الكيمياء والصيدلة > صيدلة
عقار جديد لمرضى التصلُّب المتعدِّد
وافقت مؤخراً إدارةُ الغذاءِ والدواءِ الأمريكيةُ FDA على دواءِ أوكريفوس (أوكرِليزوماب) Ocrevus (ocrelizumab) ، الذي يُعتبر الأولَ من نوعِه في معالجةِ نمطٍ نادرٍ من مرضِ التصلُّبِ المتعدِّدِ Multiple Sclerosis (MS) هو ‘التصلُّبُ المتعدِّدُ المتَرقّي الأوّليُّ (PPMS)‘، إضافةً إلى معالجةِ النمطِ الشائعِ من هذا المرضِ والمعروفِ باسمِ ‘التصلُّبِ المتعدِّدِ المتكرّر النُّكس Relapsing-Remitting MS (RRMS)‘ الذي يصيب قرابةَ 85% من المرضى، وله علاجاتٌ أخرى موجودةٌ سابقاً. ولكن إدارةَ الغذاء والدواء منحت دواءَ أوكريفوس في العامِ الماضي تمييزاً خاصاً يُدعى ‘لقبَ العلاجِ شديدِ التقدُّم‘ Breakthrough Therapy Designation ، حيث يُمنحُ هذا اللقبُ لدعمِ وتسريعِ تطويرِ الأدويةِ التي تُبدي مستقبلاً واعداً في معالجةِ أمراضٍ خطيرةٍ، نظراً لقدرةِ هذا الدواءِ على معالجةِ حالةِ التصلبِ المتعددِ المترقّي الأوّليِّ* إضافةً إلى التصلبِ المتعددِ متكررِ النُّكسِ.
يُقدَّر عددُ المصابين بالتصلُّبِ اللُّوَيحيِّ المتعدِّدِ بأكثرَ من مليونَي شخصٍ حولَ العالمِ، وهو داءٌ مزمنٌ يقوم فيه الجهازُ المناعيُّ بمهاجمةِ الغمد المَيالينيِّ (غمدِ النُّخاعينِ) الذي يُغلِّف ويحمي الخلايا العصبيةَ في الدماغِ والنخاعِ الشوكيِّ والأعصابِ البصريةِ. وتشمل الأعراضُ العامةُ للمرض: الخَدَراً، مشكلاتٍ في الرؤية، وَهناً وآلاماً وإرهاقاً، تشنجاتٍ عضليةً واعتلالاتٍ حركيةً.
ويُعتبر التصلُّبُ المتعدِّدُ المتَرقّي الأوّليُّ أحدَ أنماطِ المرضِ النادرةِ والأكثرِ إنهاكاً، حيث يسوء المرضُ تدريجياً عوضاً عن وجودِ فتراتِ هدوءٍ وانتكاسٍ، كالشكلِ الشائعِ من التصلبِ المتعدد. ويُقدِّر المركزُ الأمريكيُّ لمكافحةِ الأمراضِ والوقايةِ منها CDC، بأنّ حوالي 15% من مرضى التصلُّبِ المتعدِّدِ يعانون من التصلُّبِ المتعدِّدِ المتَرقّي الأوّلي.
وكما يقول الطبيبُ كلايد ماركوفيتس Clyde E. Markowitz، مديرُ مركزِ التصلُّبِ المتعدِّدِ في جامعةِ بنسلفانيا الأمريكيةِ، فإن هذا الدواءَ قد لبّى حاجاتٍ كثيرةً غيرَ مٌحقَّقةٍ لمرضى التصلُّبِ المتعدِّدِ المتَرقّي: "هذه فترةٌ مهمةٌ جداً بما يخصُّ علاجَ التصلبِ المتعددِ، ونحنُ سعداءُ للغاية لحصولِنا على أداةٍ أخرى لمحاربةِ المرض".
أما عن طريقةِ عملِ هذا الدواءِ، فإن Ocrevus هو ضِدٌّ وحيدُ النسيلةِ، يستهدف نوعاً محدداً من الخلايا المناعيةِ التي يُعتقد بأنّ لها علاقةً بالضررِ الحاصلِ للعصبِ وغمدِ النخاعِين.
