العمارة والتشييد > التشييد
العلاقة بين الهيكلية الإنشائية للنباتات وهيكلية المباني الجزء الأول
في حديثٍ مع المديرِ مارك سيركيسيان يقولُ: "إنّ الأشكالَ التي وجِدَتْ في الطّبيعةِ، كانتْ المحرّكَ الأقوى لتحريضِ الذّاكرةِ الهندسيّةِ الكامنةِ"، حيثُ أنّ اندماجَ الهندسةِ مع علمِ الأحياءِ، مكّنَ الأبنيةَ العاليةَ من أن تكونَ ذاتَ كفاءةٍ ومتانةٍ عاليةٍ، بالإضافةِ للسّماحِ باستخدامِ الهياكلِ العضويّةِ في تصميمِها، والذي كانَ له السّبقُ في مشاريعِ SOM، وكانَ له صدىً عالميٌّ في تحسينِ الجودةِ الشّاملةِ.
بدَأَ سركيسيان بدراسةِ وفحصِ المقطعِ العرضيّ للهياكلِ الموجودةِ في الطبيعةِ والتي تُظْهِرُ نمطاً للنموِّ يمكنُ التّنَبُّؤ به رياضيّاً، وقد أُخِذَ بعين الاعتبارِ نمطُ نموّ الخيزرانِ للوصولِ إلى أدلّةٍ على كفاءةِ هذا النّموذجِ، حيثُ توصّلَ إلى أنّ المبادئَ الواجبَ تطبيقُها في الأبنيةِ العاليةِ تفترضُ متتالياتٍ محدَّدةٍ من الهياكلِ العضويّةِ للحصولِ على سماتٍ أكثرَ جاذبيّةً، مثل: نسبٍ مرتفعةٍ لمقاومةِ الأوزانِ، مرونةً وقدرةً عاليةً للتَّحَمّلِ على المدى الطويلِ، بالإضافةِ لشكلٍ ذي كفاءةٍ عاليةٍ لمقاومةِ الأحمالِ وزيادةِ الاستقرارِ، ففي هيكلٍ هذه المباني يعملُ الشّكلُ العضويُّ على زيادةِ مقاومةِ وكفاءةِ البناءِ من خلالِ تشتيتِ القوى عن طريقِ مشاركةِ الأحمالِ على كاملِ عناصرِ الهيكلِ ونقلِها إلى أساساتِ المبنى.
- (growth patterns):
China World Trade Center مركز التجارة العالمي في الصين
إنّ الاهتمامَ بالخيزرانِ كأحدِ الأشكالِ المعماريّةِ قادَنا لاكتشافِ العديدِ من خصائصِه وميزاتِه الإنشائيّةِ الفريدةِ، وإمكانيّةِ الاستفادةِ منها للوصولِ إلى ارتفاعاتٍ شاهقةٍ، حتى عندما يتعرّضُ الخيزرانُ لأمواجِ التسونامي فإنّه يستجيبُ لهذه الأحمالِ الجانبيّة بفعاليّةٍ وكفاءةٍ عاليةٍ ممّا يُظْهِرُ عبقريّةَ الخصائصِ الهيكليّةِ الطّبيعيّةِ والفعاليّةَ الهندسيّةَ له، حيثُ أنّ الاستجابةَ في الخيزرانِ تشبِه الاستجابةَ في العناصرِ الظفريّةِ.
يتكوَّنُ الخيزرانُ من السّاقِ، والتي تتألّفُ من العقدِ والسّلاميّات، حيثُ تُحَدّدُ العُقَدُ أمكانَ الدّيافرامات –عناصرَ غشائيّةٍ رابطةٍ– وتؤمِّنُ الأماكنَ الخاصّةَ بعملياتِ النّموّ، حيثُ يحصلُ تغييرٌ طفيفٌ في قطرِ السّاق في مواقعِ العُقَدِ.
توجدُ السلاميّاتُ بينَ العُقَدِ، و السلاميّاتُ هي عبارةٌ عن تجاويفَ تحيطُ بها السّاقُ، وتقعُ مادّة السّاقِ في أبعدِ نقطةٍ عن مركزِ الخيزرانِ، حيثُ تقومُ بتأمينِ مقاومةٍ عظمى للانحناءِ وتسمحُ للأحمالِ الشّاقوليّة (قوى الجاذبية) أن تقاومَ قوى الرّفعِ النّاتجةِ عن الأحمالِ الجانبيّةِ وتقلّلُ من الوزنِ الإجماليّ.
الهيكلُ الخلويّ لجدارِ الخيزرانِ يُظهِرُ تفاوتاً في الكثافةِ الخلويّةِ فهي ذاتُ كثافةٍ عاليةٍ بالقربِ من السّطحِ الخارجيّ للجدارِ وتقلُّ باتجاهِ الدّاخلِ.
تمّ تطبيقُ الخصائصِ الهندسيّةِ للأنظمةِ الإنشائيّةِ للخيزرانِ لتصميمِ برجِ مركزِ التّجارةِ العالميّ، حيث ينقسمُ البرجُ طوليّاً إلى ثمانيةِ أجزاءٍ، ويتطلّبُ التصميمُ الإنشائيّ أن يكونَ الحملُ الجانبيّ أكبرَ ما يمكنُ في قاعدةِ البرجِ لذلك نلاحظُ بأنّ ارتفاعَ السلاميّاتِ يكونُ أصغرَ مقارنةً مع منتصفِ البرجِ، حيث أنّ اختيارَ تباعداتٍ صغيرةٍ للسلاميّات يزيدُ من قدرةِ البرجِ على مقاومةِ عزومِ الانعطافِ، أمّا من منتصفِ البرجِ وباتّجاه الأعلى فإنّ ارتفاعَ السلاميّاتِ ينخفضُ تدريجيّاً بشكلٍ يتناسبُ مع قطرِ الأغشيةِ الرّابطةِ، وهكذا نجدُ بأنّ شكلَ السّاقِ يلبّي احتياجاتِ التصميمِِ الإنشائيّ لمقاومةِ الأحمالِ الجانبيّة.
- (mesh-tube):
تمّ تصميمُ ( برجِ فندقِ الجينلينغ في نانجينغ في الصّين JINLING HOTEL TOWER) بالاعتمادِ على مفهومِ هيكلِ الكائناتِ الحيّة، حيثُ مكّن هذا المفهومُ من القيامِ بتخفيضاتٍ كبيرةٍ في كميّةِ الموادِّ في الجملةِ الإنشائيّةِ وحجمِ العناصرِ الإنشائيّةِ المستخدمةِ في هذه الجملةِ، والوصولِ إلى كتلةٍ أصغرَ لموادِّ الإطارِ الهيكليّ ممّا سمحَ لفريقِ SOM بالحصولِ على نوعيّةٍ عاليةٍ للمساحاتِ الدّاخليّةِ مع إضاءةٍ طبيعيّةٍ فعّالة، وتهويةٍ طبيعيّةٍ بالإضافةِ لتخفيضِ انبعاثاتِ الكربونِ وتخفيضِ الآثارِ البيئيّة الضّارة.
إن هيكلَ هذه الشّبكةِ المستخدمِ في البرجِ مزيجٌ لمجموعةِ أنظمةٍ إنشائيّةٍ موضوعةٍ مسبقاً بالإضافةِ إلى نظمٍ مطورةٍ حديثاً.
يتكوّنُ هذا الإطارُ من عناصرَ قطريّةٍ متقاربةٍ مشدودةٍ أكثرَ من حالةِ شبكةِ الإسنادِ المائلِ التقليديّةِ. ويوضّحُ سركيسيان " إنَّ لمقاومةِ الأحمالِ الجانبيّة وتحقيقِ هدفِ الكفاءةِ تصاميمَ إنشائيًةً تصلُ إلى 100٪، تمّ الجمعُ بينَ قطاعات أفقيّةٍ و شاقوليّةٍ في النظام الجانبي لخلق شبكةٍ قطريةٍ رائعةٍ.
حيثُ تتعرَّضُ هذه العناصرُ لقوى شدٍّ وضغطٍ فقط من دونِ أيّ عزومِ انعطافٍ، ممّا أدّى إلى بنيةٍ تتسمُ بالكفاءةِ على النّحو الأمثلِ مع قوّةٍ وصلابةٍ للمباني العاليةِ، كما تتمُّ مضاعفةُ الهيكلِ الخارجيّ كجهازِ تظليلٍ متكاملٍ، وذلك بهدفِ التّخفيفِ من أحمالِ التّبريدِ ذات الاستهلاكِ المرتفعِ للطّاقةِ والنّاتجةِ من حرارةِ الشّمسِ المرتفعةِ على الواجهةِ الزجاجيّة. كما تمّ تصميمُ عناصرِ الشبكةِ الإنشائيّةِ ليتمَّ تصنيعُها خارجَ موقعِ المشروعِ وذلك بهدفِ الحدّ من مخلفاتِ البناءِ وخفضِ زمنِ التّنفيذ قدرَ المستطاعِ.
ومعَ تزايدِ ارتفاعِ المبنى فإنّ صفائحَ الطّوابقِ المركزيةِ تدورُ لإعطاء البرجِ حالةً من الاستقرارِ الإنشائيّ العضويّ، كما أنّ التباعدَ بينَ العناصرِ الأربعةِ العاموديّة تُعطي متانةً في منتصفِ الارتفاعِ ثم تلتقي الأشكالُ في القاعدةِ بحيث توفّرُ الطوابقُ الأرضيّةُ الصلابةَ والتوازنَ، في حين أنّ الطوابقَ العليا تكونُ ذاتَ صلابةٍ أقلّ وذلك لتكونَ قادرةً على مقاومةِ قوى الرّياحِ العاليةِ.
JINLING HOTEL TOWER
- (diagonal screen frams):
poly international plaza
أدّى الاعتمادُ على الأشكالِ الطبيعيّةِ والرغبةُ في تقليلِ انبعاثاتِ الكربونِ إلى تطوّر البنيةِ الإنشائيّة لشركةِ SOM. حيثُ تمّ تصميمُ هذا البرجِ باستخدامِ مبادئِ التقويّةِ الانشائيّةِ (شبكاتُ تربيطٍ) المستوحاةِ من الأجزاءِ الطبيعيّة الموجودةِ في الكائناتِ الحيّةِ النباتيّةِ، بهدفِ تشكيلِ إطارٍ هيكليّ مزدوجٍ مُبتكَرٍ، وتم تصميمُ الشبكاتِ الخارجيّةِ بهدفِ تقويةِ البلاطاتِ الخاليةِ من الأعمدةِ.
توفّرُ الهياكلُ ذاتُ الكفاءةِ الفائقةِ مساحاتٍ واسعةً مفتوحةً بالإضافةِ إلى التقليلِ من استخدامِ موادّ الإنشاءِ وبالتّالي تخفيضٌ كبيرٌ من انبعاثاتِ الكربونِ، ويقولُ سركيسيان " لقد تمّتْ إزاحةُ هيكلِ التقويةِ الخارجيّةِ على الواجهةِ الجنوبيّةِ بعيداً عن الجدارِ إلى الأمامِ بهدفِ التّحكّمِ بدرجاتِ الحرارةِ حيثُ تمّتِ الاستفادةُ منها كجهازِِ تظليلٍ ذاتيٍّ متكاملٍ وخاصّةً في أشهر الصّيفِ عندما يتعرّضُ البناءُ لأشعّةِ شمسٍ واردةٍ بزوايا مرتفعةٍ، وقد صُمِّمَ التباعدُ بينَ الجدارِ وهيكلِ التّقويةِ بحيثُ يسمحُ لأشعّةِ الشّمسِ الواردةِ بزوايا منخفضةٍ بالمرورِ إلى داخلِ البناءِ لجلبِ الضّوء والدّفْءِ لها خلالَ الأشهرِ الباردةِ.
- (Hurricane strength):
TRANSBAY TOWER
امتازَ هذا البرجُ بتصميمٍ فريدٍ من نوعه، معتمداً معاييرٕ استثنائيّةً للسّلامةِ الهيكليّةِ والوعيِ البيئيّ، بحيثُ أنّ الشكلَ الهيكليّ الجديدَ -الذي يتّسمُ به- يفتحُ آفاقاً جديدةً، وذلك نتيجةُ تأقلمِ بنيةِ البناءِ مع القوى الطبيعيّةِ.
واستندَ تكوينُ الشبكةِ الهيكليّةِ على علاقاتِ الاشتقاقِ الرياضيّ للظفرِ والتي وضعتْ أصلاً من قبلِ أنتوني ميتشيل في عامِ 1904. وخلافاً للاعتقادِ السّائدِ، فإن الظّفرَ ذو شكلِ بصلةٍ، والمتألفِ من مجموعةِ خطوطٍ شعاعيّةٍ، وبما يتناسبُ مع أنماطِ دوامةِ البحرِ نوتيلوس nautilus أو الإعصارِ القويّ، وقد وضعتْ الشبكةُ الهيكليّةُ مع عاملِ تدرّجٍ في الحجمِ والتي هي الأكثرُ تركيزاً في نقطةِ المركزِ وتظهرُ على شكلِ حلزونٍ، لتصبحَ أقلَّ تركيزا، ويصفُها مارك سركيسيان: "إنّ المناطقَ الدّاخليّةَ من الإعصارِ لديها أعلى مستوىً من القوةِ مع تخفيضِ عددِ القوى على طولِ الأذرعِ المتصاعدةِ".
إنّ الشكلَ اللولبيَّ، لديه أعظمُ مقاومةٍ في المركزِ وأقلُّ قدرٍ من المقاومةِ في السطحِ الخارجيِّ، وظهرَ ذلك بشكلٍ واضحٍ من خلال الشداداتِ التي من شأنِها أن تقاومَ الأحمالَ الجانبيّة حيثُ أنّها تكونُ بقيمتها العظمى في الأجزاءِ المشدودةِ من اللّولبِ و بقيمتها الدّنيا في الأماكنِ المفتوحةِ، كما تظهرُ الأقطارُ بشكلٍ شعاعيّ من زوايا البرجِ حيث تكونُ القوى كبيرةً ويتحوَّلُ الشكلُ لشكلٍ أكثرَ انفتاحاً بالقربِ من القمّةِ حيثُ تكونُ القوى صغيرةً.
ويكونُ الحملُ المطبّقُ بواسطةِ الرّياحِ بازديادٍ مع الارتفاعِ، وبالتّالي فمن الأفضلِ تقليلُ ارتفاعِ البناءِ، وتقليلُ مساحةِ السطحِ الذي سيقابلُ الرّياحَ، كما يتمُّ تجميعُ القوى النّاتجةَ عن حركةِ الأرضِ أثناءِ الزلازلِ ضمنَ البنيةِ فوق الأرضيّةِ و نقلها إلى الأرضِ.
سمحتْ هذه الخطوةُ الإنشائيّةُ الجريئةُ لفريقِ التّصميمِ باستخدامِ التّقويةِ للسيطرةِ على الحرارةِ المكتسبةِ من خلالِ التّظليلِ للواجهةِ، والسّماح لضوءِ النّهارِ والتهويةِ الطبيعيّةِ بالولوج للبرجِ.
TRANSBAY TOWER
إلى هنا نصلُ إلى ختامِ الجزء الأوّل انتظرونا في الجزءِ الثّاني والمزيد من الحلولِ الإنشائيّة المستدامةِ والمستوحاةِ من الكائناتِ الحيّةِ.
المصدر: هنا