الطب > مقالات طبية
أطراف اصطناعية برشاقة الطبيعية نفسها
ما إن يبتر الجراحون طرفاً ما لمريضٍ حتّى يقوموا بلف العضلات حول النهاية المتبقية؛ ودفن النهايات العصبية. لذلك فإنّ أكبر الحواجز التي تعترض عملية تطوير الأطراف الاصطناعية المماثلة للأطراف الطبيعية هو أنّ الإشارات العصبية تفقد القدرة على الانتقال في المسارات العصبية المنقطعة من الدماغ إلى الطرف أو بالعكس.
وقد طور العلماء عدة حلول لسدّ هذه الفجوة؛ أبسطها هو وضع عدة أقطاب كهربائية على العضلات المتبقية بالقرب من موقع البتر. كما يمكن للأطباء -للحصول على تحكم أدق- استخدامُ الأعصاب المقطوعة نفسها لعكس الإشارات من خلال المرفقات الإلكترونية، ولكنَّ هذه المرفقات الإلكترونية تميل إلى تلقي إشارات ضعيفة.
يمكننا الحصول على إشارة أقوى عند ربط نهايات العصب مع طعوم من العضلات الصغيرة التي تقوم بتضخيم الإشارة ونقلها للأقطاب الكهربائية، ولكن حتى هذه الطريقة تفشلُ في استعادة ميزة بيولوجية بسيطة للسيطرة على حركة المفاصل: العمل المشترك بين العضلات القابضة والباسطة. فعلى سبيل المثال؛ عند قبض العضلة ذات الرأسين لثني المرفق تنبسطُ العضلة ثلاثية الرؤوس على الجانب الآخر موفِّرة بذلك المقاومة والتغذية الراجعة، وتمكِّننا أزواج العضلات المتعاكسة هذه من ضبط قوة الطرف وموقعه بالإضافة إلى سرعته بسهولةٍ.
تخلق التقنية الجديدة -المُطوَّرة في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا في كامبردج- مثلَ هذه الثنائية للتحكم بالمفصل الاصطناعي." إنها تحترم الوحدة الحركية الأساسية في علم الأحياء، عضلتان يعملان بعكس بعضهما"
لنفترض أنك فقدتَ ساقكَ من فوق الركبة؛ حينئذٍ سيأخذ الجراحون طعمَين عضليَّين صغيرَين من مكان ما في جسمك، طولُ كلٍّ منهما بضعةُ سنتيمترات، ثم يخيطونهما معاً طرفاً إلى طرف لِيشكِّلا زوجاً خطياً، وسيضعون الثنائي العضلي تحت الجلد بالقرب من موقع البتر، وعندها سيخيطون طرفيّ الأنسجة تحت الجلد بحيث عندما يتقلّص أحدُ الطعمَين يسترخي الآخر. كخطوة أخيرة، يربطون النهايات العصبية المقطوعة إلى الطعم ويسمحون للأعصاب أن تنمو بداخله.
وبمجرّد أن يشفى الطعم ويتّصل يقومُ الباحثون باستخدام الأقطاب الكهربائية لربط كل عضلة إلى الساق الاصطناعية الذكية؛ فعلى سبيل المثال؛ إنّ الأعصاب المقطوعة التي عادةً ما تنقلُ تنبيه الانبساط إلى الكاحل تذهبُ بدلاً من ذلك إلى واحدة من العضلات المطعَّمة، فتتقلص مرسلة إشارة إلى الكاحل الروبوتي لكي ينبسط. وعندما تتقلص العضلة المطعَّمة، تقوم العضلة المعاكسة بالانبساط مرسلةً إشارة تعود إلى الدماغ، وستتلقّى الطعومُ أيضاً من الطرف الاصطناعي الذكي ردود فعل كهربائية إضافية تدل على موضع مفصل الكاحل وقوته وبالتالي تسمح بتعديلات أدق، وكذلك يمكن وضع طعوم إضافيّة للسيطرة على مفاصل أخرى في الطرف الاصطناعي.
لقد اختُبِرَت التقنية الجديدة -التي تسمى بالواجهة الثنائية العكسية العضلية العصبية- على القوارض؛ إذ أجرى فريق البحث عمليات على سبع جرذان عن طريق قطع العضلات والأعصاب في الساق اليمنى الخلفية لكل منها. وعندها طعَّمَ الباحثون زوجاً من العضلات طولهما حوالي 3 سنتيمترات، ثم وصلوا الأعصاب المقطوعة، بعدئذٍ انتظروا الفئران مدّة 4 أشهر للشفاء، وعند تعليق الأقطاب الكهربائية عملت العضلات المطعمة جنباً إلى جنب؛ إحداها تنقبض والأخرى تنبسط، وكذلك استطاعت أن ترسل إشاراتٍ كهربائية بما يتناسب مع التحفيز، وتشير هذه الاستجابة إلى أنّ هذه التقنية يمكن أن تسمح لنا بالتحكم الدقيق بطرف اصطناعي بشري، وبالإضافة إلى ذلك؛ أظهر الفحص تحت المجهر أن الطعوم التأمَتْ جيّداً وقد زُوِّدَتْ بأعصابٍ وأوعية دموية جديدة ومشابك عصبية عضلية صحية.
يقول ريكارد برانيمارك -جراح العظمية والباحث في الأطراف الاصطناعية في جامعة كاليفورنيا-: "إنها مخاطرة منخفضة نسبياً؛ فهي جراحة بسيطة". ، ويمكن لِرقع العضلات أن تمنع تشكُّل أورام عصبية مؤلمة أو نموّاً غير طبيعي للأعصاب حتى دونَ إضافة طرف اصطناعي.
وهكذا يمكن أن نستنتج أنّ هذه الطريقة الجديدة تخطو بنا خطوة كبيرة وأقربَ للوصول إلى أطراف اصطناعية مماثلة للأطراف الأصلية؛ وبالتالي تمكين الأشخاص الذين خضعوا لعملية بتر لأحد الأطراف بأن يقوموا بالأعمال نفسها التي اعتادوا القيام بها بالطرف الأصلي.
المصدر