ما مدى فعاليةِ أوكريفوس؟
في التجارِبِ السريريةِ، تلقّى المرضى 600 مغ من هذا الدواءِ عن طريقِ الوريدِ كلَّ 6 أشهرٍ. يقول الطبيبُ ماركوفيتس: "التسريبُ الوريديُّ كل ستةِ أشهرٍ هو أمرٌ مريحٌ للمرضى، فلا يُضطرون لأخذِ الدواءِ على نحوٍ متكررٍ كالحُقنِ أو الحبوبِ".
وكانت نتائجُ الدراساتِ السريريةِ كما يلي:
- ساعد دواءُ أوكريفوس على إبطاءِ تقدُّمِ التصلُّبِ المتعدِّدِ المتَرقّي الأوّليِّ بنسبة 24% بالمقارنةِ مع دواءِ الغُفْلِ (البلاسيبو). والأعراضُ التي تُحدَّد تقدُّمَ المرضِ هي: صعوبةُ المشيِ، والمشكلاتُ المتزايدةُ في التنسيقِ الحركيِّ والحسِّيِّ والبصري. وقد كان المرضى الذين تلقَّوا أوكريفوس أكثرَ استقراراً.
- أظهرتِ التجرِبةُ السريريةُ المتعلقةُ بالنمطِ الشائعِ من المرضِ ‘التصلُّبِ المتعدِّدِ المتكرّر النُّكسِ‘ انخفاضاً في معدّل الانتكاسِ السنويِّ بنسبة 46%، بالمقارنةِ مع الدواءِ المستخدمِ حالياً لمعالجةِ التصلبِ المتعددِ؛ وهو الإنترفيرون بيتا-1a ‘ريبيف‘ Rebif (interferon beta-1a)، حيث يبلغُ متوسطُ حصولِ النُّكسِ لدى المرضى بدون علاجٍ مرةً واحدةً سنوياً، بحسب قولِ الأطباء.
- 48% من المرضى المشاركين في التجربةِ السريريةِ المتعلقةِ بالنمطِ الشائعِ ‘التصلُّبِ المتعدِّدِ المتكرّر النُّكْس‘، لم يعانوا من أي انتكاسٍ، ولم تَسُؤ الأعراضُ العصبيةُ لديهم، كما لم يُظهِر تصويرُ الرنينِ المغناطيسيِّ (MRI) أيَّ آفاتٍ دماغيةٍ جديدة.
وصرَّح الطبيبُ ماركوفيتس -الذي كان الباحثَ الرئيسَ في التجربةِ السريريةِ الأوليةِ لدواء أوكريفوس- بأنّ نتائجَ التجربةِ للنمطِ الشائعِ المتكررِ النُّكسِ كانت أكثرَ إبهاراً، نظراً للقيام باختبارِ الدواءِ بالمقارنةِ مع علاجاتٍ موجودةٍ ومستخدمةٍ في الوقتِ الحاليِّ. ولكنّ دراسةَ النمطِ المترقّي من المرضِ أصعبُ لأنه يتقدّم ببطءٍ شديدٍ، لذا سنحتاج إلى سنواتٍ عدّةٍ من أجل ملاحظةِ فوائدَ واضحةٍ لهذا الدواءِ؛ فهذه التجربةُ السريريةُ اقتصرتْ مدتُها على سنتين فقط".
من يستطيع/لا يستطيع تناول Ocrevus؟
يُتوقَّعُ تقديمُ أوكريفوس لجميعِ مرضى التصلُّبِ المتعدِّدِ المتَرقّي الأوّليِّ الراغبين بتناولِه، وكما هي الحالُ مع أدويةِ التصلبِ المتعددِ الأخرى، سيجري فحصُ المرضى للتأكدِ من أهليتِهم للعلاجِ قبلَ تقديمِ الدواءِ لهم. و في التجاربِ السريريةِ، جرى فحصُ المشاركين لضمانِ عدمِ إصابتِهم بعداوى معيّنةٍ من مثلِ التهابِ الكبدِ الفيروسيِّ من النوعِ B والنوعِ C، وفيروس العوَزِ المناعيِّ البَشريِّ (المسبب لمتلازمة الإيدز)، والزُّهريِّ (syphilis) والسُّل.
