البيولوجيا والتطوّر > الأحياء الدقيقة
الغياب المحير للبكتريا عند اليرقات
العديد من الحيوانات، بما فيها الإنسان، لا تستطيع أن تحيا بشكلٍ صحيٍ، دون وجود الميكروبات (الأحياء الدقيقة) في أمعائها. فهذه الميكروبات المقيمة في الأمعاء تحطم الطعام وتساعد في محاربة الأحياء الدقيقة الأخرى المسببة للأمراض. فهل بالإمكان وجود كائنات لا تعتمد على هذه الميكروبات؟
يقترح بحث جديد أن بعض الأنواع، متضمنةً اليرقات، يمكن أن تعيش بشكل طبيعي بدون هذه الميكروبات. ومن الممكن أيضاً، أن يكون انتشار الميكروبيوم (الأحياء الدقيقة التي تعيش في الجهاز الهضمي) أقل مما اعتُقد سابقاً.
هذا البحث الجديد هو إضافة جديدة لمجموعة صغيرةٍ متنامية من الدراسات التي لم تعثر على ميكروبيوم معوي في أنواع مختلفة من الحيوانات والحشرات. وقد عانى الباحثون من مشاكل في نشر هذه الأوراق، غالباً لصعوبة نفي ما هو متعارفٌ عليه بوجود تلك المجمعات الأحيائية الدقيقة في أمعاء معظم الكائنات، كما يقول عالم البيئة التطورية Tobin Hammer الذي أجرى البحث مع فريقه.
كيف تمت الدراسة؟
يتمثل الاعتقاد السائد باحتياج العاشبات كالأبقار للميكروبات المعوية بغاية تحطيم الألياف في جدران الخلايا النباتية. وبما أن جميع اليرقات التي درسها Hammer تتغذى على الأوراق، فقد افترض أنها ستمتلك في جهازها الهضمي ميكروبيوم معقداً ومتنوعاً.
وعندما حاول العالم Hammer البحث عن ميكروبات أمعاء 124 نوعاً من اليرقات البرية الآكلة للأوراق من الأمريكيتين، وذلك لإيجاد سلسلة الجين المستخدم عادةً لتحديد هذه الكائنات الحية الدقيقة. وقد أشارت النتائج إلى غياب ما يسمى الميكروبيوم المقيم، وهي مجموعةٌ من الكائنات الدقيقة التي تطورت مع مضيفها. لكن وكما يقول Hammer:" لا بد من تذكر أن اليرقات ليست أبقاراً صغيرة"، فعندما فحص العلماء براز العاشبات الكبيرة، وجدوا DNA جرثومي أكثر بكثير من DNA نباتي. أما في حالة اليرقات، يبدو العكس صحيحاً، فالجراثيم والفيروسات القليلة التي وجدها Hammer يبدو أنها جاءت من بيئة هذه الحشرات وطعامها.
تحرى عالم البيئة أيضاً فيما إذا كانت أي ميكروبات معوية لدى اليرقات قد ساعدتها بطريقة ما في البقاء على قيد الحياة. وذلك عن طريق تقديم مضادات حيوية بمستويات مختلفة للتخلص من أي ميكروبات تحويها يرقات الحشرات. إلا أن هذه العلاجات لم تكن ذات أثرٍ على صحة هذه الحشرات أو بقائها على قيد الحياة.
ما أهمية نتيجة كهذه، ولم لا نراها في منشورات أكثر؟
تجدر الإشارة إلى أن الدراسات السابقة التي أُجريت حول عدم امتلاك اليرقات لميكروبيوم لم تشمل أعداداً كبيرة من الأنواع، كدراسة Hammer الأخيرة، التي شملت أكثر من 100 نوع. كما أن الدراسات السابقة لم تحوِ بيانات تجريبية حول وجود فائدة للميكروبات الموجودة لدى اليرقات أم لا. لذا تعتبر الدراسة الجديدة ذات آثار كبيرة.
