العمارة والتشييد > الترميم وإعادة التأهيل
مركزُ الزُّوّار في مدفن Cella Septichora كيفَ عادت الآثارُ من تحت الأرضِ إلى الحياة
من المهمِّ جدَّاً البحثُ في التَّاريخِ واكتشافُ الآثارِ، لأنَّها جزءٌ من هويَّةِ الشُّعوبِ وانتمائها، لكن لعلَّ الأهمَّ هوَ كيفيَّةُ الحفاظِ على هذهِ الآثارِ وحمايتِها وتقديمِها للجمهورِ بالأسلوبِ الذي تستحقُّه. تعالوا معنا في هذا المقال لنرَ كيفَ تمَّ التَّعاملُ معَ هذا المدفنِ المسجَّلِ كتراثٍ عالميٍّ والذي اكتُشِفَ في هنغاريا ويعودُ إلى القرنِ الرَّابعِ الميلاديّ.
يعودُ المدفنُ إلى الفترةِ الرُّومانيَّةِ المتأخِّرةِ/ المسيحيَّة المبكِّرة ويقعُ تحتَ مدينةِ بيتش Pécs الهنغاريَّة، ويُعَدُّ الموقعُ من أهمِّ الوجهاتِ السياحيَّةِ والثَّقافيَّةِ في المدينةِ. أُجرِيت عملياتُ التَّرميمِ وإعادةِ التَّأهيلِ بينَ العامين 2000 و2006 ونتجَ عنها مركزُ معارضٍ معاصرٍ.
اكتُشِفت أثناءَ عمليَّاتِ التَّنقيبِ عشرةُ حُجراتِ دفنٍ والعديدُ من الأضرحةِ، لكن لعلَّ أهمَّ المكتشفاتِ غرفتَا دفنٍ مطليَّتان وكنيستانِ صغيرتانِ جنائزيَّتان بالغتا الأهميَّةِ، تُدعى إحداهُما سيلا سيبتيكورا Cella Septichora، وقد سُمِّيَ مركزُ الزُّوّارِ الجديدِ باسمِها ‘Cella Septichora’ Visitor Center والذي يؤدِّي وظيفةَ صالةِ استقبالٍ تذكاريَّةٍ مركزيَّةٍ للمواقعِ التي سُجِّلت على قائمةِ التُّراثِ العالميِّ في المدينةِ بعد عام 2006.
كانَ الهدفُ الحفاظُ على هذا الإرثِ القديمِ وتقديمُه كوجهةِ جذبٍ سياحيَّةٍ عبرَ استخدامِ التِّقنيَّاتِ المتطوِّرةِ للتَّغلُّبِ على التَّحدِّياتِ التي يطرحُها أسلوبُ الحياةِ الحديثةِ.
أرادَ هذا المشروعُ الجمعَ بينَ التُّراثِ والابتكارِ، حيثُ ركَّزَ على الصِّناعاتِ المبدعةِ وعلى السُّكَّانِ المحلِّيين. يعطي مركزُ الزُّوَّارِ انطباعاً بالجوِّ التَّاريخيِّ القديمِ من حيث الفنّ والتَّاريخ والعمارة والقيَم الدِّينيَّةِ. وبنفسِ الوقتِ استخدمَ حلولاً وابتكاراتٍ عاليةَ التِّقنيَّةِ تجاوزت البعدَ السِّياحيّ. وتمَّ التَّشجيعُ على إشراكِ النَّاسِ لتحفيزِ الاستهلاكِ الثَّقافيِّ عبرَ تنظيمِ رحلاتٍ مدرسيَّةٍ أو حتَّى حفلاتِ الزِّفاف.
أحدُ أهمِّ أهدافِ مواقعِ التُّراثِ العالميَّةِ مشاركةُ النَّاسِ لرفعِ الوعيِ الجمعي تجاهَ أهميَّةِ الآثارِ، وبالتَّالي تعزيزُ الهويَّةِ المحليَّةِ.
أُنشئَ مركزُ زوَّارِ التَّجمُّعِ الجنائزيِّ بتمويلٍ منَ الاتِّحادِ الأوروبيّ ومن تصميمِ زولتان باخمان Zoltan Bachman وفريقه. كانت هذهِ الآثارُ على مستوى الأرضِ في الفترةِ الرُّومانيَّةِ المتأخِّرةِ لكنَّها الآنَ تحتَ مستوى الأرضِ في مركزِ المدينةِ التَّاريخيّ قربَ الكاتدرائيَّةِ. بوجودِ عدَّةِ مدافنٍ تحتَ سطحِ الأرضِ، كانَ على المصمِّمِ التَّغلُّبُ على تحدِّياتِ الحفاظِ الأثريِّ عبرَ عزلِ المدفنِ عن التُّربةِ المحيطةِ، وخلق بيئةٍ داخليَّةٍ ثابتةٍ من حيث التَّكييفِ الهوائيّ.
تمثيل ثلاثي الأبعاد للمبنى الجديد الذي يحتوي المباني القديمة
تمثيل ثلاثي الأبعاد للمبنى
ولأخذِ الجانبِ العلميِّ بعينِ الاعتبارِ في عرضِ المدفنِ، وباعتبارِه حاليَّاً تحتَ الأرضِ، توجَّبَ عليهُم إبقاؤهَ مرئيَّاً بحيث يصبحُ بمقدورِ الزَّائرِ تخيُّلُ الوضعِ الأصليِّ للمدفنِ عندما كانَ مُعرَّضاً لأشعَّةِ الشَّمسِ. تمكَّنوا من حلِّ هذهِ المشكلةِ عبرَ وضعِ سقفٍ زجاجيٍّ يمكنُ المشيُ عليهِ بمساحةِ 300م2 فوقَ حجراتِ الدَّفنِ، وبذلك يمكنُ رؤيتُها من الشَّارعِ المجاورِ.
الكنيسة والسَّقف الزُّجاجي من الدَّاخل
السَّقف الزُّجاجي من الخارج
كما كانَ منَ الضَّروريّ وضعُ ممرَّاتٍ ذاتِ أرضيَّةٍ شبكيَّةٍ معدنيَّةٍ متدلِّيةٍ من سقفِ حمايةِ المبنى (السَّقف الخرسانيّ الحديث) وظيفةُ هذهِ الممرَّات هيَ توفيرُ إمكانيَّةِ التَّجوُّلِ داخلَ المدفنِ، وصُمِّمت بالشَّكلِ المتدلِّي هذا لسببين؛ السَّببُ الأوَّلُ هو أنَّ التَّدلِّي يعطي المرءَ شعوراً بأنَّه يطفو في الهواءِ ويمنحهُ رؤيةً مثاليَّة للمَعْلَم، والسَّببُ الآخرُ لعزلِ النَّاسِ فيزيائيَّاً عن الآثارِ، مع بقاءِ إمكانيَّةِ رؤيةِ المستوى الأصليّ لأرضيَّةِ المدفنِ عبرَ الشَّبكِ المعدنيّ، بالإضافةِ إلى دورِ هذهِ الممرَّاتِ في اصطحابِ الزَّائرِ إلى عمقِ المبنى.
الممرّات المعدنيَّة المتدلّية من السَّقف الخرساني
استُبدلت أرضيَّةُ هذه الممرَّات الشَّبكيَّةِ بأرضيَّةٍ زجاجيَّةٍ عندَ وجودِ ما يهمُّ رؤيته تحتها. داخلَ كلِّ حجرةٍ شاشةٌ رقميَّةٌ تعرضُ معلوماتٍ عنها وتخيُّلاً ثلاثيَّ الأبعادِ للحجرةِ بوضعِها الأصليِّ.
استخدام الزُّجاج للأرضيَّة عندما يلزم الأمر
الشَّاشات الموجودة في الحجرات لعرض المعلومات بالإضافة إلى الصُّور ثلاثية الأبعاد التَّخيليَّة عن المبنى
بابُ المبنى مصمَّمٌ خصِّيصاً من الإسمنت النَّفوذ للضَّوء Litracon™ - Light-Transmitting Concrete ومسجَّلٌ كبراءةِ اختراعٍ للمعماريّ الهنغاريّ Áron Losonczi، حيث استُخدِمَ في الباب 48 قطعة منه بسماكة 10سم وبوزنٍ كلِّي 2 طن مثبَّتة ضمن إطارٍ معدني لكي يتمَّ تحريكُه، ويمكنُ عبرَ هذا البابِ الإسمنتي رؤيةُ ظلالِ المارَّةِ والأشجارِ من الدَّاخل نهاراً، أما ليلاً فتتمُّ إضاءةُ الجدارِ من الدَّاخل.
قطع الإسمنت النّفوذ للضّوء المستخدَمة في الباب
مكنك أخذ جولة بانوراميَّةٍ في المبنى عبر هذا الرّابط: هنا
بدخولنا هذا المبنى يمكنُنا أن نلمسَ مقدارَ الاهتمامِ بالإرثِ القديمِ والتَّمسُّك به، وبغرس أهمِّيته في قيَمٍ المجتمعٍ. هل تعتقدُ أنَّ هذا الاهتمامَ مبالَغٌ به؟! ألا تستحقُّ آثارُ بلادِنا الضَّاربةُ في عمقِ التَّاريخِ أضعافَ هذا الاهتمام؟! شاركنا برأيك!!
المصادر:
1 - هنا
2 - هنا|
3 - هنا
4 - هنا