العمارة والتشييد > الترميم وإعادة التأهيل
طريقةُ الوصولِ الجديدة للمركزِ التَّاريخيِّ لمدينةِ جيرونيّا
جيرونيّا Gironella مدينةٌ إسبانيَّةٌ تاريخيَّةٌ يقسمُها نهرُ لوبريغات Llobregat، ويقعُ مركزُها التَّاريخيّ على قمَّةِ تلٍّ بارتفاعِ عشرين متراً على ضفِّةِ النَّهرِ اليُمنى، حيثُ تتواجدُ قلعةٌ شُيِّدت في العصورِ الوسطى محاطةً بجدرانٍ دفاعيَّة.
نمت مدينةُ جيرونيّا وتوسَّعت خلالَ العقودِ الأخيرة، وانتشرَ التَّوسّعُ العمرانيّ الجديدُ للمدينةِ الحديثةِ على ضفِّةِ النَّهرِ المقابلة، بجوارِ الطَّريق الذي يربطُ بينَ برشلونة وبيرغا، ويفضِّلُ السُّكان هذا الموقع الجديد نظراً لتضاريسه الأكثر انبساطاً والتي تسمحُ بالتَّوسُّع العمرانيّ السَّهل.
الانقطاعُ العمرانيّ:
ولَّدَ الحاجزُ الشَّاقوليّ الذي يبلغُ ارتفاعُه عشرين متراً بين قسمي المدينةِ القديمِ والحديث عائقاً وحاجزاً اجتماعيَّاً، وهجرَ العديدُ من السُّكان عبرَ السَّنوات هذا المركز التَّاريخيّ بسببِ صُعوبةِ الوصولِ إليه؛ إذ يحتاجُ عبورُ الشَّوارعِ الضَّيّقةِ والمُدرَّجة التي تقودُ إلى ساحةِ فيلا Vila في المدينةِ القديمة جُهداً كبيراً من قبلِ السُّكان وخاصَّةً كبارُ السِّن منهم.
تضمَّن مقترحُ المشروعِ إدراجَ نقطةِ وصولٍ جديدةٍ للمركزِ التَّاريخيّ، مهمّتُها زيادةُ الارتباطِ والتَّواصلِ العُمرانيّ بينَ قسمي المدينة، وتعزيزُ فعاليَّةِ المدينةِ القديمة وتجنُّبُ انعزالِها الاجتماعيّ.
نظراً لهذهِ الصُّعوبات قرَّرَ المهندسُ المعماريُّ كارلوس إنريك Carles Enrich استخدامَ أحد أشهرِ وسائلِ الانتقالِ الشَّاقوليّ، (المِصعدُ الكهربائي)، والذي سيعزِّزُ ويُسهّلُ إمكانيَّةَ الوصولِ إلى المدينةِ القديمة.
رُغم كونِ مشروعِ الرَّبطِ العمرانيّ بينَ قِسميّ المدينةِ مساهمةٌ جديدة، لكن توجّب عليه أن يراعيَ خصائصَ الموقعِ التَّاريخيّ وأن يندمجَ مع الذَّاكرةِ التَّاريخيَّةِ للمكان، لذا تمَّ اختيارُ موقعِ المصعدِ بنقطةٍ استراتيجيَّةٍ بجوارِ الطَّريقِ النَّهريّ كال ميتري Cal Metre، لتحفيزِ النَّاسِ على إعادةِ استخدامه، إذ أنَّهُ كانَ طريقاً حيويَّاً للوصولِ إلى مصانعِ الغزلِ والنَّسيج المشيَّدةِ في بدايةِ القرنِ الماضي والمطلّةِ على الواجهةِ النَّهريَّةِ لمدينةِ جيرونيّا بجانبِ عددٍ من البقايا الأثريَّة التي تعودُ للعصورِ الوسطى والتي تحملُ إرثاً معماريَّاً غنيَّاً. بالإضافةِ إلى تحقيقِ استمراريَّةٍ عمرانيَّةٍ بين هذا الطَّريقِ والفراغِ العام لساحة Vila الواقعة أعلى السُّور.
الإنشاء ومواد البناء:
نظراً للقيمةِ التَّاريخيَّةِ والمعماريَّةِ التي يمتلكها الموقع، رُوعيَ بتشييدِ المصعدِ استخدامُ موادَّ تنسجمُ مع المواد الموجودةِ مسبقاً، معَ التَّأكيدِ على دورِ المسطَّحاتِ الخضراء المحيطةِ كفراغٍ عام، وعليهِ استُخدم بالمصعدِ ثلاثةُ مواد مختلفة هي الفولاذُ والآجر والزُّجاج.
نُفِّذَ الهيكلُ الإنشائيُّ للمصعد من إطارٍ معدنيّ (بارتفاعٍ إجماليّ حوالي 24 متراً)، وتألَّفَ من أعمدةٍ أنبوبيّةٍ شاقوليَّةٍ وحلقاتٍ أنبوبيَّةٍ رابطةٍ للأعمدةِ السَّابقة، وعددٍ من المقاطعِ المعدنيَّة بشكلِ حرفِ L ملحومةٍ مع الحلقات ووظيفتُها حملُ طبقةِ الإكساءِ الخارجيَّة.
تألَّفت طبقةُ الإكساءِ الخارجيَّة من شبكةٍ من الآجرّ المفرَّغ تُغلِّفُ الوجوهَ الخارجيَّةَ الثلاثةَ للمصعد، وتغطِّي هذهِ الشَّبكةُ السِّتة عشر متراً العليا منَ المنشأة، وتمَّ اختيارُ شكلِ قطعِ الآجرّ وتوزيعُها بشكلٍ يحجبُ الأشعَّةَ الشَّمسيَّةَ معَ السَّماحِ بدخولِ الضَّوءِ والتَّهوية إلى بيتِ المصعد، ليأخذَ المصعدُ طابعاً يتمتّع بالخفّة، في حين تُركت الواجهةُ الدَّاخليَّةُ المقابلةُ للجُرفِ الصَّخريِّ مفتوحةً للسّماحِ بالتَّواصلِ بصريَّاً مع الجدارِ الحجريّ الذي يُشاهَدُ بوضوحٍ خلالَ حركةِ المصعد.
أمَّا القسمُ السُّفليّ البالغُ ارتفاعُه ثمانيةَ أمتارٍ فتمَّ إكساؤه بالزُّجاج، للاستفادةِ من شفافيَّته بالارتباطِ البصريِّ مع الطَّريقِ النَّهري Cal Metre والمنظرِ الطَّبيعيّ المُحيطِ به والّذي يتغيَّرُ باختلافِ الفصول.
كما تمَّ إكساءُ واجهةِ المصعدِ العُليا والتي تسمحُ بالانتقالِ إلى ساحة Vila العامَّة بالزجاج، وذلكَ لإعطاءِ المُستخدمين إطلالةً مباشرةً على السَّاحةِ والفعاليَّاتِ التي تجرِي ضمنَها.
قد يَعتقدُ البعضُ أنَّ ما سبقَ ذكرهُ لا يتعدَّى استخدامَ مصعدٍ كهربائيِّ شبيهٍ بتلكَ المصاعدِ الموجودةِ في الأبنيةِ العامَّة مع وضعِ بعضِ التزيينات عليه، إلَّا أنَّه حقيقةً مشروعٌ معماريٌّ سعى المصمِّمُ من خلالِه لمُراعاةِ أصَالةِ المناطقِ التَّاريخيَّةِ ونسيجِها الاجتماعيّ. والسُّؤالُ الأساسيّ: هل وُفِّقَ المصمِّمُ بهذهِ العمليَّة؟ سنتركُ الإجابةَ لكم.......
المصدر: