الاقتصاد والعلوم الإدارية > تسويق
لماذا لم تضر أزمة نوت 7 سامسونغ على المدى الطويل
بدت الأمور سيئة بالنسبة لسامسونغ بعد أسابيع من إطلاق هاتفها الذكي الرائد غالاكسي نوت 7، وإثر تقارير عن ارتفاع درجة حرارته و انفجار بطاريته، اضطرت الشركة لسحب أكثر من ثلاثة ملايين جهاز بِيعت حول العالم. لتتابع الأمور تفاقمها مما استدعى إيقاف إنتاج هذا الطراز بالكامل.
أشارت التوقعات إلى أن كلفة الاسترداد تجاوزت 6 مليارات دولار. ولكن مصدر القلق الأكبر كان مدى تأثير تلك الكارثة على علامة سامسونغ التجارية على المدى الطويل؟ والتي تُعتبر إحدى العلامات التجارية الأكثر قيمة في العالم. حيث قدّر خبراء شركة Interbrand المختصة في تثمين العلامات التجارية قيمة العلامة التجارية Samsung في عام 2016 بمبلغ 51.8 مليار دولار.
أثار الكثيرون المخاوف بالإشارة إلى أن المنافسين حاولوا الاستحواذ على عددٍ كبير من زبائن سامسونغ. وتوقع أحد المحللين أنّ شركة أبل وحدها قد تحصل على نحو 5 إلى 7 ملايين مستخدم جديد لهاتفها iPhone. والأسوأ من ذلك هو أن خسارة هؤلاء العملاء يمكن أن تمتد لما هو أكثر من الهواتف الذكية ليصبحوا مستهلكين لمنتجات أبل الأخرى.
إلا إنّ الأذى الذي كان من المحتمل لأزمة نوت 7 على علامة سامسونغ التجارية على المدى الطويل لم يكن بالقدر الذي تحدّث عنه المتشائمون. إذا ما حللنا أزمة سامسونغ على المدى البعيد سنجد ثلاثة أسبابٍ تبشر بتعافي الشركة من أزمة نوت 7 بسرعة دون عواقب جمّة.
وجود قاعدة كبيرة من العملاء الأوفياء تحمي العلامة التجارية
لم يبدو سيناريو الأزمة غير مسبوق، ففي عامي 2009 و2010 قامت شركة تويوتا باستدعاء أكثر من 8 ملايين سيارة إثر عيوب فنيّة أودت بحياة عشرات القتلى ونَجَم عنها إصاباتٌ خطيرة. كان قد توقّع الخبراء حينها أضراراً طويلة الأمد لعلامتها التجارية. ولكن إحصائية لمُلّاك سيارات تويوتا أُجريت في أوائل عام 2010 ناقضت التوقعات. وعلى وجه العموم كان المُلّاك راضين عن مركباتهم. وعلى الرغم من عمليات استدعاء المركبات، أفاد العملاء المشاركون في الاستبيان أنّهم لا يجدون سبباً يمنعهم حقاً من اقتناء سيارة تويوتا أخرى في المستقبل. لا بل واعتبروها إحدى المركبات الأكثر موثوقية. و هذا ما يُسمى ب "حماية" العلامة التجارية، أي أن قاعدة لكبيرة من العملاء المخلصين حَمَوا تويوتا من خسارة سريعة لحصتها السوقية.
وينطبق الشيء ذاته على سامسونغ. ففي الربع الثاني من عام 2016 وحده باعت 78 مليون هاتف ذكي في جميع أنحاء العالم. و إذا قمنا بحساب جميع الأجهزة الالكترونية التي تبيعها الشركة، نجد أن قاعدة عملائها تتجاوز مليار شخص! كما أنّ سامسونغ بادرت بتخيير عملائها بين إعادة المبالغ التي قاموا بدفعها أو الحصول على جهاز نوت 7 آخر في الأيام الأولى لعمليات الاستدعاء (قبل إنهاء تصنيع المنتج). اختار 90% من العملاء الحصول على جهاز نوت 7 آخر. و بعض المتعصبين لسامسونغ احتفظوا بأجهزة نوت 7 الخاصة بهم على الرغم من خطر ارتفاع حرارته. وبالنظر إلى رضا العملاء عن طرازات نوت السابقة، بالإضافة إلى ولائهم لمنتجات سامسونغ الأخرى، رمت قاعدة العملاء كبوة نوت 7 وراء ظهرها بسرعةٍ كبيرة.
المنتجات المرتبطة بمنطقة جغرافية ما تسترد موقعها بسرعة
مواطنو كوريا الجنوبيّة، موطن العلامة التجارية سامسونغ، يرون فيها مصدر فخرٍ وطني. تشير الأدلة إلى أن العلامات التجارية عميقة الجذور في إرثٍ ما قادرة على التقليل من تبعات عمليات استرداد المنتجات بسرعةٍ أكبر من تلك التي لا تمتلك هذه الجذور. حيث أنّ العملاء المحليين أسرع بكثير في الصفح ومنح العلامة التجارية فرصة أخرى. وما تلبث آثار تلك الثقة بالانتشار إلى مجموعات العملاء الآخرين.
فعلى سبيل المثال في قضية فولكس فاجن. بعد أقل من شهرين على فضيحة انبعاثات الغازات عام 2015، كان المستهلكون الألمان مستعدون بالفعل للصفح عن الشركة والتغاضي عن انتهاكاتها. في دراسة استقصائية وطنية، تبين أن 65 % من الألمان يعتقدون أن فولكس فاجن ما زالت بالفعل تصنع مركباتٍ رائعة، وأن فضيحة الانبعاثات مبالغٌ بها. وبعد أقل من عام، عادت الشركة إلى الربحية.
أزمة نوت 7 تقتصر على أحد منتجات سامسونغ و يمكن احتواؤها ذاتياً
أما العامل الثالث الذي جعل أزمة النوت 7 غير خطيرة إلى حدٍ مدمّر، هو إمكانيّة احتواء الأزمة ذاتياً بالكامل حتى الآن. وعلى الرغم من أن مصدر المشكلة بقي مبهماً لفترة لا بأس بها، إلا أنّ مشكلة ارتفاع الحرارة لم تظهر في منتجات سامسونغ الأخرى من الهواتف الذكية، ناهيك عن باقي الأجهزة الإلكترونية التي تصنعها الشركة.
ليس هذا فقط، بل إن الشركة كانت حاسمة في توضيح هذا الخط الفاصل لعملائها، و بالإيقاف القطعي لإنتاج أجهزة نوت 7 المعيبة. يظهر أحد الأبحاث الأكاديمية أن المستهلكين يتقبّلون هذه الادعاءات والأفعال بعد عمليات استرداد المنتجات. و يميلون إلى العودة سريعاً إلى تبنّي العلامة التجارية وكأن الأزمة لم تحدث أصلاً!
لكن يشير تاريخ هفوات وكوارث الشركات إلى أنّ تكرار مثل هذه الأخطاء الفادحة في التصميم والاستدعاءات للعديد من المنتجات يهدد مستقبل الشركة ووجودها، والرهانات السابقة ذكرها لا تجدي نفعاً في مثل هذه الحالات.
المصدر