينا في هذه الأثناء أحداثَ رحلتهن والأماكنَ التي بتنَّ فيها والشخصياتِ التي قابلنها في الطريق لنتعرفَ من خلالها على أصنافِ النساءِ في المجتمعاتِ المصرية الريفية بوصفٍ مسليٍّ وتصويرٍ دقيقٍ للحركاتِ والتصرفاتِ وطرقِ الكلام والحركة.
تتضحُ رويداً دوافعَ الأم للمغادرة، فقد كانت تريد الهروب بابنتها هنادي بعد أن أغواها المهندسُ الشابُ الوسيم الذي كانت تعيش في منزله وتخدمُ فيه لتصبحَ واحدةً من ضحاياه، فتتواصلُ الأم مع أخيها ليأتي ويعيدهن إلى قريتهن.
تتصاعدُ أحداثُ الروايةِ بشكلٍ أكبرَ يوماً بعد يوم وتقررُ آمنة بعد الوصولِ إلى القرية أن تفرَّ عائدةً إلى الريفِ وإلى صديقتها خديجة لتحقيقِ غاياتٍ في نفسها لا يعلمُ بها سواها. يرافق آمنة في طريقِ عودتها ذاكَ الطائرُ الذي كانَ يظهرُ لها طوالَ الوقت فيتلونُ تارةً بصوتِ ضميرٍ وتارةً أخرى بصوتِ انتقامٍ وفي كثيرٍ من الأحيان لم تستطيع تفسير صوته.
تدفعُها غاياتها إلى القيامِ بأشياءَ مكروهةٍ بالنسبة لها لتصلَ لمبتغاها ولكن يتبين لنا فيما بعد أنَّ هناك صوتاً أقوى من صوتِ ما بنفسها ومن صوتِ المجتمعِ وعاداته فما هو؟ وأيُّها سيكون الأقوى يا تُرى؟
معلومات الكتاب:
اسم الكتاب: دعاء الكروان
المؤلف: طه حسين
عدد الصفحات: 136