الطبيعة والعلوم البيئية > علم البيئة
ملامحُ من أسباب أكبر انقراضٍ جماعيّ نراها اليوم!
حدث الانقراض الترياسي قبل 200 مليون سنةٍ تقريباً، تبعَه بعدها عصرُ الديناصورات. تتضمّن قائمة الضحايا في أكبر انقراضٍ جماعيٍّ مُسَجَّل للحياة الحيوانية زواحفَ كبيرةً شبيهةً بالتماسيح والعديد من اللافقاريّات البحريّة. سبّب هذا الحدث أيضاً تغييراً كبيراً في الغطاء النباتي الأرضيّ، ومع أنَّ نجاة الديناصورات من هذا الحدثِ تبقى لُغزاً غامضاً، فإنّها قد ملأت الفراغات التي تركتها الأنواع البريّة الّتي انقرضت مع الثدييات الأوّليّة والبرمائيّات. تمَّ ربط هذا الانقراض الجماعيّ منذ وقت طويل بانطلاقٍ كبيرٍ ومفاجئٍ لغاز ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوّيّ، لكن لم يُعرَف المصدرُ الدقيق لهذا الانبعاث.
بعد اكتشاف صخورٍ بركانيّة تعود لزمنِ الانقراض، اقتُرح أن تكون انبعاثات ثاني أكسيد الكربون البركانيّة قد ساهمت بشكلٍ مهمٍّ بحدثِ الانقراض هذا. وأظهرت دراساتٌ سابقة أيضاً أنّ هذه النشاطات البركانيّة من الممكن أن تكون قد حدثت على شكلِ نبضاتٍ متعاقبة، لكنّ الامتداد العالميّ والأثر المُحتمَل لهذه الحوادث البركانيّة بقيت مجهولة. غطّت هذه الصخور البركانيّة مساحةً ضخمة، على امتداد أربع قارّات، تمثِّل الإقليم الناري الوسطي الأطلسي.
عمل باحثون في قسم علوم الأرض من جامعة أوكسفورد بالتعاون مع جامعات إكستر وساوثامبتون على تتبُّعِ الأثر العالميّ لانبعاثات الغازات البركانيّة الرئيسيّة وعلاقتها بنهاية الحقبة الترياسية. تربطُ النتائجُ النشاطات البركانيّة مع الانبعاثات الكبيرة المتكرِّرة لثاني أكسيد الكربون التي لوحِظت سابقاً وأثّرت بشدة على المُناخ العالميّ، متسبِّبةً بالانقراض الجماعيّ في نهاية الحقبة الترياسية، بالإضافة إلى إبطاء عمليّة استعادة الحياة الحيوانيّة بعدها.
كشفت نتائجُ الدراسةِ عن طريق تحليل المحتوى الزئبقيّ للصخور الرسوبيّة المُتوضِّعة خلال فترة الانقراض، روابطَ واضحة بين توقيت النشاطات البركانيّة في الإقليم الناري الوسطي الأطلسي والانقراض في نهاية الحقبة الترياسية.
تُطلِقُ البراكين انبعاثات غازاتٍ زئبقيّة تنتشر عبر الغلاف الجويّ، قبل توضُّعها في الرسوبيات. ولذلك فإنّ أيّ رسوبيّاتٍ متبقّية خلال حدثٍ بركانيٍّ كبير يُتوقّع أن تكون ذات محتوىً زئبقيٍّ مُرتفِع.
استورد الفريق ستةَ توضُّعاتٍ رسوبيّة من بريطانيا، والنمسا، والأرجنتين، وغرينلاند، وكندا، والمغرب، وحُلِّلت مستويات الزئبق فيها. أظهرت خمسةٌ من أصل ستةِ سجلَّاتٍ زيادةً كبيرة في المحتوى الزئبقيّ بدءاً من أفق الانقراض المُصاحِب لنهاية العصر الترياسي، مع ملاحظة ذرواتٍ أخرى بين أفق الانقراض والحد الفاصل بين العصرَين الترياسي - الجوراسي الذي حدث بعد 200 ألف سنة تقريباً.
تزامنت الانبعاثات الزئبقية المرتفعة أيضاً مع الزيادات السابقة في تراكيز ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي، ممّا يشير إلى تحرير غاز ثاني أكسيد الكربون من انبعاثات الغازات البركانية.
وأوضحَ لورانس بيرسيفال، المؤلف الرئيسي و طالب الدراسات العليا في مجال الجيوكيمياء في جامعة أوكسفورد؛ أنّ هذه النتائجَ تدعمُ بشدّةٍ حدوثَ نشاطاتٍ بركانيّةٍ متكرِّرة في نهاية الحقبة الترياسية، وبدء الانفجارات البركانيّة خلال الانقراض المصاحب لنهاية الحقبة الترياسية.
يقوّي هذا البحث بشدّة الرابطَ بين الانقراض الجماعيّ الترياسي والانبعاثات البركانيّة لغاز ثاني أكسيد الكربون. وهو دليلٌ إضافيّ يحسّن من فهمِنا لهذا الحدَث، وقد تكون انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون البركانيّ هي السبب المُحتمَل للانقراض، وربّما لأحداث تغيُّر مُناخٍ أخرى في تاريخ الأرض. واليوم مع ازدياد انبعاثات ثاني أكسيد الكربون والتي سببها الرئيسي الإنسان نفسه، باعتقادكم هل من الممكن أن تشهدَ الأرضُ انقراضاً جديداً؟ شاركونا آراءكم بالتعليقات.
المصادر: