العمارة والتشييد > التشييد
جسرُ الألفيَّةِ في Gateshead تحفةٌ معماريةٌ، وإبداعٌ إنشائيّ
جسرُ الألفيَّةِ في Gateshead هو جسرٌ مقوَّسٌ معلَّقٌ، صمَّمهُ المكتبُ المعماريُّ Gifford and Partners والإنشائيُّ Wilkinson Eyre، يقعُ الجسرُ فوقَ نهرِ التاين Tyne، ويربطُ بينَ منطقتي Gateshead وNewcastle في المملكةِ المتَّحدةِ، ويتميَّزُ بقوسهِ الذي يدعمُ ممرَّ مشاةٍ مُنحنٍ بواسطةِ ثمانية عَشَر من الأسلاكِ الفولاذيَّةِ، وهو قائمٌ الآنَ في تلكَ المنطقةِ حيثُ أنَّهُ الفائزُ في مسابقةٍ لتصميمِ جسرٍ يعيدُ إحياءَ هذهِ المنطقة من المدينةِ. أحدُ أكثرِ الميِّزاتِ الرَّائدةِ في هذا الجسرِ هي كونه أوَّلَ جسرٍ قابلٍ للدَّورانِ في العالمِ؛ حيثُ تمَّ تصميمُ الجسرِ بحيث يمكنُهُ الدَّورانُ سامحاً بذلكَ للقواربِ الكبيرةِ بالمرورِ أسفلَهُ، أمَّا القواربُ الصَّغيرةُ فهيَ قادرةٌ على المرورِ أسفلَ ممرِّ المشاةِ في الجسرِ في وضعيَّتهِ المغلقةِ.
إنَّ فكرةَ الجسرِ المتحرِّكِ جاءت استجابةً لثلاثةِ محدِّداتٍ رئيسةٍ في التَّصميمِ:
1 - أن يكونَ الجسرُ في وضعيَّتِهِ المغلقةِ على ارتفاعِ 4.5 متراً عن سطحِ المياهِ في حالةِ المدِّ الرَّبيعيّ الأقصى.
2 - عدم بناء أيّ جزءٍ من الجسرِ في المنطقةِ قربَ رصيفِ الميناءِ.
3 - أن تكونَ أقصى درجة ميلٍ للممشى 1:20 للسَّماحِ بسهولةِ استخدامِهِ من قبلِ المعوقين.
يمكنُ ملاحظةُ أنَّ الأساساتِ الاسمنتيَّةَ التي تتلقَّى الحمولةَ من الدَّعاماتِ، والتي بدورِها تنقلُ تلكَ الحمولةَ من القوسِ، تقعُ على حافَّةِ النَّهرِ بعمقِ 30 متراً، وذلك لتحقيقِ المتطلَّباتِ في البندِ رقم 2، بالإضافةِ إلى تحقيقِهِ لكافَّةِ المتطلَّباتِ والشُّروطِ بطريقةٍ مبتكرةٍ، حيث أنَّهُ يصوِّرُ وظيفتَهُ وإنشاءَهُ ببساطةٍ واضحةٍ، فقد تمَّ تجنُّبُ التَّعقيداتِ غيرِ الضَّروريَّةِ في التَّصميمِ.
إنَّ شكلَ الجسرِ الجميلِ وآليَّةَ دورانِهِ المبتكرةِ جاءت نتيجةً لضرورةِ تزويدِ المساحةِ الكافيةِ لحركةِ السَّيرِ في المياهِ أسفلَ الجسرِ، فالشَّكلُ المنحني لممرِّ المشاةِ يظهرُ في البدايةِ على أنَّهُ غيرُ ضروريٍّ،فقد يبدو أنَّ على المشاةِ وراكبي الدَّرَّاجاتِ اجتيازُ طريقٍ غيرِ مباشرٍ بينَ الضِّفتين، إلَّا أنَّ هذا الشَّكلَ مهمٌّ لتأمينِ الطُّولِ الأدنى للجسرِ لبلوغِ الارتفاعِ الكافي عن المياهِ (4.5م) عندما يكونُ الجسرُ في الوضعيَّةِ المغلقةِ، ليسمحَ بذلكَ للقواربِ الصَّغيرةِ بالمرورِ أسفلَهُ دونَ تدويرهِ.
يستطيعُ مستخدمو الجسرِ رؤيةَ الأسلاكِ التي تدعمُ ممرَّ المشاةِ بوضوحٍ حيثُ تقعُ جميعُها في مستوٍ واحدٍ، الشَّكلُ الإنشائيُّ للجسرِ واضحٌ وبسيطٌ جدّاً إلَّا أنَّهُ مبتكرٌ للغايةِ، وهذا مايعكسُ تحقيقَه لوظيفتِهِ، فمنَ الواضحِ من التَّصميمِ أنَّهُ تمَّ التَّفكيرُ مطوَّلاً لإيجادِ حلٍّ منطقيٍّ للجسرِ، فقد أُخِذَت أدقُّ تفاصيلِ التَّصميمِ بعينِ الاعتبارِ، وذلكَ لكي يقومَ بوظيفتِهِ على الشَّكلِ الأمثلِ وليبدو مذهلاً.
كما أنَّ الممشى المنحني للجسرِ يوازنُ هندسةَ القوسِ الدَّاعمِ، فالأبعادُ وعمقُ الممشى تبدو صحيحةً مشكِّلةً جسراً جميلاً، بالإضافة إلى أنَّ انحناءاتِه سارَّةٌ ومريحةٌ للعينِ، فتدفُّقُ الرُّؤية لا يُقاطَعُ عندَ النَّظرِ إلى الجسرِ من بعيدٍ، ووجودُ أسلاكٍ بخطٍّ واحدٍ لكلٍّ منها لا يسبِّبُ مشاكلَ في التَّراكبِ مع الخلفيَّةِ، وانحناءُ ممرِّ المشاة يسمحُ للأسلاكِ بأن تتّسعَ في مستوٍ واحدٍ، وذلكَ يُعطي مظهراً غيرَ مبعثرٍ أو فوضوي، لأنَّ الأسلاكَ التي تبدو للنَّاظرِ متقاطعةً في زوايا مختلفةٍ تعطي إحساساً بالفوضى.
يبدو الجسرُ خلالَ النَّهارِ كمنحنيَينِ أبيضَين هما القوسُ الحاملُ والممرُّ، واختيارُ لونِ الأسلاكِ يسمحُ لها بالاندماجِ مع الخلفيَّةِ في بعضِ الظُّروفِ الجويَّةِ، إلَّا أنَّها تبدو واضحةً في حالاتٍ أخرى، وهذا ما يعطي الجسرَ تنوّعاً في المظهرِ، أمَّا ليلاً، فيُضاءُ الجسرُ بألوانٍ متعدِّدةٍ، ولا تظهرُ الأسلاكُ مضاءةً للنَّاظرِ، وذلكَ بسببِ الحاجةِ لتخفيفِ التَّلوُّثِ الضَّوئيّ، حيث أنّ الأسلاكَ رفيعةٌ ولا تعكسُ الضَّوءَ المسلَّطَ عليها بفعاليَّةٍ. إنَّ السَّببَ الرَّئيسَ من الإضاءةِ هو تحديدُ الهيكلِ الإنشائيِّ للجسرِ، وهذا ما يبدو واضحاً على الرّغمِ من تحكُّمِ المتطلَّباتِ العمليَّةِ في معظمِ خياراتِ الألوانِ، والتي تتضمَّنُ سلامةَ المشاةِ والمواد المستعلمةِ وقواعدَ المرسى التي تنصُّ على عدمِ تشتيتِ السُّفنِ والقواربِ. وعلى الرّغمِ من تلك القيودِ، فقد أثبتت الإضاءةُ كفاءتَها في تحقيقِ وظيفتِها، بالإضافةِ إلى مظهرِها الرَّائعِ، فيبدو القوسُ ليلاً رشيقاً بشكلٍ جميلٍ ولا يُصدَّق.
لقد جذبَ هذا الجسرُ البسيطُ ذو التَّصميمِ الذَّكيّ، العديدَ من السُّيَّاحِ المتشوِّقين لمعرفةِ ومشاهدةِ آليَّةِ عملِهِ الرَّائعةِ على أرضِ الواقعِ، فهل أنتَ متشوِّقٌ لرؤيتِهِ أيضاّ عزيزي القارئ؟ أعلمنا بما تفكِّر.
المصدر: هنا