كيمياء مسلسل (Breaking Bad); سمٌ قاتلٌ للتعامل مع المنافسين

تحذير: إن لم تنتهِ من مشاهدة الموسم الرابع من المسلسل تجاوز قراءة الفقرة الأولى من المقال.

خلَّصته عبقريته من مآزق عدَّة لا يُحسَد عليها، فكان مستر والتر وايت يستخدم معرفته ودهاءه ليزيل العقبات والأشخاص من طريقه في مجال عمله الجديد لصناعة الميث، فنراه في الموسم الرابع من السلسلة يحضِّر سمًّا قاتلًا من بعض البذور ليتخلَّص من رئيسه في العمل وما يتبع ذلك من أحداث تتعلق بهذا السم. فما هو هذا السم؟ وهل هو خطيرٌ حقًّا إلى هذه الدرجة؟

الرايسين أحد أكثر المواد الطبيعية المعروفة سميَّة، وهو عبارة عن بروتين يوجد طبيعيًّا في بذور نبات الخروع (Ricinus communis)، اكتُشِف من قبل (Peter Hermann Stillmark) عام 1888 عند استخلاصه للمادة من بذور الخروع وتجربتها على كريات الدم الحمراء.

يوجد الرايسين في مخلَّفات عملية إنتاج زيت الخروع، إذ لا يمكن وجوده في الزيت كونه ينحل في الماء، وإنَّ احتمال التعرض غير المقصود للرايسين ضعيف جدًا إلَّا إذا ابتُلِعت حبوب الخروع بعد كسرها أو مضغها ممَّا يؤدِّي إلى امتصاص الرايسين عبر السبيل الهضمي. يتطلَّب إنتاج الرايسين عملًا دقيقًا للغاية، وتُنفَّذ التنقية الجزئية للرايسين من بذور الخروع للاستعمال بوظيفة سلاحٍ بيولوجي، فيمكن التعرض له عن طريق الاستنشاق أو الابتلاع أو ملامسة الجلد؛ إذ يتوفَّر على شكل بودرة. ويُعَدُّ الرايسين مادةً ثابتةً ومستقرة في الشروط النظامية، ويمكن تثبيط فعاليته بدرجة حرارة فوق 80 سيليسيوس.

يعمل الرايسين عن طريق دخوله إلى الخلايا ومنعها من تركيب البروتينات التي يسبِّب فقدانها موت الخلايا، فهو سام لكامل الجسم وقد تحدث الوفاة نتيجةً لذلك. الرايسين عبارةٌ عن بروتين يتألف من سلسلتين متغايرتين تربطهما الجسور ثنائية الكبريت؛ السلسلة (A) هي الجزء المؤثر من البروتين التي ترتبط مع الوحيدات الريبوزومية وتفككها نتيجةً لفعاليتها الإنزيمية التي تحلمه الأساس النيكليوتيدي الأدينين، ممَّا يمنع الخلية من تركيب البروتينات، أمَّا السلسلة (B) فوظيفتها توجيه السم إلى الخلية وتسهيل دخوله إليها نتيجةً لقدرتها على الارتباط بالكربوهيدرات الموجودة على سطح الخلية وخصوصًا الغالاكتوز.

على الرغم من أن 200-300 ميكروغرام كافية لقتل شخص بالغ، ولكن يتطلَّب الأمر 48-72 ساعة حتى تحدث الوفاة، ويعتمد نوع الأعراض وشدتها على طريقة التعرُّض للسم وكميته؛ فقد تبدأ الأعراض بعد استنشاق كمياتٍ كبيرةٍ منه بـ 4-8 ساعات ومن الممكن أن تتأخَّر إلى 24 ساعة، أمَّا عند ابتلاع السم فتبدأ الأعراض بعد أقل من 10 ساعاتٍ عادةً. ولا يوجد مادة مضادة (ترياق) للرايسين، لذلك يجب الحذر الشديد عند التعامل معه، وفي حال حدوث التسمُّم يجب الذهاب إلى أقرب مركز رعايةٍ صحية.

طرق التعرض للسم:

• الاستنشاق: يتطلَّب استنشاق كمياتٍ كبيرة من الرايسين لإحداث التسمُّم، ولكن في حال التعرض له بكميات كبيرة يظهر العرض الرئيسي بأزمة تنفُّسية، وحمى، وسعال، وغثيان، وضيق تنفُّس، وتعرُّق شديد، وقد يتبعه وذمة رئوية ممَّا يزيد من صعوبة التنفس، وينخفض ضغط الدم في النهاية ويحدث فشلٌ رئوي مؤديًا إلى الموت.

• الابتلاع: يُظهِر الشخص بعد ابتلاع السم أعراض إقياءٍ وإسهال قد يتطور ليصبح إسهالًا دمويًّا، وقد يحدث التجفاف نتيجةً لذلك متبوعًا بانخفاض ضغط الدم. وقد تظهر أعراض عدة أخرى كون جميع الأعضاء معرَّضة للتسمم، ويتوقَّف الكبد والطحال والكليتين عن العمل بعد أيام عدَّة ممَّا قد يؤدِّي إلى الموت.

• ملامسة الجلد والعينين: من غير المحتمل امتصاص الرايسين عن طريق الجلد، ولكنَّ ملامسة الجلد والعينين للرايسين قد تسبِّب احمرارًا وألمًا في مكان التلامس.

إنَّ أعراض التسمُّم بالرايسين لا تشير إليه مباشرةً، والكشف عنه في الجسم صعبٌ جدًّا؛ إذ لا يوجد أي اختبار لتأكيد التسمم بالرايسين عدا اختبار البول لمادة الرايسينين الموجودة في بذور الخروع، ممَّا يجعله من أخطر السموم المعروفة. ولقد استُعمِل سابقًا لقتل الصحفي والكاتب البلغاري جورجي ماركوف (Georgi Markov) عام 1978؛ إذ تعرَّض للهجوم من قبل رجلٍ يحمل مظلَّةً شمسية، وحُقن الرايسين تحت جلد ماركوف.

يُجرَّب الرايسين والبروتينات الأخرى التي تشابهه لقتل الخلايا السرطانية، فهذه السموم يمكنها قتل الخلايا وإذا وُجِّهت على نحوٍ مناسب يمكن استعمالها لقتل الخلايا السرطانية دون التأثير في الخلايا الطبيعية.

ربما لم تكن مسوِّغات مستر وايت أخلاقية لاستعماله سم الرايسين، ولكن في النهاية من يريد أن يكون ملاحقًا من قبل أحد أكبر اتحادٍ لتجارة المخدرات!

المصادر:

هنا

هنا

هنا

هنا

هنا