الرياضيات > الرياضيات
أثقيلٌ عليك الحساب بعقلِك؟ لا تقلق و احسُب بِبدَنِك!
يحاول المختصّون وغيرُ المختصّين بأحدِ الفروعِ الرّياضيّةِ إيجادَ طرقٍ لتسهيلِها و فهمِها و كيفيّة التّعاملِ معها كمادّةٍ دراسيّةٍ فيلجؤون إلى طرقٍ عدّة أهمُّها التّجاربُ على عيّناتٍ بشريّةٍ، فمنهم من درسَ علاقتًها بتوتّرِ الأشخاص أثناء حلّهم لمسألةٍ رياضيّةٍ ما، كما فعل الباحثون في كليّةِ كينغز في لندن ومنهم من درسَ علاقتها بالجيناتِ الّتي يحملها البارِعونَ فيها كالبروفيسور سيمون بارون-كوهين، -أستاذُ علمِ الأمراضِ النّفسيَةِ التّنمويّةِ في جامعةِ كمبردج-، ومنهم من قامَ بإجراءِ تجاربَ ليرى ما إذا كان ممكنًا الشّعورُ بالرّقمِ وهل من مساعدةٍ تقدمها لنا الحركاتُ والإدراكُ الحسّيُّ لفهمِ الأرقام. هذا ما قام بهِ فلوريان كروس من جامعة رِدبود الهولنديّة، ولنرى ما توصّل إليه.
في الصّورة أعلاه ، العدد الّذي يشغلُ حيّزًا مكانيًّا أكبرَ «2» هو الأصغرُ كمًّا. كان صعبًا على الخاضعينَ للتّجربة اكتشافُ أنّ العدد 2 يشغلُ حيّزًا مكانيًّا أكبرَ و بناءً عليه كان العدد «9» بالنسبة لهم هو الأكبر.
في أغلبِ الأوقات، تدرس الرّياضيات برأسكَ إلّا أنّه بإمكانكَ أن تُعلِّم جسمَكَ كيفيّةَ القيام بها. بَحَثَ فلورِن كروس Florian Krause أثناء تحضيره لدرجةِ الدّكتوراة في معهد دوندِرز Donders Institute في جامعة رِدبود الهولنديّة Radboud University في كيفيّة معالجةِ وفهمِ دماغنا للأرقامِ ولحجم الرّقم. حيث بيّنَ أنَّ الحركاتِ والإدراكَ الحسّيَّ يساعدانا على فهم الأرقام.
كما نعلم أنّه أثناء تعلُّمِ الرّياضيات من المفيدِ ملاحظة أنّ قطعتي رخام تشغلان مكانًا أقلَّ من عشرين قطعةٍ ومن المفيدِ أيضًا الشّعور بأنّ كيسًا فيه عشرُ تفاحاتٍ أثقلُ من كيسٍ فيه تفاحةٌ واحدةٌ. في هذه الخصوصِ بحثَ كروس عن مناطقِ الدّماغِ المسؤولةِ عن قياسِ الحجمِ وكيفيّةِ عملِ هذه المناطق مع بعضها. واستنتجَ أنّ حجمَ الرّقم مرتبطٌ بالأحجامِ الّتي نستشعرها بجسمنا .
الحجم المشغول فيزيائيًّا
طلب كروس من الخاضعين للتّجارب أن يحدّدوا العددَ الأكبر مكانيًّا – أي الّذي يشغلُ حيّزًا فيزيائيًّا أكبر- في صورةٍ فيها ثمانية عشر رقمًا. كان هذا الرّقم هو الأكبرُ كمًّا أحيانًا ولكنّه لم يكن كذلك أحيانًا أخرى.
وجد الخاضعون للتجاربِ العددَ الأكبرَ بسرعةٍ أكثرَ عندما كان العدد هو الأكبر كمّاً في نفسِ الوقت. « وهذا ما يُظهِر كيف أن المعلومةَ الحسيّةَ حولَ كِبَر الحجمِ أو صغره ترتبطٌ بفهمنا للأرقام»، يقول كروس. إنّ إضافة هذه المعلومة حول الحجم يجعل معالجتنا للأرقام فعّالةً أكثر.
فاكهة أكثر، قوّة أكبر
حتّى الأطفالُ الصّغار يتمتَّعون بالإدراكِ الحسّيِّ للحجم. ففي إحدى ألعابِ المِعداد اليدويِّ، طلب كروس منهم رفعَ منصّةٍ تحمل بضعَ أو عدّةَ حبّاتٍ من الفاكهة وذلك بالضّغطِ على أحدِ الأزرار. وعلى الرّغم من أنّ قوّة الضَّغطِ المطبَّقةِ على الزرِّ ليست ذاتَ أهميّةٍ، حيث أنّ ضغطةً بسيطةً كانت كافيةً، إلّا أنّ الأطفالَ في الحالةِ الّتي كان فيها الكثيرُ من الفاكهةِ على المنصّةِ ضغطوا على الزّرِّ بقوّةٍ أكبرَ من القوّةِ الّتي ضغطوا بها في الحالة الّتي كان فيها القليلُ من الفاكهة.
التّطبيقُ في التّعليم
يعتقد كروس أنّه يمكنُ لنتائجه أن تُطبَّق في تعليمِ الرّياضيات. « إذا كان الحجمُ الرّقميُّ ومعلوماتُ الحجمِ المرتبطةِ بالجسمِ مُمَثَّلَة مع بعضِها في الدّماغِ بالفعل، فإنّ تقويةَ هذا الجانبِ أثناءَ التّعليمِ من الممكن أن تكونَ ذاتُ فائدةٍ». كالحاسبُ اليدويُّ مثلاً الّذي يجعلنا ذوي خبرةٍ في معرفةِ طولِ المترِ أو العشرةِ سنتيمترات وذلكَ من خلال حملِه بكلتَي يَدَينا. يمكنُ تمديد هذه الفكرةِ العامّةِ إلى حقولٍ واسعةٍ وقابلةٍ للتّجريبِ إلى جانبِ الحيّزِ الطّوليّ المكانيّ، وذلكَ من خلالِ تطويرِ الأدواتِ الّتي تجعلُنا نرى كميّةً من الضّوءِ أو نسمعُ كميّةً من الصّوتِ تتعلَّقُ بحجمِ العددِ أثناءَ إجراءِ حسابٍ ما.
بناءً على ما سبق لا يسعنا إلّا أن نقولَ لأبنائنا أثناءَ توجيههم لحلِّ التّمارينِ الرّياضيّةِ، لا شيءَ صعبٌ، فإن لم تستطيعوا التّفكيرَ في التّمرينِ الرّياضيِّ ذهنيًّا، اشعُروا بِه! فالرّياضياتُ شعورٌ كباقي المشاعرِ من جُرأةٍ و خوفٍ أو بردٍ و حرٍّ و غيرهم! تتبّعوا حواسَكم و ستتوصَّلون رويدًا رويدًا إلى الحلّ!
المصادر: