منوعات علمية > العلم الزائف
الكذبة القاتلة: اللقاح يسبّب التوحد !
من أكثر الإشاعات التي نسمعها هي: "اللقاحات تسبب التوحد"، ومنذ فترة تحدثنا عن هذا الموضوع ضمن فيديو وكانت الكثير من ردود القراء سلبية، وكثير منهم مقتنعٌ بأنَّ اللقاحات (ضارة) أو (غير ذات معنى)، وحتى أنَّ البعض قال صراحةً بأنهم لن يلقحوا أبناءهم! لذا نريد أن نقدِّمً لكم عدةَ براهين تقطعُ الشكَّ باليقين حول سلامة وفعالية اللقاحات، وعدم ارتباطها بالإصابة بالتوحد أو غيره...
يبدو أنّ الإشاعة التي تربط بين اللقاحات وبين التوحّد منتشرةٌ بشكلٍ كبير في العالم، ومصدرها الأساسي قد يعود إلى ورقة بحثية نشرها اندرو ويكفيلد Andrew Wakefield عام 1998، ادعى فيها أنه أوجد علاقة ما بين اللقاحات والتوحد لدى 12 مريضاً.. سرعان ما ظهرت شكوك في المجتمع العلميّ تجاه بحث أندرو لعدّة أسباب منها صغر العينة التي اقترحها وعدم تكرر ذلك الارتباط في أيّ عينة أخرى، ولاحقاً تم اكتشاف أن هناك أسباباً مالية دفعت أندرو إلى تشويه سمعة اللقاحات، حيث أنّه قبل سنتين من إجراء الدراسة تمّ توظيفه من قبل شركة محاماة لمهاجمة الشركة التي تنتج اللقاح الثلاثي! أي قبل حتى أن يقوم بدراسته المزعومة. في السنة التالية قام عدة علماء -على سبيل التأكد- بإجراء دراسة إضافية للتحقق من ادعاءاته، وكانت النتائج مطمئنة حيث لم يوجد أيّ رابط بين اللقاحات والتوحد ضمن العينة الكبيرة التي تمّت دراستها.
تأكّد المجتمع العلمي من تزييف أندرو لنتائج بحثه ورفعت دعوى ضده، ولكنّ الناس تلقفت الإشاعة التي بدأها وأخذت تنشرها مثل النار بالهشيم، حتى أصبح هناك (حركة) عالميّة تدعى: الحركة المضادة للقاحات، وبإمكانكم مشاهدة بعض من نتائج هذه الحركة على الخريطة التفاعلية التالية: (بإمكانكم اختيار الأمراض من القائمة الجانبية، وتغيير التواريخ من القائمة العلوية) هنا فالأمراض التي اقتربنا بفضل العلم من القضاء عليها (على الأقلّ في البلدان التي تتوفر فيها اللقاحات بسهولة وبكلفةٍ يسيرة)، لا زالت تنتشر في يومنا هذا بأرقامٍ مخيفة بسبب امتناع بعض الأهالي عن تلقيح أبنائهم!
تجدر الإشارة إلى أنّ هناك نقطة أخرى يستغلها مروجو الحركة المضادة للقاحات، وهي إثارة مخاوف الأهالي من (التسمّم بالزئبق) الناتج عن مادة الـ thimerosal التي كانت في الماضي تستخدم كمادة حافظة للقاحات، ولكن هذه المادة تمّ الاستعاضة عنها بموادّ حافظة أكثر أماناً منذ أكثر من أربعين عاماً ! (منذ 1970).. يجهل الأهالي أنّ هذه المادة لم تعد موجودةً أصلاً في لقاحات أبنائهم، كما يجهلون أنّ أعراض التسمم بالزئبق لا تؤدي ولا تشبه أعراض التوحد، فيقعون هم وأطفالهم ضحايا لنظرية المؤامرة.
قبل أن نقدّم لكم الدراسات التي تمّت لبحث الارتباط بين اللقاحات والتوحّد، نودّ أن نقدّم نبذة صغيرة عن تعريف اللقاحات، هل يمكن أن يحصل الطفل على اضطرابات طيف التوحد بنتيجة حقنه بمواد معينة؟
تعريف اللقاح: هو معلَّق يحوي كائنات ميتة أو مضعّفة أو معدّلة من فيروسات أو بكتريا أو ريكتسيا، عند حقنها في الجسم تثير ردة فعل مناعية تؤدّي لتحفيز تشكل أجسام مضادّة (أضداد) في الجسم، بحيث يكتسب الجسم مناعةً ضدّ المرض نفسه الذي تسببه تلك الكائنات.
تقوم اللقاحات بتقليل مخاطر الإصابة بالأمراض عن طريق العمل مع الدفاعات الطبيعية للجسم، حيث تساعده في تطوير مناعة آمنة ضد الأمراض. فحالما يجابه الجهاز المناعي العدوى، يتم تزويد الجسم "بمؤنة" من الخلايا التي تساعد على التعرف و محاربة المرض.
تساهم اللقاحات في تطوير مناعة خاصة تجاه الأمراض عن طريق تقليد سلوك العدوى، لكن هذا التقليد للعدوى لا يسبب المرض، بل يعمل كمسبب لتحفيز استجابة للجهاز المناعي تشابه استجابته للعدوى الحقيقية. حيث يتعرف الجسم على اللقاح ويقوم بمحاربته معتبراً إياه عدوى حقيقية، مما يترك الجسم ممنعاً تجاه العامل المسبب للمرض المشابه للقاح.
ما هو مولِّد الضّد (المستضدّ ، الأنتيجين)؟
هي تراكيب موجودة في اللِّقاحات و الِّتي تسبِّب تحفيز (تنشيط) الجهاز المناعي للجسم لإنتاج أجسام مضادة تقوم بمحاربة المرض.
في مقالٍ نشرته هيئة CDC، تشير المراجعة الشّاملة المعدة من قبل مخبر الطب IOM، إلى أنه لا يوجد علاقة سببيّة ما بين أنواع اللقاحات الموجودة و"التوحّد"، فقد قامت الدِّراسة بدراسة كمية مولدات الضدّ التي تمّ الحصول عليها في اليوم الأوّل من التلقيح، وكميّة مولدات الضد التي تم الحصول عليها خلال أول سنتين من عمر الطفل، ووجدت هذه الدراسة إلى أنه لا يوجد صلة لذلك بنشوء "اضطرابات طيف التَّوحد ASD" عند الأطفال.
حصل الباحثون على بيانات لمجموعة من 256 طفلاً مصابين بـ "ASD" من ثلاث منظّمات رعاية مقارنين مع 752 طفلاً غير مصابين. والنتائج الأساسيّة لتقرير الدراسة:
• الكمية الشّاملة لمولدات الضد التي تمّ الحصول عليها من اللقاحات كانت متساوية ما بين الأطفال المصابين بـ "ASD" و الأطفال غير المصابين بالمرض.
• الأطفال المصابون بـ "ASD" و المصابون بفقد المهارات التّنموية خلال أول سنتين من العمر، لم يحصلوا على كميّة زائدة من مولدات ضدّ اللقاحات مقارنة مع الأطفال غير المصابين.
• تم إنقاص أعداد مولدات الضد في اللِّقاحات في السّنوات الأخيرة، وعلى الرغم من ذلك فإن اللِّقاحات الرّوتينية التي تعطى في برنامج التّمنيع الخاص بمرحلة الطفولة لعام 2013 تحتوي على لقاحات أكثر من الموجودة في برنامج التّمنيع الخاص بأوائل التسعينات.
إنّ الجهاز المناعي الخاصّ بالرضيع قادرٌ على الاستجابة تجاه كميات كبيرة من المحفزات المناعيّة. ومنذ لحظة الولادة، يتعرّض الرضّع لمئات من الفيروسات وعددٍ غير محدودٍ من مولدات الضّد التي لم يجرِ التَّلقيح ضدّها. وتجدر الإشارة إلى أنّ هناك آراء تشير إلى أنه قد تحفز الاستجابة المناعية الناتجة عن اللقاح اضطراباتٍ يمكن الخلط بينها وبين التوحّد، لدى عددٍ نادرٍ من الأطفال الذين يمتلكون خللاً وراثيّاً معيناً في المورثات الميتاكوندرية، ويجب الانتباه هنا إلى أنّ تلك الاستجابة المناعية هي ذاتها ستنتج عن التعرض لمسبّب المرض الأصلي، حتى لو تم إهمال اللقاح. واولئك الأطفال الذين يمتلكون الخلل الجيني سوف يتعرضون لتلك الأعراض سواء إن تمّ تلقيحهم أم لا، وبذلك لا يمكن لوم اللقاح في مثل تلك الحالات.
ينبغي على الأهل أن يتوقعوا سلامة وفعالية اللقاحات التي يحصل عليها أبناؤهم، ويحذروا من الانجرار وراء إشاعاتٍ قد تكون قاتلة في بعض الأحيان..
لكل مين بيعرف عائلة عندهن أطفال ومانهن مقتنعين إنو يلقحوا أطفالهن، رجاءاً تنقلولهن الرسالة إنو اللقاحات آمنة جداً و انو عدم التلقيح ممكن -بعيد الشر- يسبب لأطفالون التعرض لأمراض خطيرة متل شلل الأطفال وغيرو...
المصادر: