الطب > مقالات طبية
وداوني بالّتي كانت هي الداء!!
في مطلع شهر نيسان من العام 2012 كان والدا إيملي قد فقدا أي أملٍ لمعالجة ابنتهما ذات الأعوام الست بعد صراعها لمدة عامين مع مرض سرطان الدم ليصبح جلّ ما يأملانه معجزةٌ تنقذ طفلها من الموت المحتم.
والجدير بالذكر أن خطورة مرض السرطان تكمن بأنّ جهازنا المناعيّ لا يعتبره كباقي الفيروسات والبكتيريا جسماً غريباً يهاجمه ويتصدى له، ولكنّه عبارة عن انقسام غير طبيعي لخلايا من الجسم نفسه لا يستطيع جهازنا المناعي التعرف عليها ومحاربتها، وعلى الرّغم من عدم معرفة السبب الدقيق الكامن وراء عجز الجهاز المناعي لمهاجمة الأورام فإنّه من المثبت علمياً أن جهازنا المناعي لا يستطيع التفريق بين الخلايا السليمة والمصابة.
وبالعودة لمستشفى الأطفال الذي كان يقدم لإيميلي العلاج في مدينة فيلاديلفيا بقيادة البروفيسور الطبيب كارل جون وهو باحث اشتهر بالكثير من الأبحاث حول أمراض السرطان والإيدز والبحث في خصائص الجهاز المناعي، فلقد استطاع الفريق الطبي معالجة إيميلي المصابة بسرطان الدم عن طريق فيروس الإيدز.
وقد انتشر في الآونة الأخيرة فيلمٌ قصير تم إعداده وتصويره مع الطبيب المسؤول عن الحالة وأطباءَ آخرين يشرحون فيه كيف تمت المعالجة، وبسؤال الطبيب جون فيما إذا تم حقن فيروس الإيدز بخلايا سليمة من الطفلة ايميلي، أجاب بأن العلاج لم يكن بهذا الشكل، وسنقوم في هذا المقال بتوضيح ما تمّ إجراؤه حقاً.
لعلاج مرض السرطان قام الفريق الطبي بأخذ عينات من الخلايا اللمفاوية التائية من الطفلة إيميلي واستخدام نوع من الفيروسات التي تدعى lentivirus ( والتي ينحدر منها فيروس الإيدز) لإعادة برمجة تلك العينة من الخلايا التائية. تتميز تلك الفيروسات بقدرتها على نقل تعليمات وراثية وإدماجها بالمعلومات الوراثية الخاصة بالخلايا التائية بحيث يصبح بمقدورها مهاجمة الخلايا السرطانية . بعد ذلك تمّ إعادة حقن هذه الخلايا المعدّلة في جسد الطفلة.
وبعد إعادة حقن الخلايا لاحظ الأطباء ظهور أعراض مرضية على الطفلة كارتفاعِ الحرارة وصعوبةٍ بالتنفس ،واضطراباتٍ بضغط الدم ولكن بعد فترةٍ قصيرة أبدت خلايا إيميلي التائية تطوراً ملحوظاً حيث بدأت تنمو وتنقسم وتهاجم الخلايا السرطانية وبعد ذلك استيقظت الطفلة وقد تحسنت حالتها، وأظهر الفحص فيما بعد استجابتها للعلاج وتراجع سرطان الدم لديها.
كما نرى فإنّ الطفلة لم يتمّ حقنها حقاً بفيروس الإيدز كما تمّ الإعلان عنه ، ولكن تم إعادة برمجة خلاياها التائية نفسها بمساعدة الفيروسات المعدّلة و غير المُمرضة.
وقد وصف الطبيب جون شفاء إيملي بالحدث الرائع، ولكن تبقى مثل هذه التجارب المكلفة للغاية غير مجرّبة إلا على أعداد قليلة من البشر ولم تُثبت نجاحها أيضاً على جميع المرضى وقد عاود مرض السرطان الظهور لدى بعض المرضى الذين تم علاجهم. بينما كان لبعض أنواع هذه العلاجات آثار جانبية جدية وقد تكون مهددة للحياة.
لذلك وعلى الرغم من بعض المحاولات الناجحة لعلاج المرض لايزال الباحثون يأملون بأن يتوصّلوا في المستقبل لإيجاد علاجٍ لسرطان الدم على نطاق أشمل متجنبين التداعيات المحتملة للجهاز المناعي وأن يكون بمقدور العلاج إثبات فاعليته على معظم المرضى.
المصدر: هنا