ونظراً لقدرةِ الدواءِ على تثبيطِ الجهازِ المناعيِّ، فهو يستطيع إعادةَ تنشيطِ تلك العداوى. كذلك يجب الأخذُ بعين الاعتبارِ وجودَ سوابقَ إصابةٍ سرطانيةٍ لدى المريضِ، والمرضى الذين يثبتُ وجودُ هذه السوابقِ لديهم يُستبعَدون من التجاربِ السريرية.
ومن ناحيةٍ أخرى، فإن إدارةَ الأغذيةِ والأدويةِ الأمريكيةَ FDA قد صَّرحت بوجوبِ عدمِ استخدامِ أوكريفوس من قِبلِ مرضى التهابِ الكبدِ B أو أيِّ عداوى نشِطةٍ أخرى، وحذّرت من أنّ هذا الدواءَ من شأنِه زيادةُ خطرِ الإصابةِ بالأورامِ الخبيثةِ، وخاصةً سرطانِ الثدي.
ما هي التأثيراتُ الجانبيةُ لدواء أوكريفوس؟
في التجاربِ السريريةِ، تضمنتِ التأثيراتُ الجانبيةُ: تفاعلاتٍ متعلقةً بالتسريبِ الوريديِّ كالطفَحِ الجلديِّ وتهيّجِ الحلقِ والاندفاعاتِ (التورّد)، ولوحظَ أغلبُها في التسريبِ الوريديِّ الأولِ.
وشملتْ بعضُ الآثارِ الجانبيةِ الأخرى: عداوى الطرقِ التنفسيةِ العليا والتهاباتِ الحَلأ (الهربس) الفموية.
كم ستكون تكلفةُ الدواءِ؟ وهل سيغطيه التأمينُ؟
كما بعضُ الأدويةِ البيولوجيةِ الأخرى، فإنّ تكلفةَ دواءِ أوكريفوس قد تكون عاليةً، وتصل لقُرابةِ 65 ألفَ دولارٍ أمريكيٍّ سنوياً، كما نشرت مجلةُ نيويورك تايمز في تقريرٍ لها. ولم تستجِبِ الشركةُ المُصنّعةُ للدواء (جين-تيك) Genentech على الفورِ للأسئلةِ بشأنِ السعر.
ستكون التكلفةُ متوافقةً مع تكلفةِ الأدويةِ المستخدمةِ حالياً للتصلبِ المتعددِ، والتي يقول الطبيبُ ماركوفيتس بأنها تتراوحُ ما بين 60 إلى 70 ألفِ دولارٍ أمريكيٍّ لمدة سنةٍ قبل التأمين. وبما أنّ شركاتِ التأمينِ غالباً ما يكون لها القرارُ في تحديدِ الأدويةِ التي يستطيع المريضُ استخدامَها أولاً، فإنه سيكونُ من السهلِ على مرضى التصلبِ المتعددِ المتَرقّي الأوليِّ الحصولُ على موافقةٍ لتناولِ Ocrevus، نظراً لأنه الدواءُ الوحيدُ المتوفرُ لمعالجة هذا النمطِ النادرِ من المرضِ، في حين يتوفرُ العديدُ من الخياراتِ العلاجيةِ للنمطِ الشائعِ المعروفِ بالتصلُّبِ المتعدِّدِ المتكرّر النُّكس.
ويجدر الذكرُ بأن الشركةَ المصنّعةَ Genentech ستجعل الدواءَ متوفراً للمرضى قريباً في الولاياتِ المتحدةِ الأمريكية.
..............................................
*والذي يُعتبر نوعاً منهِكاً بصفةٍ خاصة من مرض التصلبِ المتعددِ؛ إذ يتفاقم المرضُ على نحوٍ ثابتٍ باتجاه الأسوأِ عوضاً عن وجود فتراتٍ متناوبةٍ من النُّكسِ و هَدأةِ الأعراض.
المصدر: