الفيزياء والفلك > علم الفلك
كيف ستكون الحياة لو كان شكل كوكب الأرض مختلفا؟
عندما تتجاوز كتلة الجسم الفلكي حداً معيناً تصبح صلابة الصخر المكونة لهذا الجسم ضعيفة المقاومة أمام شدة قوة الجاذبية الناتجة عن كتلته، ولذلك نجد الكواكب كروية لأن كتلتها تجاوزت ذلك الحد وجذبت كل نقطة منه لمسافة واحدة عن المركز تقريبا. ويُشكِّل سطح الكوكب حداً متوازناً ما بين قوة الجاذبية من جهة وقوة الطرد المركزي من جهة ثانية (قوة الطرد المركزي هي القوة التي نشعر بها عندما نكون مثلاً في سيارة مسرعة على منعطف إذ تدفعنا بعيداً عن مركز الدوران). كما أن هناك حداً أعظمياً لسرعة دوران الكواكب حول نفسها، فإذا ما تجاوز الكوكب هذه السرعة سيؤدي ذلك لتفككه وتطايره؛ لأن قوة الطرد المركزية تصل حداً أكبر من قوة الجاذبية الناتجة عن كتلة الكوكب كما ذكرنا.
قد لا تمنع قوانين الفيزياء وجود كوكب كهذا، ولكن من غير المرجح أن ينشأ كوكب حلقي على نحوٍ طبيعي. الكوكب التخيلي الذي سنناقش خواصه له شكل قطعة دونات كما في الصورة، كتلتها مثل كتلة الأرض وفي منتصفها حفرة مركزية صغيرة قطرها الداخلي 1305 كيلومتر والخارجي 10633 كيلومترا.
ببعض الحسابات الأولية سنجد أن الحجم هو حجم الأرض نفسه تقريبا، ولكن مساحة سطح الكوكب المفترض أكبر من مساحة سطح الأرض، إذ تبلغ المساحة الإجمالية 1.6 من مساحة الأرض. أمَّا طول النهار فسيكون 2.84 ساعة.
فيما يخصُّ الجاذبية فستختلف تبعا للموقع، إذ ستكون أضعف ما يمكن عند خطَّي الاستواء الداخلي والخارجي (0.3 من جاذبية الأرض عند سطحها)، وبالتالي لو قفزنا سنبلغ ارتفاعا أعلى ممَّا نبلغه عادة على أرضنا، وتكون الجاذبية أشد عند خطَّي القطبين وحينها ستكون سرعة الإفلات من الجاذبية قريبة جداً من الوضع الطبيعي على كوكبنا الكروي؛ أي ما يعادل 11.4 كيلومتراً في الثانية لكي نتمكن من مغادرة الكوكب.
أما من ناحية الاتصالات ففي حين أن القمر الصناعي يكفي أن يوضع في مكان واحد على مسافة مناسبة ليغطي بإرساله نصف الأرض الكروية تقريباً، بينما في حالة كوكبنا المفترض يتطلب أن يدور القمر الصناعي حوله ليغطيه بالكامل.
من ناحية أخرى فالسرعة المحيطية عند خط الاستواء هي 6.5 كيلومتر في الثانية، ممَّا يجعل الانطلاق منها أسهل فهو يتطلب سرعة إفلات بمقدار 4.9 كيلومتر في الثانية فقط، وبالتالي ستنطلق البعثات الفضائية غالباً من محطات متوزعة على طول خط الاستواء لهذا الكوكب.
أمَّا بالنسبة لليل والنهار في الأرض الحلقية المفترضة فسيكونان قصيرَين جدا، وليس ثمة وقت كافٍ لتكتسب الأرض الدفء أو لتبرد عن طريق يوم واحد. وعن طريق النهار ستنتقل الشمس بالشكل المألوف من الشرق إلى الغرب عبر السماء. أمَّا الفصول فستتشكل بسبب الانتقال البطيء للشمس من شمال الأرض إلى جنوبها على مدى عام كامل في حال لو كان محور دوران الكوكب مائلاً كما هي حال محور دوران الأرض. إذاً، الفصول الأربعة على كوكبنا هي نتيجة لميل محور دوران الأرض 23 درجة تقريبا، ولولا هذا الميلان لكان هناك فصل واحد أشبه بالربيع أو الخريف يعم الكرة الأرضية.
وبالنسبة للفتحة في منتصف كوكبنا الخيالي فحين تشرق الشمس فإن جهة ما من السطح الداخلي (داخل الثقب) ستلقي بظلها على الأُخرى؛ ممَّا سيجعل الجهة المظللة تستقبل طاقة شمسية أقل. وفي حال كان ميل محور الأرض الحلقية معدوماً فإن المساحة الداخلية لها لن تستقبل أي شعاع من الشمس، بينما ستشع الشمس على السطح الخارجي للكوكب، وبالنتيجة سينشأ عالمان: داخلي مغلق متجمد ومظلم، وآخر خارجي حار مضاء وصالح للسكن نوعاً ما.
ولكن إذا كان ميل محور الكوكب 23 درجة كما هي حال الأرض فعن طريق الربيع والخريف سيكون الحال كما لو أن ميلان المحور معدوم كما ذكرنا، بينما في الصيف والشتاء ستمتلك الشمس فرصة لتطل على حافة الأرض والجهة المقابلة داخل الثقب، وقد يمر في الصيف والشتاء ليالٍ مشمسة أو نهارات مظلمة تماما.
عموما ستكون الطاقة الكلية التي ستستقبلها الأرض أكبر بـ2.5 في المنطقة الاستوائية من المناطق المعتدلة والقطبية، أمَّا داخل الفتحة فسيكون نصيبه قرابة ربع الطاقة التي تستقبلها البيئة المحيطة.
سنفترض أن نسبة الماء في الكوكب الحلقي هي ذاتها في كوكب الأرض الكروي، وفيما يخص الأمواج فالجاذبية المنخفضة قرب خط الاستواء ستجعل من بعض الأمواج عالية، وقد يصل ارتفاعها إلى ثلاثة أضعاف ارتفاع الأمواج في الأرض العادية ممَّا سيجعل الأرض بشكلها الحلقي تتعرض طوال فترة الصيف والشتاء للكثير من الأمواج العاصفة.
على ما يبدو أن المحيط الحيوي سيكون على الأرض الشبيهة بالدونات قريباً من الأرض العادي، والعواصف والظروف المناخية السيئة وطول الشتاء هي أمور من الممكن التكيف معها، ولكن الاختلافات ستكون في النظم البيئية التي تتغير بتغير خطوط العرض، إذ توجد عدة تغيرات في الحرارة والجاذبية وعوامل عديدة بالتنقل بين خطوط العرض أكثر حدة من التغيرات على سطح الأرض الكروية.
هل سيكون من الممكن أن توجد أقمار لهذا الكوكب؟
في حال كان مدار القمر التابع لهذا الكوكب دائرياً تماماً ويقع في مستوي خط الاستواء فعندها سيكون الوضع مشابهاً لدوران قمر حول كوكب كروي متوسط الكثافة، ولكن لو كان مستوي الدوران مختلفاً فسيتحرك القمر على نحوٍ غير مستقر ولن يكون المدار الاهليلجي الناتج عن قانون كبلر مناسباً تماماً لوصف الحركة، فبإجراء محاكاة حاسوبية سنجد أن المدار الاهليلجي نفسه ليس ثابتاً في أفضل الأحوال، بل هو أيضاً يدور حول الكوكب مما يجعل القمر خلال حركته يرسم شكلاً أشبه بالوردة حول الكوكب بعد عدد من الدورات. ولكم أن تتخيلو حينها كيف ستكون أوجه القمر وحركته في السماء.
ماذا عن فكرة وجود مدارات للأقمار داخل الثقب؟
إذا وضعنا قمراً وسط الثقب فلن يكون مستقراً، وأي اضطراب في العوامل المحيطة ستسبب فشل الفكرة تماماً ولكن من الممكن أن تتواجد بعض المدارات التي تمر من وسط الثقب وتُعدُّ مدارات ثابتة نوعاً ما وكمثال على هذه المسارات هي أن يمر القمر من الثقب صعوداً وهبوطاً دون دوران حول الكوكب.
لم نذكر أيضاً العدد الكبير من الاختلافات الفيزيائية، ناهيكم عن الاختلافات على صعيد النشاطات والمشاهدات البشرية، إذ سيكون سطح الأرض أكبر مع مسافات سفر أطول وإمكانيات أغرب للانتقال من جهة الكوكب إلى الجهة الأخرى، وفضلنا ترك ذلك لمخيلتكم.
بالمجمل فالكوكب الحلقي يستحيل أن يتشكل طبيعياً، ولكن إن افترضنا أنه وُجِد بطريقةٍ ما فسيكون كوكب مليء بالمغامرات. سطح واسع ومناخات متنوعة وسماء مذهلة، خاصةً إذا وقفنا بمنطقة داخل الثقب..ذلك عدا الجو الدرامي والأقمار غريبة الأطوار بمساراتها العجيبة.... وأنتم ما هي أفكاركم التي من الممكن أن تتصوروها عن مثل هذا الكوكب.
المصدر: هنا