فاليرقات التي تمت دراستها تعد من بين أكبر مجموعات العاشبات، فبحسب التقديرات يوجد أكثر من 180000 نوعاً من اليرقات، وإذا لم تكن هذه اليرقات تعتمد على البكتيريا في أمعاءها، فعلامَ تعتمد؟ تقول عالمة البيئة Melissa Whitaker التي أجرت دراساتٍ مشابهةٍ سابقاً على مجموعةٍ أقل من الأنواع"لا بد أن يكون هناك شيءٌ مختلفٌ ورائعٌ يمَكِّنها من هضم الألياف النباتية"
تعتقد Whitaker أن نتائج كتلك التي توصل لها العالم Hammer أكثر شيوعاً مما يظهر في الأدبيات العلمية، إذ قد يوجد بعض التحيز في انتقاء المادة العلمية ونشرها، فقد يتردد الباحثون في تقديم النتائج السلبية التي يتوصلون إليها، كما تتردد المجلات العلمية في نشرها أيضاً.
وتبدو هذه القصة مألوفة، فعندما بحثت Whitaker نفسها عن بكتيريا أمعاء اليرقات ولم تجدها، كانت مقتنعة بوجود خطأ ما في بياناتها أو طرق بحثها، إلى أن تبين في النهاية فعلياً عدم وجود أي ميكروبات في الأمعاء.
تعرض علماء آخرون لتجارب مشابهة، فعندما تقصى الباحث Jon Sanders عن التطور المشترك للميكروبات ومضيفيهم، وجد في دراسة أجريت على النمل البيروي Peruvian ants أن بعض الأنواع بدت وكأنها تفتقد للميكروبيوم المعوي بشكل كلي. وقد استغرقت مراجعة ورقته سنةً ونصف قبل أن تُرفض و يقوم بنشرها أخيراً على bioRxiv.
أما عالم الحشرات Matan Shelomi فقد قضى سنواتٍ عدةً، وهو يدرس الميكروبيوم المعوي لحشرات Phasmatodea وهي من الحشرات العاشبة، ووجد أنه لا يوجد ميكروبات في أمعاء الحشرة. لاحقاً، اكتشف دليلاً على قدرة هذه الحشرات على تحطيم البكتين pectin، وهو أيضاً من الألياف الموجودة في جدران الخلايا النباتية، وذلك باستخدام جينات استحوذت عليها الحشرات من البكتيريا في المراحل المبكرة من تاريخها التطوري. وقد تمكن العالم Shelomi من نشر عمله أخيراً، إلا أن ذلك تطلب الكثير من العمل والجدال أثناء عملية استعراض القرائن peer-review process قبل النشر بحسب قوله.
كما أنه من الممكن ألا تمتلك بعض الفقاريات الميكروبيوم المعوي أيضاً، فقد سمع العالم Hammer عن مشاكل مشابهة لدى باحثين يعملون على الطيور والأسماك. وتضمنت دراسة Hammer بيانات عن أنواعَ فقاريةٍ متعددة استخدمها كشواهد، فبعض الأنواع كالماعز، تمتلك ميكروبيوم معوي، إلا أنه لم يجد ميكروبات معوية في براز بعضها كالخفاشات والأوز عندما بحث عنه.
وحتى الآن لا يوجد سوى القليل من الدراسات المنشورة التي تشير إلى الأمعاء الخالية من الميكروبات. لكن ومع ازدياد البحث، يعتقد العلماء الذين بحثوا في هذا المجال، أنه ستكون هناك نتائج مشابهة في المستقبل.
تقول عن ذلك Whitaker أخيراً: "من باب الانضباط العملي، سوف نقول أن كل شيء مرتبط بالميكروبيوم وأن كل كائن يمتلك هذا المجمع الأحيائي الدقيق، إلا أن الأمر يتطلب استثناءً واحداً قبل أن تتم إعادة النظر بكل ذلك".
المصدر: هنا